هناك صيغ تنجح وتستمر وبمرور الزمن تتحول إلى نمط داخل عالم السينما، وينطبق هذا على أعمال الكاتبة الصحفية الأميركية الحاصلة على الأوسكار من فئة أفضل سيناريو عن فيلم “جونو” (2008) ديابلو كودي، التي تتعاون سينمائيا للمرة الثالثة مع المخرج جاسن ريتمان في فيلم “تالي” من خلال مشروع سينمائي يؤكد نضج النجمة الجنوب أفريقية الأصل شارليز ثيرون.
تلعب ثيرون بطولة هذا العمل، وهو من نوعية الدراما، وسبق لها التعاون من قبل مع الثنائي ريتمان وكودي في “الراشدون الصغار”، واليوم تعود للتعاون معهما في دور مختلف تماما عن أدوار الفتاة الشقراء المنطلقة المرحة الجذابة التي اعتاد الجمهور عليها خلال مشوارها الفني.
على النقيض تماما، تجسد الشقراء الجنوب أفريقية ذات 42 عاما هذه المرة دور “مارلو”، وهي أم لثلاثة أبناء، أحدهم رضيع حديث الولادة، وتستشعر مارلو مدى قسوة أم وربة منزل من الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة الأميركية.
تجدر الإشارة إلى أن ثيرون تملك شركة إنتاج خاصة بها منذ سنوات، وهذا مكنها من التدقيق في اختياراتها وتقديم الأدوار التي تناسبها وتروقها من خلال موقعها هذا، ولهذا لا تخشى من تقديم أدوار مختلفة عندما اعتاد الجمهور على أن يراها فيها، ومنها دور ربة المنزل، حيث تبرز ببراعة واقتدار الجوانب الأكثر مللا وقتامة ونكرانا من حياة الأمومة.
مارلو امرأة في منتصف العمر، كما أنها ليست من المدينة، بل من منطقة غير حضرية بالقرب من نيويورك، ولديها ما يكفي بالكاد لتعول أطفالها. ويلعب مارك دوبلاس دور زوجها، الرجل الطيب، ولكنه من النادر أن يساعدها في تربية الأطفال، بل يمضي معظم الوقت أمام ألعاب الفيديو، وأحيانا يلعب مع الأطفال دون أن يكون لديه أدنى قدر من الشعور بمدى المعاناة التي تقاسيها زوجته لتعول المنزل وتبقي الأسرة متماسكة.
تنشأ نقطة التحول الأولى في حياة الأسرة التعيسة مع وصول المربية “تالي”، وهي شخصية تنطبق عليها جميع مواصفات عالم كاتبة السيناريو كودي، التي تتميز بإبراز القضايا النسوية من خلال تركيبة هذه الشخصيات.
تلعب دور المربية النجمة الكندية ماكنزي ديفيز، ولأهمية الشخصية قرر القائمون على العمل أن يكون اسم المربية هو عنوان الفيلم، نظرا للتغيير الكبير الذي يطرأ على القصة مع ظهور هذه الشخصية على مسرح الأحداث.
أداء مميز
وصلت تالي إلى بيت مارلو كهدية من شقيقها الثري، وعلى الرغم من صعوبة تقبلها في البداية، لكن مع الوقت تصبح طوق النجاة بالنسبة لها، والشخصية التي أتاحت لها الفرصة لكي تلتقط أنفاسها بعد سنوات من الكبت والإجهاد بسبب متاعب الأسرة والأطفال، ودون أي فرصة للحصول على حياة شخصية.
يمضي إيقاع الفيلم بتفاصيله على الوتيرة المعتادة نفسها في أسلوب أعمال المخرج ريتمان، حيث يتعمق في أغوار نفسية الشخصيات، دون نقلات مفاجئة كبيرة، إلى أن تصل الأحداث إلى نقطة التحول الكبيرة لتبدأ رحلة اللاعودة.
وهذه المرة أيضا، تبدو الأحداث متوقعة إلى حد ما، نتيجة وجود فتاة شابة جميلة، ذكية، جذابة، تعيش مع الزوجين البائسين تحت سقف واحد.
حظي عمل الثنائي ريتمان وكودي معا حتى الآن بكثير من الإشادة من جانب النقاد، وتمتلك ثيرون خلال مشوارها السينمائي رصيدا مهما، فضلا عن حرصها على الابتعاد عن الأدوار النمطية، والميل للشخصيات غير التقليدية، وحتى ذات الطبيعة القاسية التي يصعب النفاذ إلى مكنونها، وهذا يبدو فعليا أقرب إلى شخصيتها الحقيقية في الواقع.
فبعد مشاركتها في أفلام المرأة الشريرة، مثل الجزء الأخير من سلسلة “السريع والغاضب”، و”الشقراء الذرية”، من نوعية أفلام الحركة التي تطلب لياقة مرتفعة، قامت بزيادة وزنها بشكل ملحوظ ليتلاءم مع شخصية ربة المنزل البائسة مارلو في هذا العمل.
وتعترف ثيرون بأنها عانت كثيرا بعد الانتهاء من تصوير العمل لكي تستعيد مظهرها المعتاد، والتخلص من الكثير من الوزن الزائد، لتكشف أنها أصيبت بالاكتئاب فترة بسبب كثرة تناول المواد السكرية.
وتضيف أيضا أنها تحدثت طويلا مع صديقات مقربات منها مررن بفترة الحمل والولادة وإرضاع الأطفال لتعرف منهن تفاصيل وأسرار تلك الفترة وكيفية التعبير عن مشاقها على الشاشة، فعلى الرغم من أن النجمة الجنوب أفريقية لديها طفلان فإنهما بالتبني.
عرض الفيلم في العديد من المهرجانات الفنية المهمة، من بينها صندانس وتريبيكا، وقوبل بحفاوة شديدة من جانب الجمهور والنقاد، كما حقق تصنيفا ممتازا على موقع “روتن تومايتوز” لتقييم الأفلام.
بالنسبة لثيرون، يعد هذا الفيلم إثباتا آخر على موهبتها المتميزة التي لا خلاف عليها، تضاف إليه مشاركة ثنائي رائع بارع في صناعة السينما.
سينفيليا – الألمانية