كان من المتوقع مع الاقبال الكبير الذي شهده الفيلم السوري “دمشق مع حبي” للمخرج محمد عبد العزيز خلال فعاليات مهرجان دبي السينمائي الماضي ان يكون الفيلم من بين قائمة الجوائز التي اعلنت بمسرح مدينة ارينا بدبي. لكن الفيلم خرج دون أي جائزة تذكر. وقد تصور البعض أن السبب وراء ذلك هو ان قصة الفيلم تحكي عن فتاة يهودية سورية تقرر في صبيحة اليوم الذي تغادر فيه دمشق هي ووالدها العجوز إلى إيطاليا، ان تبقى بالمدينة لكي تعثرعلى حبيبها المسيحي المفقود منذ الحرب اللبنانية، حيث كانت تعتقد كما اوهمها الجميع أنه قتل في الحرب.
ومن المعروف أن تيمة الحب بين شخصين من دينين مختلفين إحدى التيمات التي تكررت في دورة مهرجان دبي المشار إليها حيث عرض المهرجان الفيلم المصري “الخروج” عن قصة حب بين شاب مسلم وفتاة مسيحية في مدينة القاهرة.
تراب دمشق
عادة ما يميل صناع الافلام إلى تقديم المدينة في قالب رمزي او تعبيري “أنثوي” لكن محمد عبد العزيز يقدمها في هذه التجربة كرجل. وتتحول محاولة الفتاة اليهودية البحث عن حبيبها المسيحي إلى عملية اكتشاف أو إعادة اكتشاف للمدينة / لدمشق أو الشام كما يطلقون عليها. وتبدو القصدية هنا واضحة في استخدام الاسم المحلي / التراثي للمدينة بوقعة الذكوري.
تتجول الكاميرا التي هي عين الفتاة في انحاء المدينة راصدة حجم التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت خلال سنوات. وفي الجزء الاول من الفيلم يبدو واضحا التوازي ما بين تجول الفتاة في الشوارع الدمشقية، وبين الشعور بالحنين الذي يبثه ابوها العجوز “اليهودي” “المهاجر” إلى ايطاليا حاملا آنية مليئة بتراب دمشق/ الشام. هذا التراب الذي اراد الرجل ان يدفن فيه والذي يموت بعد مغادرته بيوم واحد فقط.
في البداية ايضا نتعرف على ملامح اسرة هذا العجوز، الأسرة اليهودية السورية التي تعيش مهاجرة في ايطاليا ونفاجأ انهم يتحدثون بالعبرية فيما بينهم. وتبدو تلك الجزئية شديدة الاقحام على المنطق الطبيعي للأمور فهي مجرد اسرة مهاجرة ذات اصول عربية تربت اجيالها الاولى بالشام والثانية في ايطاليا فلماذا يتحدثون العبرية اساسا وبطلاقة طالما ان لغتهم الأم هي الشامية ولغة مهجرهم هي الأيطالية!
ويستطرد السرد خلال هذا الجزء من الدراما في حبكات فرعية ثقيلة الوطأة على ايقاع السرد خاصة مسألة عشيق ابنة شقيق العجوز اليهودي ورغبتها في ترك زوجها، حيث جاءت تلك التفريعة كمحاولة لالقاء الضوء على حياة الاسرة اليهودية المهاجرة بشكل يحتوي الكثير من التلسين الاخلاقي على فكرة سوء الأخلاق في المهجر في مقابل اصالة الوطن الأم.
وعندما تقرر الأسرة اليهودية العودة بالعجوز الذي مات يوم وصوله إلى المهجر ليدفن في تراب الوطن، يتوقف السيناريو عن متابعتهم لفترة طويلة ويستغرق تماما في متابعة رحلة الفتاة اليهودية بحثا عن حبيبها المسيحي المفقود، وهو ما أثر سلبا على تدفق السرد، خاصة أن ذاكرة المتلقى تظل محملة بالشخصيات التي ظهرت واختفت دون ان يعلم عنها شيئا، لتظهر قرب النهاية كمجرد استكمال للحدوتة حيث نراهم يدفنون العجوز في ارض الشام التي عشقها.
