الأربعاء 2018/2/21، غادرنا إلى دار البقاء المخرج الصديق الطيب الوحيشي، غادرنا هذا المبدع التونسي عن عمر ناهز 70 سنة، بعد مسار حافل بالعطاءات الفنية، مخلفا وراء مجموعة من الأفلام السينمائية المجيدة، أشهرها على الإطلاق فيلم “ظل الأرض”، الذي كان للجامعة الوطنية للأندية السينمائية شرف توزيعه على مجمل النوادي بكل المدن المغربية. و كان لي شخصيا شرف مشاهدته، في إطار أنشطة نادي إيزنشتاين بمدينة فاس، بداية سنوات الثمانينات من القرن الماضي، فكان ذلك إيذانا بنشوء علاقة خاصة لي بالسينما التونسية عامة، وتتبع مساراتها الفنية و مبدعيها الكبار خاصة، لأن “ظل الأرض”، لم يكن فيلما عاديا، و لكن مديحا شاعريا في البساطة و نشيد شجي في حب الأرض و التمسك بجذورها. فيلم يجعلك تعرف معنى السينما و معنى الحياة.
علاقة و زيارات الطيب الوحيشي للمغرب، لم تكن عادية، كانت عميقة و متعددة، حيث كان لي شرف التعرف عليه والإرتباط معه بصداقة خاصة، خلال المهرجان الوطني للفيلم في دورته الخامسة التي انعقدت سنة 1998 بمدينة الدارالبيضاء، حضر كضيف شرف، باعتباره صديقا للمغرب و المغاربة، ثم بعدها في مهرجان الفيلم الإفريقي بخريبكة سنة 2002، حيث قدم فيلمه “رقصة الريح” وفاز حينها بطله، الفنان الجزائري محمد الشويخ، بجائزة أحسن ممثل.
بساطة الطيب و عمق تفكيره و مراهنته على كل ما هو بسيط و جميل، كانت الأساس لعلاقاته بكل أصدقائه، و ممر رحب نحو مروج الحب و المحبة، و فضاء لخلق مساحات الود و التفاهم و مساعدة الأصدقاء الشباب.
تعرض الطيب الوحيشي، في مارس 2006، لحادث سير مروع في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، لدى مشاركته في فعاليات الدورة الأخيرة لمهرجان «مسابقة أفلام من الإمارات»، حيث تم اختياره رئيسًا للجنة التحكيم، ليرقد فترة طويلة على سرير الشفاء في أحد المستشفيات الفرنسية، بعد أن أُصيب وزوجته إصابات بالغة، أُقعد على إثرها سنوات عن الحركة، وحدثت له شبه إعاقة، و يصبح منذ ذلك الوقت يحارب العجز و الألم، و يصر على التشبث بأهداب الحياة، و محاولة إتمام المسير في طريق الخلق و الإبداع.
أخرج الراحل العديد من الأشرطة، أشهرها: “قريتي بين القرى” (المتوج بالتانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية سنة 1972)، وشريط “ظل الأرض” سنة 1982، وهو العمل الذي اُختير وتُوّج في أسبوع النقاد بمهرجان «كان» الدولي، بالإضافة إلى “مجنون ليلى” (1989) و”عرس القمر” (1998) و”رقصة الريح” (2002) و”ليلة افريقية” والخمّاس” و”قرطاج” وآخرها “طفل الشمس” سنة 2014.
فلترقد بسلام ايها الصديق الفنان، في ظل الأرض التي أحببتها و صنعت الأفلام من أجلها و اشتغلت بجد لرفع رايتها.