عبد المنعم أديب Archives - موقع سينفيليا https://cine-philia.com/tag/عبد-المنعم-أديب/ cinephilia,سينفيليا مجلة سينمائية إلكترونية تهتم بشؤون السينما المغربية والعربية والعالمية Thu, 08 Oct 2020 13:38:53 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.4.4 https://cine-philia.com/wp-content/uploads/2018/03/cropped-cinephilia2-1-32x32.png عبد المنعم أديب Archives - موقع سينفيليا https://cine-philia.com/tag/عبد-المنعم-أديب/ 32 32 فيلم “البُؤساء” .. هكذا يُصنع العنف في الأمم https://cine-philia.com/2020/10/08/%d9%81%d9%8a%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8f%d8%a4%d8%b3%d8%a7%d8%a1-%d9%87%d9%83%d8%b0%d8%a7-%d9%8a%d9%8f%d8%b5%d9%86%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%81-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3/?utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=%25d9%2581%25d9%258a%25d9%2584%25d9%2585-%25d8%25a7%25d9%2584%25d8%25a8%25d9%258f%25d8%25a4%25d8%25b3%25d8%25a7%25d8%25a1-%25d9%2587%25d9%2583%25d8%25b0%25d8%25a7-%25d9%258a%25d9%258f%25d8%25b5%25d9%2586%25d8%25b9-%25d8%25a7%25d9%2584%25d8%25b9%25d9%2586%25d9%2581-%25d9%2581%25d9%258a-%25d8%25a7%25d9%2584%25d8%25a3 https://cine-philia.com/2020/10/08/%d9%81%d9%8a%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8f%d8%a4%d8%b3%d8%a7%d8%a1-%d9%87%d9%83%d8%b0%d8%a7-%d9%8a%d9%8f%d8%b5%d9%86%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%81-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3/#respond Thu, 08 Oct 2020 13:38:53 +0000 https://cine-philia.com/?p=5740 هكذا يُصنع العنف، وهكذا تقف الأمم عند الحدود الفاصلة في طريقها الحضاريّ، وهكذا تتشكل الأخلاق والحالات النفسيَّة العامَّة التي تسيطر على المجتمع كلَّه .. يُصوِّر تلك الكيفيات بدَّقةٍ الفيلمُ الفرنسيُّ “البُؤساء” ( Les Misérables ). هذا هو القصد الرئيس الذي صرَّح به صُنَّاع العمل؛ وبعدَهُ الفيلم يتضمَّن الكثير من الدلالات والمعاني الأخرى التي لا يستطيع...

The post فيلم “البُؤساء” .. هكذا يُصنع العنف في الأمم appeared first on موقع سينفيليا.

]]>
هكذا يُصنع العنف، وهكذا تقف الأمم عند الحدود الفاصلة في طريقها الحضاريّ، وهكذا تتشكل الأخلاق والحالات النفسيَّة العامَّة التي تسيطر على المجتمع كلَّه .. يُصوِّر تلك الكيفيات بدَّقةٍ الفيلمُ الفرنسيُّ “البُؤساء” ( Les Misérables ). هذا هو القصد الرئيس الذي صرَّح به صُنَّاع العمل؛ وبعدَهُ الفيلم يتضمَّن الكثير من الدلالات والمعاني الأخرى التي لا يستطيع أحدٌ تجاهُلها نُظِمَتْ في طيَّات فيلم سيستجلب احترامك.

فيلم “البُؤساء” فيلم فرنسيّ، من إنتاج 2019. أخرجه مُخرج الأفلام الوثائقيَّة لادج لي ليكون أوَّل أفلامه الدراميَّة؛ بعد أن أخرجه فيلمًا قصيرًا من قبل عام 2017. الفيلم من تأليف مُشارك للمخرج، وأليكسيس مانينتي، وجيوردانو جيديرليني. من تمثيل داميان بونار، جبريل زونجا، والمؤلف مانينتي. الفيلم من تصنيف دراما، إثارة.

يبدأ الفيلم بلحظة الانتصار التي حظي بها “المجتمع” الفرنسيّ عندما حصل فريقه لكرة القدم على بطولة “كأس العالَم” 2018. وفي لقطات تشبه اللقطات في الأفلام التسجيليَّة نرى كيف يلتقي الشعب ليجتمع سويًّا من كل الشوارع الضيقة إلى الميادين الفسيحة، وكيف يتلفَّح بالعلم الفرنسيّ مَنْ هم من أصل عربيّ، ومَن هم من أصل إفريقيّ، مع مَن هم من أصل أوربيّ. نرى في لقطات ما قبل شارة الاسم ذلك الهياج الهستيريّ للجموع الغفيرة التي تكتظّ بها شوارع مدينة باريس، ومنطقة قوس النصر الشهيرة؛ مزيج غير عاديّ من الأعراق والأجناس والألوان لا يجمع بينهم إلا شعور الفرح الغامر بالنصر الكبير.

