نبذة مختصرة عن الفيلم
الفيلم يحكي قصة الشابة سامانثا (زوي دوتش)، البالغة من العمر 17 سنة، التي تستيقظ على إيقاع فوضى يوم يتكرر تواليا، يبدأ كل صباح على الساعة السابعة إلا ربع، وينتهي ليلا بموتها. الأمر الذي أدخلها في حلقة زمنية يتداخل فيها اليقين باللايقين والواقع بالمتخيل، ما أجبرها على تحدي هذا المصير الميتافيزيقي بتغيير أولوياتها الحياتية بالمصالحة مع ذاتها أولا، والآخر ثانيا عبر التضحية والإيثار والروح الإنسانية.
• دراما البحث عن الاستقرار في فوضى اللاستقرار
إن فيلم «قبل أن أسقط»، هو بحث صريح عن الخروج من حالة اللاستقرار إلى حالة الاستقرار بمفهومها الإنساني؛ وذلك في فترة عمرية حرجة (المراهقة) تعيشها بطلة الفيلم سامانثا (زوي ديوتش) وباقي صديقتيها الثلاث، بمختلف تبعاتها الاجتماعية والثقافية والنفسية والسلوكية. وقد حاولت المخرجة راي روسو يونغ في فيلمها، المأخوذ عن رواية لورين أوليفر «Lauren Oliver» التي تحمل نفس عنوان الفيلم المدروس «BEFORE I FALL»، التطرق بتفصيل لهذه الفترة العمرية بنوع من المسح البصري المعتمد على سميوطيقا اللون (اللون الأزرق، اللون الرمادي، اللون الأحمر…) الموظف بصريا، وسيكولوجيا التوظيف الموسيقي، ابتغاء تقريب المتلقي المفترض إلى اهتزازاتها واضطراباتها. إضافة إلى إشعاره بمدى خطورتها على الشباب غير مؤطر أخلاقيا، وذلك من خلال توالي اللقطات والمشاهد الفيلمية المعبرة عن حالة من القلق والتوتر واللامعنى الوجودي والأخلاقي المعاش من قبل سامانثا «Samantha»؛ على الرغم من توفرها على كل الظروف الحياتية المواتية ماديا، من: مسكن فخم وسط أحياء راقية تشمل فيلات ومنتجعات، سهرات ليلية باذخة، ألبسة، مؤسسات، مناظر طبيعية مفتوحة…إلخ. هذا ما تنقله إلينا عدسة المخرج توضيحا وتذليلا على أن الجوانب المادية لم تقف حصنا منيعا أمام فوضى اللاستقرار التي تعيشها بطلة الفيلم بمعية صديقاتها المقربات، وباقي شباب شمال غرب المحيط الهادي فضاء تصوير الفيلم. بمعنى مغاير، فسامانثا أضحت قضية المخرج، التي تتسرب منها باقي القضايا، قضايا الفراغ الروحي، وطغيان الفلسفة المادية في الحياة المعاصرة، مما جعل الإنسان، خاصة الأمريكي عرضة لروتينية الحياة، فجل أيامه تتكرر في غياب اللمسة الإنسانية المبنية على الإيثار والرحمة والإحسان.
وكأن المخرجة، تريد أن تعرّي الضمير الجمعي للمجتمع الأمريكي عبر الفرد ومأسيه؛ بالقول إن مقياس الطمأنينة والاستقرار النفسي والروحي للإنسان، غير مرتبط البتة بما يحوزه من ماديات، فبطلتي سامانثا تمتلك الغنى والشهرة…إلا كمياء الاستقرار النفسي والروحي. لذلك نرى أنها تقدم طرحة بلغة الصورة السينمائية عن الأسباب الحقيقة وراء هذا القلق، الذي يأتي في شكل أحلام متكررة تؤرق للبطلة «Samantha» وتؤدي بها إلى التفكير في التحرر والانعتاق من سجن الأنانية، وطرق أبواب التصالح مع الذات ومع الآخر (أسرتها، أصدقاؤها، معارفها).
• الموت كرؤية إخراجية لإحداث التغيير الوجودي
تحدثنا في ما تقدم عن اليوم الذي يتكرر أحلاما وأحداثا لـ”سامانثا” الشخصية الرئيسية للفيلم المدروس، وكيف أنها لم تجد فكاكا منها، وذلك قبل أن تتفطن إلى أن الحل موجود بين دواليب هذه الأحلام التي تأتي مشفرة بلغة الحلم، نفس الأشخاص ونفس الأفضية غير أن الذي يتغير كيفيات الموت، ومن سيموت من أصدقائها ومعارفها. ولا غرابة أن يصبح الموت كرؤية إخراجية حافزا بدل أن يكون عائقا؛ بمعنى أن يصبح الموت تلك القدرة الخلاقة في يد المخرجة، لانتشال بطلة فيلمها من اللامعنى واللاجدوى التي تعيشها داخل مجتمع يتجاهل الأبعاد الإنسانية، ويفضل الجوانب المادية الأنانية الآنية، وينأى عن حميمية الإنسان كمعنى فياض بالعطاء الإنساني الخلاق.
وبالتالي، تغدو مسالة اختيار مخرجة «BEFORE I FALL» موت بطلة فيلمها بمجد، هو بمثابة حل درامي عميق، يفلسف فيه الوجود الإنساني، ويعطيه هالته الأخلاقية والروحية، لكن في الوقت ذاته، يؤكد بصريا أن المرور إلى السكينة والطمأنينة والتصالح مع الذات والغير رهين بمدى قابلية الإنسان واستعداده على التضحية والإيثار والرحمة، وهذه الأمور تمر عبر خوض الفرد تجربة الموت الفعلية.
من هنا يمكن اعتبار فيلم «قبل أن أسقط» درسا من الدروس الإخراجية في كيفية استثمار الحياة بفاعلية، بعيدا عن الرؤى العدمية والقلق واللاستقرار المعنوي، رؤى كفيلة بإدخال المجتمعات الإنسانية في حيوات غير آمنة من الشتات النفسي والفكري والعرفي، تغيب الإنسان عن الرؤية العميقة لمفهوم الحياة الحقيقي. فالفيلم هو وقفة للتأمل للأمل بان هناك فسحة للإصلاح والتغيير شريطة العودة إلى إنسانية الإنسان.
أكثيري بوجمعة