لا شك ان الافلام الوثائقية تنهل من الواقع مادتها بخلاف الدراما المتخيلة، وهذا ما جعلها ذات سلطة معنوية مؤثرة، بل ساهم البعض منها في محاكمة التاريخ واعادة بعض الحقائق الى مسارها الطبيعي، بعدما كانت محجوبة أو مختفية، وهذا يدل على ان الفيلم الوثائقي ساهم ويساهم في صنع الحدث وتغيير الواقع وليس في نقله فقط، ولا عجب إذا تخصصت بعض المهرجانات السينمائية العربية والدولية في هذا الجنس السينمائي، ومن بينها المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمدينة خريبكة المغربية، الذي اصبح حدثا سينمائيا هاما يعرفه المغرب مرة كل سنة، ومن هذا المنظور ارتأينا في هذا الحوار ان نسأل رئيسه الدكتور الحبيب ناصري بصفته ناقدا وناشطا سينمائيا، حول العديد من القضايا السينمائية العربية الراهنة.
– بداية كيف تقيم صناعة السينما في الوطن العربي؟
سؤال الصناعة السينمائية بوطننا العربي، يحيلنا ضمنيا الى الاستراتيجية الثقافية العامة في وطننا العربي ككل. في ظل هذه الرؤية من الصعب الحديث عن صناعة سينمائية عربية ذات رؤية مؤسساتية/اقتصادية، شبيهة ببعض الدول التي لها باع طويل في هذا المجال كامريكا والهند(هوليود وبوليود)، ولكن من الممكن الحديث عن تجارب سينمائية مختلفة في وطننا العربي، خصوصا والسينما كجنس فني وثقافي وفني لم نعرفه الا من خلال المثاقفة مع الغرب في ظل الاستعمار الغربي لوطننا العربي، حيث البداية كانت مع مصر، انها البداية التي جعلت السينما المصرية تنطلق مبكرا، بالمقارنة مع بقية الدول العربية الاخرى، من الممكن إن نحن اقتنعنا في وطننا العربي بضرورة ربط جزء من عائداتنا ومداخيلنا المالية بسؤال التنمية الثقافية وفي مقدمتها نشر ثقافة الصورة في مؤسساتنا التعليمية والتكوينية والجامعية والعلمية والانتاجية. في ظل هذه الرؤية المستقبلية من الممكن الحديث عن مخططات استرتيجية ثقافية وسينمائية وفكرية ككل.
بكل صدق نحن في امس الحاجة ان نوحد جهودنا العربية ليس فقط في مجالات ما هو اقتصادي صرف وسياحي الخ، والذي هو الاخر يعرف مجموعة من التعثرات ، ولكن نحن في امس الحاجة الى سن سياسة صناعية ثقافية عربية بشكل عام، وسينمائية بشكل خاص، لاننا مستقبلا سيكون من اللازم علينا محو الامية العربية عبر ثقافة الصورة وليس فقط محو الامية الابجدية الحرفية.
– باعتبارك باحثا ورئيسا لمهرجان يهتم بالافلام الوثائقية، كيف ترى مستوى هذا الجنس السينمائي ببلادنا ؟ ومن جهة أخرى وبمناسبة انطلاق فعاليات المهرجان الوطني للفيلم بطنجة هذه الايام ما مدى اهتمامه بالافلام الوثائقية المغربية؟
طبعا الفيلم الوثائقي ببلادنا لا زال يحبو ويبحث عن مكانته الطبيعية، وجود بعض الأفلام الوثائقية القليلة جدا وجدا في عدد أفلام المهرجان الوطني، هو خطوة إيجابية بالمقارنة مع ما كان، لكن مقارنة مع ما ينبغي ان يكون ، هذا يتطلب المزيد من الجهود. صحيح ايضا ان الفيلم الوثائقي كان مجهول الهوية تماما في السابق اي لم يكن اي اعتراف لا في حق المخرج الوثائقي ولا في حق الفيلم الوثائقي مثل دعمه الخ. اليوم هناك خطوة بذلت كتخصيص قسط مالي لدعم هذا الفيلم الوثائقي من ميزانية الدعم المخصصة للأفلام ككل، لكنها قليلة وضعيفة بالمقارنة مع أهمية الفيلم الوثائقية الثقافية والفنية والجمالية ، بل بلادنا محتاجة لطبيعة هذا الجنس الفني التعبيري والجمالي والانساني .