ثمَّ يسترعي نظرنا لقطة أرادها المُخرج فيها أنْ يضع يافعِينَ من السُّود ومن رءوسهم ينبثق “برج إيفل” الممتدّ بعيدًا نحو السماء. فهل قصد بها أنَّ البرج الذي هو رمز من رموز فرنسا يظلُّهم بهيبته وعنفوانه، أمْ قصد بها أنَّهم المؤسِّسون الجُدُد لنهضة الدولة كما فعل الأولون؟! .. ثمَّ بعد التحام الجميع في قوس النصر نجد الكاميرا ترتفع عنهم ليُكتب اسم الفيلم فوق الجميع؛ وكأنَّه يصف حال المجتمع كلِّه: هؤلاء هم “البُؤساء”.

Les Misérables
Les Misérables

تبدأ الأحداث عندما يَفِد ضابط شرطة يُدعى “رويز” إلى إحدى ضواحي باريس تُسمَّى “مونتفيرميل” في غمرة سعادة المجتمع بالفوز. وما بين التنمُّر الذي يلقاه من زميلَيْهِ كريس وجوادا في العمل -لكونه آتيًا من مناطق الريف الفرنسيّ-، وبين ما تُدلِي به أطراف الأحاديث بينهم وبين بقيَّة الزملاء ورئيسته نكتشف مدى التمزُّق المصاب به المجتمع الفرنسيّ في ثناياه. فالشرطة تشعر بالعجز وبأنَّها الطرف الأضعف، أو على التقدير الأقصى طرف من الأطراف ليس المُسيطر كما ينبغي أن يكون الوضع. والرئيسة تقول له نحن فريق وجِهَة إذا لمْ نتحد ستأكلُّنا “وحشيَّة العالَم الخارجيّ”! يقصدون به المجتمع.

الجريمة منتشرة في كل مكان بل هناك أحياء هي بُؤر لتوزيع جميع أنواع المخدرات، وللترويج للرذيلة لا تستطيع الشرطة دخولها، ثمَّ صارت تدخلها على استحياء شديد حيث لا تأثير لها هناك في ميزان القوَّة. وفي داخل هذه الأحياء سلطات أخرى مُوازية، وهناك عمدة لهم من السُّود. كل هذا يُشعر الشرطة بالضعف والوِحدة الذي به تستقوي ببقيَّة أعضائها ليُساندوها.

وهناك فئة تُسمِّيها الشرطة “وحدة الجرائم الخطيرة” أو الإخوان “إم” أو “الإخوان المسلمين” -لا يتعلقون بجماعة الإخوان المعروفة، بل هو مجرد اسم أطلقه الفرنسيون عليهم- وهم طائفة من المسلمين الأفارقة الصالحين أو الذين كانوا مجرمين ثمَّ تابوا. هذه الفئة هي التي حاربت الجريمة وأعادت النظام إلى بعض الأحياء الخطيرة. ونرى الضابط “جوادا” يروي هذه الأحداث نصًّا في أول الفيلم لصديقه الوافد الجديد. كما أنَّ هناك فوق السابقين بعض الفئات التي لا تنتمي لأحد وهُم “الغجر” وهي فئة موجودة في غالب المجتمعات لا تشعر بأيّ انتماء لأيَّة دولة إلا لأنفسها ووحدة جماعتها فقط. بعض منهم كان في الفيلم مُؤسِّسًا سِيركًا به حيوانات وعروض كاملة. وهناك فئات أخرى غير هؤلاء وهم المهاجرون من بلاد غير إفريقيَّة والذين يتنازعون على الوجود في ظلّ هذه الجبهات المُتعددة وظهر في الفيلم منهم بعض التجار من باكستان.

وهناك أخيرًا الجيل الصاعد وهُم الشبان اليافعون الأفارقة وغير الأفارقة الذين أتوا بعد ولادتهم إلى فرنسا أو وُلدوا فيها. وهؤلاء لمْ يتشكَّلوا بعدُ أو هم في طور التشكُّل بالفعل. ونسمع أحاديثهم التي تتمحور حول ضراوة المجتمع القَبَليّ الإفريقيّ في مناطق أصولهم، وكيف أنَّ أحلامهم أبسط من الجميع؛ يحلمون باللعب هانئين بأبسط الأشياء؛ حيث يُرينا المشهد تزحلقهم فوق أغطية سلات القُمامة في أحد الملاعب. ويبرز من ضمنهم طفلان “باز” وهو الطفل المنطوي الذي يمتلك طائرة محمولة تسير آليًّا وتُسمَّى “دُرُون” يستمتع بمراقبة الجميع بها، و”عيسى” الذي سيصبح بطل الأحداث. هذه هي مُؤسِّسات المشهد الكُلِّيّ الذي ظهر في الفيلم، والذي ستراه في واقع المجتمع الفرنسيّ الحاليّ.

لكنَّ صاحبنا “رويز” لمْ يكن يعلم أنَّ أول أيامه في الضاحية سيكون أصعب الأيام على الإطلاق ففي جولة سيارة الشرطة مع زميلَيْه يقفون عند السوق ويجولون ليُعرِّفا الأقدمانِ زميلَهُما بالبيئة التي سيتعامل معها. ثمَّ يُفاجأ الجميع بمَن يصرخ بتهديدات عنيفة للغاية من مُكبر صوت. يُسرع أبطالنا لمعرفة الأمر حتى تكتشف أنَّ الغجر أصحاب السيرك هم أصحاب التهديد؛ يدَّعون فيه أنَّ طفلاً أسود البشرة جاء إلى سيركهم وخطف شبلاً من الأشبال الصغيرة. وقد ذهب هؤلاء الغجر إلى عُمدة السود ليُهدِّدوه، وبعد تدخُّل الشرطة التي لا تستطيع السيطرة على المشهد يعطي الغجر مُهلة يوم واحد ليعود الشبل إليهم وإلا سيحرقون الحيّ عن آخره.