الحذاء الاحمر
يستخدم الفيلم اسلوب العدة الى الماضي، أو الفلاش باك الحر، لاستحضار الماضي داخل اللحظة الحاضرة. وذلك من خلال ما تتذكره البطلة عن حبيبها من لحظات حسية ورمانسية حدثت ولم تنتهي من الذاكرة. كأن تتذكر عندما اجبرها على خلع حذائها والسير حافية كنوع من الرهان، ثم احتفاظه فيما بعد بهذا الحذاء الاحمر الذي كانت ترتديه، وفكرة احتفاظ الحبيب بحذاء حبيبته هي رمز لرغبته في إلا تغادر ابدا على اعتبار أن الحذاء هو اول ما يرتديه الشخص المغادر ويستخدمه، وهي لفتة رومانسية و”سياسية” في نفس الوقت، وفي اثناء البحث عن الحبيب المفقود تعثر الفتاة على فردة من الحذاء في احد الاديرة التي كان الشاب المسيحي مترهبنا فيها. وتصبح اشبه بالعلامة التي توجد في خرائط البحث عن الكنوز الضائعة.
واثناء البحث تمر الفتاة بنماذج إنسانية توازي ما بين التغيرات التي حدثت للمدينة / الشام، وبين التغيرات التي اصابت البشر، فلدينا الأعرج الذي فقد ساقه بالحرب اللبنانية ويحاول ان يتعايش مع واقعه من خلال السخرية من كل شئ، وهي الشخصية التي قدمها باقتدار الممثل الكبير فارس الحلو.
وهناك العقيد الذي يضع صورة حافظ الاسد ويعيش في تفاصيل الماضي وامجاده وكأنه خارج الزمن حتى انه يشاهد مباريات كرة القدم التي فاتته طوال سنوات الحرب في لبنان كرمز لازمنة الأنتصارت الوهمية الغابرة.
اختلال السرد
ازمة الفيلم الحقيقية تبدأ عندما تتخذ الفتاة اليهودية طريقها خارج المدينة للبحث عن حبيبها في الدير وهناك تلتقي بفتاة هاربة في طريقها للزواج من حبيبها، حيث تستغرق تلك الحبكة الفرعية وقتا طويلا يكاد يشكل فيلم مواز للفيلم الأساسي، ويفشل السيناريو في خلق تواز بين قصة حب اليهودية والمسيحي وبين هذه القصة الحديثة ويبدو ان المخرج لم يميز بين الريليف (تفريغ انفعال المتفرج) وبين الاستطراد الغير فني والركيك وراء حبكة هامشية!
واختيار شخصية يهودية لتكون بطلة الفيلم يعتبر اختيار شديد الحساسية لدى المتفرج العربي على اعتبار ان اليهود مرادفون للاسرائيليين لدينا،ولكن الفيلم يركز على فكرة الانتماء الوطني بديلا عن الانتماء الديني الذي يخلق الفتن الطائفية.
وقد دعم هذه الفكرة كون البطل الغائب/ الحبيب المفقود، اصيب في حرب لبنان الطائفية، وهو اختيار ذكي من صناع الفيلم. ولكن السيناريو لم يبرز لنا السبب الحقيقي او المنطقي وراء رغبة بطلة الفيلم وأبيها العجوز في الهجرة رغم ما نلمسه من دفء وراحة في معاملة كل من يحيطون بهم من خلال علاقة البطلة بجيرانها في الحي.
كما تبدو قصة الحب الجانبية التي تدخلها البطلة مع صديقها الفنان الذي يصحبها في رحلة البحث عن حبيبها المفقود غير ذات قيمة بالنسبة للفكرة ومن هنا تتسبب في تشتيت مشاعر المتفرج وهي المشاعر التي من المتفرض ان تحتشد تجاه علاقة الحب الأصيلة بين اليهودية والمسيحي، ولكن ربما اراد المخرج تدعيم الصلة بين الفتاة وحبيبها من خلال ابراز أنه لا يوجد رجل اخر يمكن ان يحتويها سوى الحبيب المفقود .
“دمشق مع حبي”
بطولة : مرح جبر – خالد تاجا – فارس الحلو
إخراج و سيناريو : محمد عبد العزيز
إنتاج: مؤسسة الشرق للإنتاج والتوزيع
رامي عبد الرازق – مصر