لابد ايضا من القول ان بعض المهرجانات الوثائقية القليلة في المغرب كمهرجان خريبكة واكادير باعتبارهما الأقدم ومهرجان أروبا الشرق الخ، قد ساهمت في نسبيا في نشر هذه الثقافة الفيلمية الوثائقية ولو بشكل جزئي ومحدود ، لكن لابد من بذل المزيد من الجهود القانونية والتنظيمية والمالية والإبداعية والتكوينية من اجل الرفع من مستوى الاهتمام بالفيلم الوثائقي ببلادنا . لا ننكر في المجمل بعض الخطوات التي بذلت بالمقارنة مع ما كان من جهل وتنكر تام للفيلم الوثائقي ومخرجه، لكن ما ينتظرنا هو مهم في زمن اذا دخلنا مثلا ولو بالصدفة لمقهى من مقاهي المغرب ستجد العديد من الناس يشاهدون فيلما وثائقيا تلفزيونيا . نحن في الحاجة الى تطوير سينمانا المغربية سواء في شقها الروائي او الوثائقي . المغرب وكما أقول دوما في كل مكوناته المعمارية والثقافية الشعبية وحكاياته وجغرافيته وإعلامه وأزقته القديمة وطبيعة معيشه الشعبي والبسته الخ ، يشكل مظهرا خصبا للقول السينمائي الوثائقي .
– بصفتك ناقدا سينمائيا كيف يمكن المراهنة على النقد السينمائي العربي لتقويم السينما العربية والنهوض بها؟
سؤال النقد السينمائي العربي، سؤال لا يبتعد كثيرا عما طرحناه سالفا. النقد هو ممارسة تفكيكية لما نتلقاه في سينمانا العربية، من اجل إعادة صياغة ما شاهدناه، او لنقل النقد السينمائي هو خلخلة للمنتوج الفني في افق الغمسالك بالبنى الداخلية والخارجية للخطاب الفيلمي وفق رؤية منهجية صارمة ودقيقة طبعا مع فسح المجال لمبدأ المرونة والتكييف والتوفيق وليس التلفيق المنهجي. هذه الرؤى المنهجية هي وليدة التلقي العلمي الاكاديمي المنفتح على العديد من المجالات المعرفية والمفاهيمية كعلم الاجتماع وعلم النفس والادب والانثروبولوجيا الخ. هنا سنكون اما قراءات عالمة ودقيقة وليس اما قراءات حدثية وقائعية اخبارية جاهزة ومتسرعة. اذن نحن امام سؤال البحث العلمي، وما النقد الا مكون من مكوناته. فما طبيعة التوظيف المالي العربي في هذا المجال؟. على الرغم من هذه الاكراهات فهناك اقلام اعتبرها، مهمة ونوعية في مجال النقد السينمائي العربي حتى ولو انها قليلة، لكنها مفيدة لمتابعة ما ينتج من افلام سينمائية عربية. وتبقى منظومتنا التربوية والعلمية والثقافية مطالبة ببذل المزيد من الجهود لتطوير سؤال النقد السينمائي العربي بوطننا العربي. اقول هذا الكلام وانا اعي طبيعة التأليف النقدي العربي السينمائي القليل في هذا المجال بالمقارنة مع بعض الاجناس التعبيرية والفكرية الاخرى.
– بحكم خبرتك النظرية والعملية في مجال الفيلم الوثائقي، وانخراطكم في العديد من المشاريع السينمائية العربية المشتركة، هل تراهنون على هذا الجنس لاعطاء السينما العربية نفسا جديدا والدفع بها نحو شراكة عربية اكثر جدية تحقق ما عجزت عنه باقي الاجناس السينمائية؟
بكل تأكيد، فنحن في المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي نراهن بقوة على جعل الفيلم الوثائقي، مكونا ثقافيا وفكريا وتواصليا خصبا ومطورا لثقافة الصورة ككل. نراهن على الفيلم الوثائقي لكي نصحح به الكثير من التمثلاث الخاطئة عنا عند الآخر، وحتى مع بعضنا البعض كعرب. الفيلم الوثائقي هو اليوم حاجة بل ضرورة ثقافية وفنية. حاجتنا العربية ستزداد يوما بعض يوم. دليلي في هذا تتبع العربي لبعض القنوات العربية الوثائقية، وارتباطه بها. الفيلم الوثائقي اليوم ضرورة ثقافية للعربي لكي يطور به رؤيته لذاته وللعالم وللآخر. ننهض على خزان تراثي وثقافي وعلمي وحضاري عربي كبير، فكيف لا نوظف هذا الارث في الدفاع عن انفسنا كعرب، وجعله اداة تعريفية لنا. الفيلم الوثائقي صمام امن ضد العنف والتطرف، وسيلة لكي نصلح به ما أفسدته السياسة العربية بيننا. به نقول نحن نعود الى أسرة عربية واحدة. به ايضا نقول لدينا نفس الاسئلة والرهانات التنموية. إذن فهو حاجة وضرورة عربية مهمة ونوعية وموحدة لنا.
أجرى الحوار فؤاد زويريق