يتعقَّد المشهد تمامًا وتتوتر الأجواء ويعرف الوافد الجديد أنَّ أيام الهناء في الكُتُب فقط. يلجأ الشرطيون لحلّ هذه المعضلة إلى “صلاح” المجرم التائب. وهو مسلم إفريقيّ ذو مكانة ومركز يهابه الجميع دون استثناء حتى الشرطة، بعد توبته فتح مطعمًا ليرتزق بالحلال وهو يقف ضدّ الأعمال الإجراميَّة التي يتورط فيها الأفارقة زملاؤه. ويبحثون أيضًا عبر موقع “انستجرام” لمعرفتهم أنَّ الطفل الأسود الخاطف سيُعلن عن نفسه مُتفاخرًا عبر صورة يبثُّها عليه. وبعد بعض البحث يهتدي الشرطيّ كريس إلى الطفل من خلال الموقع، ويعرف أنَّه “عيسى” الطفل شديد المشاغبة الذي نراه في أوَّل اليوم في مقرّ الشرطة مُتهمًا بسرقة دجاج حيّ.

وبعد بحث عن الطفل في بيته وفي الجوار يهتدون إليه يلعب الكرة. يحاولون الإمساك به ولكنَّهم يقعون في مشكلات عديدة أولها عند دخولهم أرض الملعب حيث سارعوا بالعنف وتهديد الأطفال الموجودين، لم يسيطروا على أطفال بحِكمة الكبار البسيطة بل واجهوهم رجلاً لرجُلٍ. وبذلك جعلوا من أنفسهم فريقًا وجعلوا الأطفال فريقًا في المُقابل، وبدلاً عن أنْ يطبقوا القانون صنعوا تفرقة وجدانيَّة بها لمْ ينصَعْ الأطفال لهم لأنَّهم لا يتعاملون مع سلطة إنَّما مع أشخاص يريدون الضرر بفرد منهم. وبالفعل يُصاب جوادا عن طريق الخطأ برشَّاش الفلفل المُلهب للعينينِ. ثم يستطيع الطفل عيسى الإفلات من كريس والهرب، فيبدأ الجميع في مطاردة طفل صغير بمنتهى الضراوة والقسوة وكأنَّه مجرم دوليّ.

تتصاعد الأحداث وعيسى يهرب والجميع من الشرطة زملائه يسعون خلفه. وفي نقطة متطرفة من المباني يُمسك أفراد الشرطة بالطفل، ويحاولون السيطرة عليه مع إبعاد الأطفال الآخرين. يتصاعد اعتراض الأطفال الآخرين بشدة ويكادون يقتربون من الطفل. ومع الضيق الشديد الذي يشعر به جوادا يطلق رصاص الخرطوش -وهو رصاص مطاطيّ لا يقتل إلا إذا وُجِّه إلى منطقة حساسة للإنسان- على الطفل عيسى ليُرديه أرضًا. يُذهل الجميع للحظة مرَّتْ كعامٍ عليهم، وقبل أنْ يبدأ أحد في أيّ تصرُّف وفي ظلّ السكون التامّ المُسيطر على المشهد يسمعون صوت طائرة الطفل باز المُسيَّرة عن بُعد وقد صوَّرتْ أحداث الجريمة كاملة.

لا يصف المشهد الحاليّ إلا وصف التهوُّر الذي سيطر على الكبير والصغير، ودفع الجميع الراشدين وغير الراشدين إلى حافة التصرفات الجنونيَّة. الأطفال يريدون أن يثأروا من الشرطة التي وضعت نفسها ضدًّا لهم، والضابط الرقيق رويز يريد الاطمئنان على الطفل عيسى، والضابطان كريس وجوادا يريدان أن يُدركا أمر تصويرهما الذي سيكون كالصاعقة الجهنميَّة التي ستحرق الجميع في وقت واحد إنْ كُشف سرُّهما؛ فمن ناحية سيفصلون من عملهم، ومن وناحية أخرى سيندفع السود من كل مكان إلى انتقام لا رادع له، وقبل كل شيء وبعده إنْ لم يُعيدوا الشبل إلى السيرك سيعود الغجر بنيران مسدساتهم. وفي ظلّ توتر ليس بعد توتر يندفع الجميع نحو إدراك الأمر قبل الانفجار ولكنْ هل سينجحون؟

إنَّنا أمام فيلم ذكيّ يعرف كيف يُدير العمل ليصل بنا إلى ما يريده بدقَّة. وسرعان ما ستختبر هذا بنفسك في تجربة مشاهدة يتصاعد فيها الفيلم من مراحل الملل التي تبدو في أوله إلى مراحل الإثارة الفائقة، إلى أنْ يؤدي بكل ذهن سيشاهده إلى قضيَّة الفيلم الرئيسة التي يريدها ليضعها أمام عينيك كتابةً. ولعل رسائل الفيلم تبدأ من اسمه “البُؤساء” حيث هو اسم إحدى أشهر الروايات على الإطلاق التي كتبها الكاتب الفرنسيّ الشهير “فيكتور هيجو”، كذلك دارت أحداث الفيلم في الضاحية نفسها التي عاش فيها “هيجو”، وذكر الكتاب بالنصّ مرَّاتٍ في الفيلم. بل اتخذ وسيلة لشيئَيْن أولهما الدلالة على البؤساء أو هذا المجتمع الذي حُرِمَ من كلّ صفات المجتمع الصحيَّة الواجب توافرها، وكذلك ما يعانيه من مشكلات جعلت منهم “بؤساء”.

