بالإضافة إلى الممثلة القديرة فاطمة وشاي والتقني السينمائي جواد بوعبد السلام ، اللذان سيتم تكريمهما في حفل الإفتتاح ، تكرم الدورة 19 للمهرجان الوطني للفيلم ، المقامة بطنجة من 9 إلى 17 مارس الجاري ، في حفل الإختتام ، رئيس القسم التقني سابقا بالمركز السينمائي المغربي محمد الصابري والمخرج محمد عبازي ، أحد رواد السينما المغربية في شقها الأمازيغي والذي يجر وراءه تاريخا طويلا من الممارسة السينمائية في أبعادها المختلفة .
راكم المخرج السينمائي محمد عبازي ، المزداد سنة 1938 بمدينة الخميسات ، على امتداد ما يزيد على نصف قرن من الزمان ، تجربة فنية وتقنية معتبرة في مجالات العمل السينمائي المختلفة ، الإخراج والتصوير وكتابة السيناريو والحوار والمساعدة في الإنتاج وإدارته أو تنفيذه …
كان من المنتظر ، بعد حصوله على البكالوريا في الرياضيات سنة 1960 من ثانوية مولاي يوسف بالرباط ، أن يتابع الشاب محمد عبازي دراسته الجامعية في الإحصاء ، لكنه سرعان ما صرف النظر عن هذا النوع من التكوين ليلتحق بمدرسة الفيلم ، موشن بيكتشر سكول ، التابعة لجامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلس ويحصل منها سنة 1966 على دبلوم في الإخراج.
لم يقنع عبازي بما حصله من معرفة سينمائية في هذه المدرسة الأمريكية ، بل عمل على تعميق تكوينه بمتابعة دروس ومحاضرات في هارفارد ، الجامعة الأمريكية الأكثر شهرة ، ليتخرج منها سنة 1969.
يعتبر عقد الستينات من القرن الماضي بمثابة المحطة الأساسية الأولى في تجربة هذا المخرج المتواضع والبشوش دوما ، فبعد سنوات التكوين الجامعي الأولى أخرج سنة 1966 باكورة أعماله السينمائية بعنوان” الطفل جوني ” ، فيلم التخرج ، وتلاه مباشرة بإنجاز ثلاثة أفلام وثائقية ، صورها وأخرجها لفائدة شركة الراحل مصطفى العقاد للإنتاج وشركة الفنانين المتحدين للتلفزيون بالولايات المتحدة الأمريكية ، وهي : ” حلم ميمونة ” ، الذي صوره بمدينة مريرت المغربية سنة 1967 ، و ” احتفالات إسبانيا “، صوره بإشبيلية وسراقوسة سنة 1967 ، و ” فاسكو الصغير ” ، صور بالبرتغال سنة 1968 . كما صور وأخرج سنة 1968 أيضا ، لفائدة التلفزيون الدانماركي وشركة ” نور فيزيون ” ، أربعة أفلام وثائقية حول المراهقين المغاربة في مواجهة التقاليد الموروثة ، هي على التوالي : ” العربي إبني ” ، صور بمدينة تيفلت المغربية ، و ” اتفاق ” ، صور بميدلت ، و ” عطلة مدتها ثلاثة أشهر ” ، صور بالريصاني ، و ” مرشد سياحي سري ” ، صور بمراكش . وفي نفس الفترة أنتج وصور وأخرج بمدينة الدار البيضاء فيلمين آخرين هما : ” رياضية ابنة رياضي ” ، سنة 1968 ، و ” اليوم الطويل ” حول الأمهات الخادمات سنة 1969 .
