تشهد الساحة السينمائية المغربية منذ مدة محاولات للإجهاز على السينما الهاوية التي عرفت انتعاشة مهمة خلال السنوات الماضية. إذ تَوَصَّلَ مُديرو المهرجانات السينمائية الخاصة بالهواة منذ فترة ببلاغ من طرف المركز السينمائي المغربي يُعلمهم بأنه عليهم الإدلاء برخصة تصوير الأفلام قبل عرضها ليتم التراجع عن هذا الشرط المُعجز بعد احتجاج المعنيين بالأمر، وليعلن بعد ذلك مدير المركز السينمائي المغربي عن إلغاء القرار والسماح بعرض الأفلام بدون رخصة، مع العلم أن أفلام الهواة تصور لحدود الساعة بدون رخص، الأمر الذي يطرح إشكالا قانونيا وتعارضا بين وجود مهرجانات سينمائية خاصة بالهواة مُعترف بها وتنال الدعم من طرف الدولة وعدم السماح في نفس الوقت للمخرجين الهواة بتصوير أفلامهم بشكل علني ودون مضايقات.
وما مُحاكمة سينمائي شاب هاوي بتهمة تصوير فيلم بدون رخصة سوى مثال على التناقض الحاد بين مايشهده المغرب من زخم لسينما الهواة التي يشتغل مخرجوها خارج شروط السينما الاحترافية، وبين النية المبيتة لقتل هذه السينما من طرف بعض المشرفين على الشأن السينمائي المغربي بمؤازرة السلطات، فيما أن “سينما الهواة” في المغرب أعطت ومازالت تعطي أسماء ضخت دماء جديدة في شرايين السينما المغربية.
مايجري الآن ينطبق عليه المثل المغربي “طلع تجني الكرموص، انزل شكون قالهالك”، إذ هناك على مايبدو نية لضبط الميدان السينمائي لكن بشكل تدريجي وبدون خلق ضجة تجعل المسؤولين في حرج وفي موقع من يحارب السينما وانتعاشتها الأخيرة في المغرب، ويجعلهم في موقع مقارنة غير متوازنة مع عهد سابق كان فيه مدير المركز السينمائي فاتحا المجال لكل من يريد ممارسة السينما دون قيد أو شرط.
ويبدو أن ترك السينما الهاوية خارج مراقبة ورقابة الدولة كما هي عليه الآن بات أمرا يُزعج، رغم أنه لم تظهر لحدود الآن أفلام هاوية جريئة في طرحها السياسي والإجتماعي بحيث يصبح الإزعاج حقيقيا وذو أساسا يُبنى عليه .
ولايمكن استثناء الجهات المحافظة المسيطرة على بعض مقاليد الدولة الآن من هذا التخوف المشوب بالحذر نحو السينما عموما وليس السينما الهاوية فقط، كونها ليست من الميادين التي تخدم تصوراتها، بل يرى فيها الكثيرون ممن ينتمون لهذا التيار مجرد حامل لقيم غير أصيلة ومدمرة “للأخلاق الحميدة”، التي يرون أنفسهم حامين لها وذائدين عن حياضها. فالسينما والفن في عُرف هؤلاء رجس من عمل الشيطان يجب اجتنابه، منهم من يُعلنها صراحة ومنهم من يأخذ سُبلا ملتوية ليصل لنفس الخلاصة، محاولا تشذيب ادعاءاته مع التأكيد على ضرورة رسم خطوط حمراء وقيود على المبدعين الاتزام بها وعدم تجاوزها.
من هذا المُنطلق تظل السينما الهاوية في المغرب مهددة بالاندثار في أية لحظة إن لم يقف السينمائيون والسينفيليون والمثقفون عموما ضد مايحاك لها في الخفاء، والذي سيصل في الشهور القليلة المقبلة إلى درجة قتل بعض مهرجاناتها وذلك باتباع سياسة تجفيف المنابع، حتى يعلن المسؤولون عن هاته المهرجانات انسحابهم من الساحة لكونهم لم يعودوا قادرين على الاستمرار لأسباب مادية.
إن دفاعنا في “سينفيليا” عن سينما الهواة في المغرب نابع من يقيننا أنها كانت وستظل رافدا مهما وأساسيا لتطور السينما في المغرب، وما الأسماء الشابة التي أنجبتها هذه السينما والتي أضافت دما جديدا لها سوى دليل على ذلك. وفي اعتقادنا أن من يستطيع الإبداع انطلاقا مِن لاشيء أو بإمكانيات جد ضعيفة في ميدان قائم أساسا على الجانب المادي ، ستكون له حتما كلمته حينما يَمُر للاحتراف، لأن الميزانيات الضخمة ظلت دائما غير كافية وفي حاجة للأفكار وللرؤية والإبداع المختلفين.