ثاني الدلالات هو التغيُّر الشديد الذي أصاب المجتمع الفرنسيّ منذ عهد “هيجو” إلى يومنا الحاليّ؛ حيث كلّ شيء تغيَّر فيه نسبة السكان ارتفعت للغاية، وتركيبة السكان تغيَّرت للغاية. ففرنسا التي كانت عَلَمًا على أوربا ذات البشرة البيضاء والثقافة العتيدة في التراث الأوربيّ صارت شيئًا آخر. حيث تعجُّ بذوات البشرة السوداء في كل مكان، وكذلك المُلوَّنين أيْ غير السود مثل العرب والأسيويين. ليست الأجناس التي تغيَّرتْ وحدها، بل الديانات أيضًا حيث فرنسا التي كانت مركزًا من مراكز الحروب الصليبيَّة على طول تاريخها، والتي حملت دومًا نظرة العداء للإسلام صارت كلمة “السلام عليكم” أحد أكثر الكلمات ترديدًا على الأسماع فيها.

لكنَّ هذا التغير الكامل الذي أصاب المجتمع الفرنسيّ لمْ يغيِّرْ كثيرًا من أحوال الناس العامة من عصر “هيجو” حيث ما زال أفراد المجتمع “بؤساء” في جُملتهم ونشهد هذا من الذي تصوره لنا الكاميرا المُسيَّرة للطفل باز ومما تصوره لنا كاميرا الفيلم من أشكال للمباني وللتجمُّعات ومن هيئات الأسواق التي يضجُّ بها واقع المجتمع الفرنسيّ الحديث، وكذلك من شيوع الجريمة بكلّ أشكالها. وما زالت النظرة الأوربيَّة للآخرين طافحةً بالعداء والاستعلاء. ونسمع في الفيلم أقوال مثل: إنَّهم العرب والأفارقة سُدَّ أنفك من رائحتهم، ولا تقترب منهم كثيرًا حتى لا تُصاب بالتيفوس والأمراض المُعدية! .. وتشكُّ بعدها وقد تتساءل: هل ما زالوا يطلقون على “باريس” عاصمة النور؟!

وكذلك يُصوِّر الفيلم عنف الشرطة في كل زمان ومكان. لكنَّه لا يعرض القضيَّة بهذه السطحيَّة، بل يطرح مُبرِّرات لهذا العنف والتعدِّي على حقوق المواطنين. مثل ضرورة اتسام رجل الشرطة ببعض القسوة كيْ يستطيع إدارة الأمور، وكي يكتسب الهيبة في قلوب المواطنين. لكنَّ الإشكال الحقيقيّ أنَّ الشرطة دومًا تنسى تلك الأغراض التي من أجلها أعطاها القانون الصلاحيات من أجلها، وتعتقد أنَّ هذه الصلاحيات حقّ أصيل لها، بل تعتقد اعتقادًا جازمًا أنَّها ذات مركز يتفوق على المواطن العاديّ، ومثل هذه الاعتقادات هي التي تؤدي برجل الشرطة إلى مُخالفة القانون كليَّةً وهو المَنوط بتطبيقه كليَّةً. وهي أيضًا التي تُساهم كل المساهمة في أنْ ينقسم المجتمع إلى طبقات حتى إنْ لم يكن طبقيًّا، وهي أيضًا التي تجعل عنصر الأمن مكروهًا في مجتمعه، بل يتحوَّل عنصر الأمن إلى تهديد أمنيّ.

وهنا يُرينا الفيلم كيفيَّة تفتُّت المجتمع، وكيفيَّة صُنع العنف في داخله صُنعًا حتى يتحول المجتمع إلى مصنع كراهية. فليس الإهمال والظلم وشيوع السلوكيَّات السيئة، وليس تفحُّش الدولة في اختراق حقوق المواطنين، وليس التفاوت الطبقيّ المُجتمعيّ، وليس النظر إلى أفراد من المجتمع على أنَّهم حشرات وجراثيم يجب الابتعاد عنهم في استعلاء، وليس ضياع الميثاق الاجتماعيّ العموميّ الذي بُني عليه المجتمع أصلاً .. ليس كل هذا إلا أيادي تنزع فتيل قنبلة ستودي بالمجتمع حتمًا، قنبلة العنف الكامن في النفوس والذي ينتظر كل هذه العوامل ليخرج وحشًا يفتك بالمجتمع كلَّه.