أتيح للسينمائي المغربي محمد عبازي أن يشتغل كمساعد مخرج أو مدير إنتاج في مجموعة من الأفلام الأجنبية التي صورت ببلادنا أو خارجها ، نذكر منها على سبيل المثال العناوين التالية : ” الرسالة ” سنة 1970 للراحل مصطفى العقاد و ” وينستون الشاب ” سنة 1971 للبريطاني ريشار أتنبوروغ و ” تو بييل ” سنة 1972 للأمريكي روبير وايز و ” الرجل الذي أراد أن يصبح ملكا ” سنة 1975 للراحل جون هيوستن و ” عيسى التاصري ” سنة 1976 للإيطالي فرانكو زيفيريللي و ” ماركو بولو ” سنة 1982 للإيطالي جوليانو مونطالدو و ” زمن اللصوص ” سنة 1983 للبريطاني تيري غيليام و ” حلم بعد حلم ” سنة 1984 للياباني كينزو و ” اشتار ” سنة 1985 لالين مي من الولايات المتحدة الأمريكية و ” كيبيش و دوتز ” للألماني ريشتر و ” الديك الأحمر ” سنة 1994 للسويدي ليبرمان و ” أفريكا بيك ” سنة 1995 للبريطاني شون موسلي و ” الحياة في الرمال ” للأمريكي بيري كلارك …
لقد استهل محمد عبازي مشواره الفني بالتكوين السينمائي الأكاديمي الرصين في الجامعات الأمريكية بكاليفورنيا وهارفارد ، وانتقل بعد ذلك إلى الممارسة الميدانية حيث كتب وصور وأنتج وأخرج العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية الوثائقية والروائية . كما احتك بأسماء وازنة إبداعيا على الصعيد العالمي عبر العمل إلى جانبها كمساعد مخرج أو مدير إنتاج أو غير ذلك من المهام ، ويكفي ذكر أسماء من قبيل المخرج السوري الأمريكي الجنسية الراحل مصطفى العقاد والمخرج الإيطالي فرانكو زيفيريللي والمخرج البريطاني ريشار أتنبوروغ والمخرجين الأمريكيين روبير وايز و جون هيوستن للوقوف على مدى قيمة الخبرة التي اكتسبها عبازي وراكمها نظريا وعمليا .
إن اشتغال عبازي لمدة طويلة مع السينمائيين الأجانب مكنه من الاطلاع عن قرب على مدارس سينمائية مختلفة ومتنوعة في الإخراج ، الشيء الذي سيؤهله ماليا ومعرفيا للإقدام على إنجاز أفلامه الروائية الطويلة الثلاثة بعد تأسيس شركته الخاصة ” أفلام تغمات ” سنة 1981 .
بعد عودته من الخارج واستقراره بالمغرب ، قضى محمد عبازي فترة قصيرة كموظف بالمركز السينمائي المغربي ، الذي التحق به سنة 1978 كرئيس لمصلحة الإنتاج ، وفي هذه الفترة أشرف على تنفيذ إنتاج فيلمين مغربيين طويلين هما : ” السراب” للراحل أحمد البوعناني و ” القنفودي ” لنبيل لحلو . ومباشرة بعد استقالته سنة 1980 من هذه المؤسسة العمومية المشرفة على قطاع السينما ببلادنا وتأسيسه لشركته الانتاجية الخاصة ، أقدم على مغامرة إخراج فيلمه الروائي الطويل الأول” ملواد لهيه ” وشارك به سنة 1982 في الدورة الأولى للمهرجان السينمائي الوطني بالرباط . وبعد 15 سنة تقريبا أخرج فيلمه الروائي الطويل الثاني” كنوز الأطلس ” سنة 1997 وحصل به على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في الدورة الخامسة للمهرجان السينمائي الوطني ، التي نظمت بالدار البيضاء سنة 1998. وبعد عشر سنوات ونيف أخرج سنة 2008 فيلمه الروائي الطويل الثالث “يطو تيتريت ” ، يطو نجمة الصباح ، الذى حصل على بعض الجوائز من بينها جائزة الزيتونة الذهبية لأحسن فيلم روائي طويل بالدورة العاشرة لمهرجان الفيلم الأمازيغي بتيزي وزو الجزائرية سنة 2010 .
ما يفوق خمسين عنوانا هو الحصيلة الفيلموغرافية لمسار سينمائي تجاوز نصف قرن بقليل، جرب خلاله السينمائي محمد عبازي العمل مع الأجانب ومع الأطر التقنية والفنية الوطنية . وهذه الحصيلة الفيلموغرافية هي ما سمحت به ظروف الإنتاج داخل المغرب وفرص الاشتغال المتاحة مع الأجانب ، وهي حصيلة جديرة بالدراسة والتأمل للوقوف على جانب من تاريخنا السينمائي ، الذي لم يدون بعد .
نعثر في هذه الفيلموغرافيا على أجناس فيلمية متنوعة من عناوينها ، بالإضافة إلى ما ذكر سابقا ، ما يلي : ” عالم سيزار روميروس ” (1967) ، ” أوتو بريمنجر ” (1971) ، ” أطفال التربية البديلة” (1973) ، ” جاء الماء ” (1977) ، ” سرقة أبو الهول” (1984) ، ” المغرب والبحر ” (1998) ، ” صحراء ” (2000) …
إن صاحب هذه الفيلموغرافيا جدير بتكريم مهرجاننا الوطني للفيلم ، لأنه من السينمائيين المغاربة الرواد الذين عملوا في صمت بعيدا عن الأضواء الحارقة أحيانا .
أحمد سيجلماسي (2018-03-08)
New 0 Google +0 0 0
تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
الخانات * إجبارية