مغامرة أن تكوني ممثلة في المغرب!
حصلت الممثلة المغربية نجاة بنسالم على جائزة أحسن دور نسائي عن دورها في فيلم “رجاء” للمخرج الفرنسي جاك دويون، في مهرجان مراكش 2003، وفي الدورة الستين لمهرجان البندقية؛ لكن ذلك لم ينقذها من البؤس ومن الإقصاء من طرف أسرتها ومحيطها، لأنها مثلت في فيلم فيه بعض “المَسخ”.
ما هو “المسخ”؟ كلكم تعرفونه ومارستموه في الفراش؛ لكن أن تقوم ممثلة بأدائه في دور، وتقبله في فيلم، فهذا يعرضها لمعاملة عدوانية أبدية.
كانت تلك هي الحكاية التي قدمها الفيلم الوثائقي “رجاء بنت الملاح”، للمخرج عبد الإله الجواهري، وعرض في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للفيلم المنعقد بطنجة بين 26 فبراير وخامس مارس 2016.
صور المخرج نجمته المعذبة في عدة دورات لمهرجان مراكش، حيث تحضر ولا يسمح لها بالدخول، لأنها لم تقدم وثائق، ولم تحرر طلبا مسبقا.
وفرت مراكش فضاء للمفارقات، حيث تتجاور الفخامة والبؤس. ومكن زمن التصوير وتغيرات جسد الممثلة ومحيطها فرصة لإنقاذ الفيلم من طابع الريبورتاج، الذي يصيب الكثير من الأفلام الوثائقية التي تصور بسرعة. وأما سبب بعض الضجر فيه فهو الكليشيهات التي يرددها المغاربة في حواراتهم، والتي لا تقدم معلومات محددة، مثل “الغالب الله”، و”هذا ما أعطى الله”، و”الزمان متقلب”.
الفيلم قوي ومتماسك.. وقد صفق الجمهور مرارا حين تتحدث الشابة عن وضعها الصعب، وهي في غرفة آيلة للسقوط وتبيع السجائر بالتقسيط في ساحة جامع الفنا بقلب مراكش، حيث تباع نسخ من الفيلم.. كان ذلك التصفيق انتقاما من النفس، وتعبيرا عن الخوف من تبعات عشق البساط الأحمر في المغرب؛ فما يبدو لامعا ينتهي بكارثة.. والدليل أن كثيرا من الفنانين المغاربة يعيشون الآن في بؤس شديد ولا منقذ لهم.
في المغرب تعطى الأهمية للخبز لا للفن منذ أن سأل المعتمد بن عباد الخليفة يوسف بن تاشفين في مراكش عما قاله الشعراء، فأجابه “يطلبون الخبز”.
أمسك المخرج بمحنة شابة مغربية حلمت بالأضواء وكان الثمن فادحا.. صور الفيلم على امتداد عشر سنوات بشكل متقطع؛ وهو ما سمح بتتبع مسار النجمة الساقطة في البؤس.. في كل مرة تظن أنها وصلت القاع وتكتشف العكس.
كان ذلك تهديدا لكل ممثلة في المغرب، حيث العمل في الفن حلم ومغامرة نادرا ما تنتهي بسلام، وخاصة حين يتعلق الأمر بممثلة ظهرت في فيلم أجنبي تتلقى فيه قبلة.
أتفهم الآن بعض العناوين الصحافية التي تفيض بالشماتة وتتحدث عن لبنى أبيضار، مثل “طرد لبنى أبيضار من فرنسا”..يريد صاحب العنوان أن تكون لبنى في مراكش لتشتم في الشارع، ليبرد غيظه من بطلة “الزين اللي فيك”.
هذا النوع من الصحافيين الرجعيين الذين يخبروننا بأن لبنى ذهبت إلى فرنسا بعدما “تعرضت للاعتداء بمدينة الدارالبيضاء، حسب قولها”.
يعتبر الصحافي الرجعي أنها كذبت، وبالتالي تستحق الطرد لتعود إلى هنا، حيث يعرف هذا المجتمع الذكوري اضطهاد نسائه.
يوحي ذلك الخبر بأن فرنسا طردت كل المهاجرين بدون وثائق على أرضها، ولم يبق إلا لبنى.. هذا افتراض غير صحيح، لذا يجب البحث عن تفسير لخبر الطرد: إنه الشماتة.. يزعجهم أن تُحلق لبنى وتنجو، يريدونها أن تهان وتنكسر.
هؤلاء الرجعيون يحللون هكذا: أنا مع حرية الإبداع لكن فيلم نبيل عيوش يصور الجنس فقط؛ إذن هو ليس إبداعا وأسحب تضامني.. بمعنى أن الحرية تتجزأ حين يتم تصوير العلاقات العاطفية في الشاشة.
الصحافي الإرهابي الذي يشمت بتهديد السلامة البدنية للممثلة لا يدرك أن المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تقول “لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى، أو يحاول الالتجاء إليها هرباً من الاضطهاد”.
من ينفي الاضطهاد ليشاهد فيلم الجواهري، ليكتشف الثمن الذي تدفعه كل شابة تحلم بالشاشة.. لقد شرحت رجاء لمنتقديها أن ما يشاهدونه سينما لا حقيقة، ولم يصدقها أحد؛ بل قالت إن الممثل الذي شاركها الفيلم عنين، لكن لا جدوى من المرافعة؛ ففي مجتمع تتعاون فيه التقاليد مع التيارات الإسلامية يقمع كل اختلاف. واضح أن الطابوهات التي تسحق المرأة تعمل باستمرار، والذهنية النابذة السائدة تخيف النساء حين يفكرن في مصيرهن.
أخذ المخرج الجواهري الشابة إلى أسرتها لإجراء مصالحة، لكن الجميع يتحدث عن الفيلم الذي جلب اللعنة. توقف التصفيق في القاعة وحل الخوف، فما حصل لبطلة الوثائقي يحصل للممثلات في القاعة، ونادرات من تجرأن على البوح.
الممثلة تتلقى الإهانات وتقاطعها عائلتها.. وجل الممثلات يخرجن من المجال مبكرا، أو يتبن في صمت. هذا الاضطهاد سيزيد من الممثلات الحريصات على السينما النظيفة.
محمد بنعزيز