أمَّا عن رسالة الفيلم الحقيقيَّة هي أنَّه ليس أحدٌ مِنَّا صالحًا ابتداءً وأحد طالحًا ابتداءً؛ فالجميع إنسان لكنَّه يتلقى ما يجعل منه صالحًا أو طالحًا وينفعل معه حسب درجة وعيه وإدراكه وتربيته ليُكوِّن مُنتجًا نهائيًّا هو الإنسان. قيل هذا من خلال اقتباس من رواية “البُؤساء” كُتب فيه: ليس هناك زهرة خبيثة أو أناس خبيثون .. هناك فقط مُربُّون سيئون. لتقول لنا: هذا هو الإنسان وهكذا يُصنع العُنف داخله وهو مسئوليَّة الجميع.

قدَّم لنا كلَّ هذه المعاني فيلمٌ أُدِيرَ بذكاء ليجمع ما بين سمت التوثيق في أوَّله، ثم يتخلَّص منه شيئًا فشيئًا كلَّما تقدمت الأحداث ليكون سينمائيًّا خالصًا مع نصفه الأخير. وقد قصد الصانعون هذا السمت في أول الفيلم وكأنَّه رصد مباشر موضوعيّ ليس فيه رأي ولا تدخُّل، ثمَّ أداروا عناصر قصتهم ليُدّلوك على ما قصدوا له منذ البدء وليقولوا: هؤلاء شباب يافعون فإمَّا أنْ يكونوا أداةً لبنائه وإمَّا أنْ يكونوا مِعولك لهدمه.

 

عبد المنعم أديب

The post فيلم “البُؤساء” .. هكذا يُصنع العنف في الأمم appeared first on موقع سينفيليا.

]]>
https://cine-philia.com/2020/10/08/%d9%81%d9%8a%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8f%d8%a4%d8%b3%d8%a7%d8%a1-%d9%87%d9%83%d8%b0%d8%a7-%d9%8a%d9%8f%d8%b5%d9%86%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%81-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3/feed/ 0
صدور العدد 21 من مجلة “سينفيليا” الورقية https://cine-philia.com/2020/03/19/%d8%b5%d8%af%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d8%af-21-%d9%85%d9%86-%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a9-%d8%b3%d9%8a%d9%86%d9%81%d9%8a%d9%84%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b1%d9%82%d9%8a%d8%a9/?utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=%25d8%25b5%25d8%25af%25d9%2588%25d8%25b1-%25d8%25a7%25d9%2584%25d8%25b9%25d8%25af%25d8%25af-21-%25d9%2585%25d9%2586-%25d9%2585%25d8%25ac%25d9%2584%25d8%25a9-%25d8%25b3%25d9%258a%25d9%2586%25d9%2581%25d9%258a%25d9%2584%25d9%258a%25d8%25a7-%25d8%25a7%25d9%2584%25d9%2588%25d8%25b1%25d9%2582%25d9%258a%25d8%25a9 https://cine-philia.com/2020/03/19/%d8%b5%d8%af%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d8%af-21-%d9%85%d9%86-%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a9-%d8%b3%d9%8a%d9%86%d9%81%d9%8a%d9%84%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b1%d9%82%d9%8a%d8%a9/#respond Thu, 19 Mar 2020 10:14:35 +0000 https://cine-philia.com/?p=4801 صدر العدد الجديد (21) من مجلة “سينفيليا” الورقية والذي يضم بين دفتيه كالعادة مواد سينمائية ومقالات نقدية. ومن بين مواد العدد ملف حول ظاهرة فيلم “جوكر” والذي شارك فيه النقاد سينمائيون بلال مرميد بمقال عنونه ب”(جوكر): لأن السينما كانت وستبقى أرقى الفنون”، محمد بن عزيز بمقال موسوم ب”(جوكر) رأس مال كل بهلوان جسده”، عبد الكريم...

The post صدور العدد 21 من مجلة “سينفيليا” الورقية appeared first on موقع سينفيليا.

]]>
صدر العدد الجديد (21) من مجلة “سينفيليا” الورقية والذي يضم بين دفتيه كالعادة مواد سينمائية ومقالات نقدية.
ومن بين مواد العدد ملف حول ظاهرة فيلم “جوكر” والذي شارك فيه النقاد سينمائيون بلال مرميد بمقال عنونه ب”(جوكر): لأن السينما كانت وستبقى أرقى الفنون”، محمد بن عزيز بمقال موسوم ب”(جوكر) رأس مال كل بهلوان جسده”، عبد الكريم واكريم بمقال “(جوكر) تلك الشخصية الدوستويفسكية”، مصطفى العلواني بمقال “كلنا جوكر…محاولة فاشلة لتعريف (الجوكر)”، والناقد الفني عز الدين بوركة بمقال “صناعة (جوكر): الجنون وميلاد العنف”.
ونجد في صفحات “حدث سينمائي” تغطية لفاعاليات الدورة الثالثة لمهرجان الجونة السينمائي وقراءة في أفلام الدورة قام بها عبد الكريم واكريم.
وفي ركن “سينما عربية” نتابع قراءة بعنوان “(ستموت في العشرين) لأمجد أبو العلا على حافة الفناء” قام بها الناقد السينمائي الجزائري فيصل شيباني، إضافة لمقالة للناقد السينمائي والسيناريست المغربي خالد الخضري بعنوان “حتى لاينسى التاريخ كل فاسد لم يذق (تراب الماس)”، ومقال ثالث للناقد المصري عبد المنعم أديب بعنوان “(الفيلم الأزرق) ما بين إبهار الصورة وفراغ المحتوى”.
وفي زاوية “سينما مغربية” نقرأ مقالة للناقدة عفيفة الحسينات بعنوان “(بورن آوت) لنور الدين لخماري احتراق الإنسان في الدار المظلمة”.
وفي صفحات “سينما مختلفة” نجد مقالا لعبد الكريم واكريم بعنوان “الأفلام البديلة تصل بالسينما الهندية للعالمية”. وفي “سينما عالمية” نقرأ مقالا لعبد المنعم أديب بعنوان “(مكسور) الوهم الذي يلتف حول عنقك”.

سينفيليا

The post صدور العدد 21 من مجلة “سينفيليا” الورقية appeared first on موقع سينفيليا.

]]>
https://cine-philia.com/2020/03/19/%d8%b5%d8%af%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d8%af-21-%d9%85%d9%86-%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a9-%d8%b3%d9%8a%d9%86%d9%81%d9%8a%d9%84%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b1%d9%82%d9%8a%d8%a9/feed/ 0
“الأيرلنديّ” .. لمْ يعدْ من داعٍ للصمت https://cine-philia.com/2019/11/29/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%8a%d8%b1%d9%84%d9%86%d8%af%d9%8a%d9%91-%d9%84%d9%85%d9%92-%d9%8a%d8%b9%d8%af%d9%92-%d9%85%d9%86-%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8d-%d9%84%d9%84%d8%b5%d9%85%d8%aa/?utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=%25d8%25a7%25d9%2584%25d8%25a3%25d9%258a%25d8%25b1%25d9%2584%25d9%2586%25d8%25af%25d9%258a%25d9%2591-%25d9%2584%25d9%2585%25d9%2592-%25d9%258a%25d8%25b9%25d8%25af%25d9%2592-%25d9%2585%25d9%2586-%25d8%25af%25d8%25a7%25d8%25b9%25d9%258d-%25d9%2584%25d9%2584%25d8%25b5%25d9%2585%25d8%25aa https://cine-philia.com/2019/11/29/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%8a%d8%b1%d9%84%d9%86%d8%af%d9%8a%d9%91-%d9%84%d9%85%d9%92-%d9%8a%d8%b9%d8%af%d9%92-%d9%85%d9%86-%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8d-%d9%84%d9%84%d8%b5%d9%85%d8%aa/#respond Fri, 29 Nov 2019 14:05:37 +0000 https://cine-philia.com/?p=4264 شبح رجلٍ مرموق اجتماعيًّا، وقاتلٍ مأجور خطير في الخفاء يقبع على كرسيّ متحرِّك في إحدى مصحات الرعاية بالمُسنين. يقبع ليطالع حياته التي طالتْ لتشهد حقبًا وأحداثًا كثيرة قد لا تحتويها ذاكرته. يحسُّ بغربة ووحشة قاتلة حوَّلتْ هذا المجرم الخطير إلى رجل مُتهالك على كرسيِّه أقصى أمانيه أنْ يجد مَن يعطف عليه. وبعد حياة إجراميَّة أراد...

The post “الأيرلنديّ” .. لمْ يعدْ من داعٍ للصمت appeared first on موقع سينفيليا.

]]>
شبح رجلٍ مرموق اجتماعيًّا، وقاتلٍ مأجور خطير في الخفاء يقبع على كرسيّ متحرِّك في إحدى مصحات الرعاية بالمُسنين. يقبع ليطالع حياته التي طالتْ لتشهد حقبًا وأحداثًا كثيرة قد لا تحتويها ذاكرته. يحسُّ بغربة ووحشة قاتلة حوَّلتْ هذا المجرم الخطير إلى رجل مُتهالك على كرسيِّه أقصى أمانيه أنْ يجد مَن يعطف عليه. وبعد حياة إجراميَّة أراد فيها التخفي والعيش في الظلام ها هو الآن يتمنَّى من الخارجين من غرفته أن يتركوا بصيص نور يتسرَّب من باب غرفته كي لا يشعر بالوحشة! .. هذا هو “الأيرلنديّ” الذي عاش حياة الجريمة صامتًا كالحجر لا يفكر في أن ينبس بكلمة، وهذا هو “الأيرلنديّ” الذي رأى ألَّا نفعَ من الصمت فبدأ يروي لنا كل شيءٍ وبالتفصيل.
“The Irishman” هو فيلم المخرج الكبير “مارتن سكوريسزي” لعام 2019. الذي حاول حشد الكثير من الدعم له فترة من الزمن إلى أن جمع مائة وستين مليون دولار ليخرج بها الفيلم على ما يرضى. ولمْ يجد مَن يدفع كل التكاليف إلا شركة “Netflix”. وإذا سألتَ لِمَ هذا الإنتاج الكبير -نسبيًّا- فستجد الإجابة عندما تشاهد فيلمًا مكونًا من ثلاث ساعات ونصف الساعة. حقق فيها “سكورسيزي” حلمًا له، واستعاد ذاكرة فيلمَيْه القديمين “الأصدقاء الطيببون”، “كازينو” (مَلهَى). وهذا ما قد يدعو البعض -ممن شاهدوا الفيلمين- أن يرى في “الأيرلنديّ” تكرارًا لهما. لكن التدقيق في المشاهدة يطلعنا على تغيرات وتطويرات كثيرة صنعها المخرج.
الفيلم من بطولة الممثلين الكبار: “روبرت دي نيرو”، “آل باتشينو”، “جو بيشي”، وغيرهم الكثير. وهو مأخوذ عن كتاب باسم “سمعتُ أنَّكَ تدهن البيوت” للكاتب/ تشارلز براندت، وكتبه للتمثيل “ستيفن زاليان”. وقد صنعت له شركة الإنتاج ترويجًا ضخمًا قبل الانتهاء منه، وكثَّفتْ الترويج بحملات إعلاميَّة قادها مخرج الفيلم وممثليه. صنعت ضجَّة ضخمة في كل العالم. ويبدو أن شركة الإنتاج تضغط على الوسط الفنيّ ضغطًا تمهيديًّا كي لا تترك لمنصات الجوائز -خاصةً الأوسكار- سبيلاً يسلكونه.
الفيلم من تصنيف تاريخ، جريمة، إثارة. يحكي قصصًا حقيقيًّة عن “فرانك شيران” (روبرت دي نيرو) السائق الذي يعول أسرة، ويرغب في تحسين أحواله الماديَّة. ورحلة هذا السائق البسيط ليكون أحد القيادات العماليَّة النقابيَّة، وأحد أذرع المافيا المساهمة في قتل الكثير من الرجال؛ كان أبرزهم “جيمي هوفا” (آل باتشينو) رئيس نقابة عمَّال سائقي الشاحنات، التي كانت في وقت من الأوقات أكبر كيانات “الولايات المتحدة الأمريكيَّة”. فعل “شيران” كل هذا بتوجيه من رجل عصابات المافيا “راسل بافلو” (جو بيشي) ذي الأصل الإيطاليّ. عن هذا الثلاثيّ تدور أحداث الفيلم.
نستطيع أن نقسم الفيلم بسهولة إلى ثلاثة فصول فيلميَّة، أو قلْ ثلاثة أفلام تتفاوت طولاً وقصرًا:
الفصل الأول: نتعرَّف على “الأيرلنديّ” السائق البائس الطموح. وهو شخصيَّة معقدة عميقة؛ شخصيَّة عاطفيَّة لكنَّ إرادته والتزامه بأرض الواقع يهزم عاطفيَّته، قد يتفاعل معك لكنَّه لن يمانع في قتلك. قد يخدم أرباب عمله بجد واجتهاد، لكن لا يتورع عن سرقتهم لتحسين دخله. قد يعشق ابنته عشقًا لكنه لا يفعل شيئًا حيال شعورها بأخطاء أبيها، وتمزُّق علاقتهما على مدار الأعوام ولو بالقليل من العطف والاجتذاب. هذا هو “الأيرلنديّ” الذي قابل مصادفةً على طريق سفره رجلاً أصلح له عطلاً أصاب الشاحنة. ولمْ يكنْ يعرف أنَّها المصادفة التي تغيَّر كل شيء حتى إنك لا تعرف نفسك من بعدها. كان هذا الرجل هو “بافلو” رجل العصابات والمافيا الذي سيقابله مصادفةً مرةً أخرى. وشيئًا فشيئًا سيرى نزعة الطموح لدى “الأيرلنديّ” فيدخله في أعمال المافيا معاونًا. وقد قُدمت شخصيَّة “بافلو” في بعض التشابه مع ملامح “العرَّاب الأب” من الفيلم الأشهر “الأب الروحي”. وبرز في هذا الفصل “روبرت دي نيرو”، و”جو بيشي”. ونراهما باستخدام تقنيات (CGI) بنسخ مصغَّرة شكلاً.
الفصل الثاني -أو الفيلم الثاني-: وفيه نسمع صوتًا يسأل “الأيرلنديّ”: سمعتُ أنَّك تدهن البيوت (يقصد أنّه يرش حوائطها بدماء الضحايا). كان هذا صوت نجم الفيلم الأشد تألقًا “آل باتشينو” في دور الرجل الشهير “جيمي هوفا” رئيس النقابة. وهو شخصيَّة قويَّة لبقة متحدثة حماسيَّة قادرة على اجتذاب الإعجاب، مرح إلى أقصى الحدود حتى في أكثر اللحظات جديَّةً، يقرر القرار بمنتهى الحسم ثم يعود فيه بعد قليل. يطلب “هوفا” من “الأيرلنديّ” أن يكون مساعده عامةً، وفي عمليات التخلص من المُناوئين له. وتبدأ حقبة من التعاون الذي يكلل بصداقة، وبصفة رسميَّة في النقابة لـ”الأيرلنديّ”. ونطالع الكثير من الأحداث السياسيَّة الحقيقيَّة ودور “هوفا” وغيره في تغيير مسار الدولة كلها، وندخل دهاليز السياسة لنفهم ما أراد صانعو الفيلم أن يقولوه من عملهم. وتمضي الأحداث إلى أن يُؤمَرَ “الأيرلنديّ” بقتل صديقه “هوفا”. ويقع في مأزق نفسيّ وأخلاقيّ كبير. فهل سيُقدم على هذا أم لا؟
الفصل الثالث: وفيه نرى الأيام الأخيرة لـ”الأيرلنديّ”، وما حدث فيها. ونتيجة كل أعماله على صعدَيْ عمله مع المافيا، وأسرته. وفيه عاد “دي نيرو” للعزف منفردًا.
لا شكّ أن أفضل فصول الفيلم هو الثاني لاجتماع كل الممثلين في أشكالهم وهيئتهم الحقيقيَّة -كما في الواقع الآن دون تقنيات-، ولتلك الحيويَّة الهائلة التي ضخَّها “آل باتشينو” في دماء الفيلم. وبالقطع لأنَّه الفصل الذي بدأت الأحداث فيه تسير سيرًا سريعًا خلاف الفصليْن الأول والثالث.
يركِّز الفيلم على معنيين أساسيين:
الأول هو المعنى العام السياسيّ الذي يريك -في رحلة طويلة- دهاليز السياسة والسياسيين والمسئولين عن حياة المواطنين، وآمال الناس البسطاء. هذه الرحلة التي يخوضها معك أبطال الفيلم لا تجعلك مطمئنًا أبدًا لأيّ مسئول حكوميّ؛ مهما أظهر من حَدَبٍ على المواطنين، ورفق بهم، وشفقة على محتاجيهم، ومهما أظهر من ملامح الملائكيَّة. فأنت لا تعرف من المشهد إلا ما يجعلك تصدقه. لكنْ إنْ علمت خبايا الأمور ستجد كم نحن مغفَّلون لصالح الآخرين، وستعرف كمْ تدفع الشعوب ضريبةً لحفنة من البشر يديرون الدول لا يعملون إلا لصالحهم. والأعجب أن هذا يتم وهو يقنعونك أنهم ما قاموا من أسرَّتهم إلا لصالحك وحدك. والفيلم يريك تصفيق الجماهير الحادّ للمسئولين الذي لا يحصلون منه إلا التهاب أكفِّهم.
المعنى الثاني هو معنى إنسانيّ بامتياز له الكثير من الأبعاد والعلاقات الدراميَّة بين الأب وابنته، الصديق وصديقه، الإنسان وأطماعه. لكنَّ أهمَّ ما فيه هو الإنسان في طور الهِرَم والشيخوخة؛ حينما يعلم بأنَّه لمْ يعدْ من داعٍ لشيء، وأنَّه ما كان من داعٍ لشيء، وأنّ كل ما حرَّكه في شبابه ليفعل ويفعل ويفعل في الحقيقة لا قيمة له. وأنَّ ضحكة صافية من قلب ابنتك تساوي كل دولارات العالم. كل هذا نراه في مشاهد الشيخوخة مع شخصية “الأيرلنديّ” وغيره من الشخصيات.
والعمل الأشد تميُّزًا في الفليم هو للمخرج “سكورسيزي” لا لشيء إلا لأن الفيلم كل ما فيه ببصمة منه. كما أنه يمتاز بالتشابه العامّ مع فيلميه -السابق ذكرهما- في تناول العصابات وعالمها، ودوران الفيلم حول ثلاثة من الشخصيات كل منهم يأخذ زمام الفيلم فترة أو فصلاً؛ وكأنها آلة مركبَّة من تروس بعضها فوق بعض، غير التشابه في الإخراج بطبيعة الحال، والتعدد في مستويات السرد، وفكرة وجود الراوي، وأخيرًا التشابه في النهاية المُؤكِّدة على أن زمن عصابات المافيا انتهى (وهذا قيل نصًّا في الفيلمين، وفي هذا الفيلم أيضًا). وغيرها من التشابهات.
وأرى أن هذا الفيلم أشدُّ تميزًا في:
1- مستويات السرد وتعددها مع غير اضطراب. وبالعموم من الممكن أن يرى المشاهد ترحال الفيلم ما بين أواخر الخمسينيات، والسبعينيات، والتسعينيات، وعام 2003م -وهو عام موت “الأيرلنديّ”-.
2- الأداء التمثيليّ المتميِّز من الجميع؛ خاصةً نجوم العمل الثلاث. عندما استطاعوا تقديم أداء جيد ومقتدر في مراحل عديدة من أعمار الشخصيات، وأحوالهم بين الصحة والمرض.
3- المكياج ودوره الرائع الذي دعم الرؤية البصريَّة دعمًا لا يضاهى.
4- استخدام توزيعات موسيقيَّة لمقطوعات إيطاليَّة معروفة لخدمة جو عصابات المافيا الإيطاليَّة. غير الأغنية المستخدمة في لحظات البداية ولحظات النهاية.
5- الكوميديا التي استطاع المخرج تبطين العمل بها.
هذا فيلم “الأيرلنديّ” الذي ستشاهده وستستمتع حتى مع طوله البالغ. لأنَّك سترى مغامرة صنَّاع فيلم حقيقيَّة، وستشاهد كم يصنع الاجتهاد والموهبة من تألق.

عبد المنعم أديب

The post “الأيرلنديّ” .. لمْ يعدْ من داعٍ للصمت appeared first on موقع سينفيليا.

]]>
https://cine-philia.com/2019/11/29/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%8a%d8%b1%d9%84%d9%86%d8%af%d9%8a%d9%91-%d9%84%d9%85%d9%92-%d9%8a%d8%b9%d8%af%d9%92-%d9%85%d9%86-%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8d-%d9%84%d9%84%d8%b5%d9%85%d8%aa/feed/ 0