هل يمكن اعتبار الضجة التي رافقت عرض فيلم “الزين للي فيك” لنبيل عيوش بمهرجان “كان” إيجابية؟ وبأي شكل من الأشكال يمكن لها أن تفيد السينما؟ وهل كل هؤلاء الذين شاركوا فيها مهتمون حقا بالسينما؟ وكم من فيلم سينمائي مغربي يكون من حسن حظه أن يعرض في قاعة سينمائية ممتلئة بالجمهور؟ ولمَ يتم تجاهل أفلام سينمائية مغربية تستحق النقاش الفني والسينمائي، عكس النقاش المرافق لفيلم نبيل عيوش؟…
إضافة لهذه الأسئلة، التي نتركها معلقة، لعلكم تجدون أجوبة في طياتها، كان سؤالنا الأكبر في “سينفيليا” هو : هل يمكن لضجة مثل تلك التي رافقت عرض فيلم “الزين للي فيك” لنبيل عيوش بمهرجان “كان” أن تمر دون أن يكون لمجلة سينمائية متخصصة رأي فيها؟..هذا ما كان يؤرقنا الأيام التي تلت العرض، ونحن نحضر لهذا العدد، خصوصا أننا لم نكن على كلمة رجل واحد، وأصبحنا داخل المجلة نمثل، بشكل ما، المجتمع المغربي بشكل مصغر بخصوص الآراء التي رافقت الضجة.
وأمام هذا الخلاف في الآراء، كنا أمام خيارين لاثالث لهما، إما تجاهل القضية برمتها واتباع المثل القائل “كم حاجة قضيناها بتركها” وإما المواجهة واتباع سياسة الشفافية وعرض آرائنا المتفرقة على القراء.
وفي الأخير وبعد أخذ ورد قررنا انتهاج الأمر الثاني، وهاهي هذه الافتتاحية تأتي برأيين الأول لرئيس التحرير والثاني لمدير المجلة.
يرى رئيس تحرير “سينفيليا” أن لامجال للحديث عن المنع لأي فيلم كان ولا لأي عمل فني تحت أية مبررات كيف ماكان نوعها، إذ الحكم على العمل الفني لايمكن أن يكون سوى بمعايير نقدية وفنية ذات مرجعيات جمالية خالصة ولا تستند لأي حكم أخلاقي، لأن “الأخلاق” نسبية ولكل مجموعة أو طبقة أو فئة أخلاق قد تصل إلى نقيض ماتراه الفئة الأخرى. إلّا أن ذلك لا يعني الدفاع عن أيّ فيلم يُقحم صاحبُه لقطات العري والجنس فقط لجلب نوعية من المشاهدين واستفزاز مشاهدين آخرين.
إضافة إلى أن أي فيلم كيف ماكان نوعه لايمكن تقييمه (فنيا وجماليا طبعا) بدون رؤيته كاملا، الأمر الذي لم يتح في ما يخص “الزين للي فيك” سوى لحفنة قليلة شاهدت الفيلم ب”كان” وبالدار البيضاء في عرض خاص جدا.
ثم إنه إذا استسلمنا لمنطق من يحاكمون الفيلم الذي لم يشاهدوه انطلاقا من مشاهد العري والكلام الذي يرونه ساقطا فإن فيلما ك Nymphomaniac “نيمفومانياك” للمخرج الدنماركي الكبير لارس فون تريير وفيلما ك”حياة أديل” لعبد اللطيف كشيش الفائز بالسعفة الذهبية في “كان” ليسا سوى فيلمين بورنوغرافيين، دون الحديث عن أفلام لمخرجين كبار أمثال غودار وفليني وبيرغمان وسكورسيزي وغيرهم… بها لقطات عري وجنس، وذلك قبل الحديث عن ماهو مبرر دراميا أو غير مبرر لأن النقاش لم يصل لهذا المستوى بخصوص هذه القضية نهائيا…
وعلى العموم فلا يجب وضع قيود كيف ماكان نوعها حول السينما بمبرّر أن المجتمع محافظ، فنحن من نقرر الذهاب إلى قاعة السينما واختيار الفيلم الذي نرغب في مشاهدته وليس هو الذي يأتي إلينا، القيد الوحيد الذي يجب أن يحكم عرض فيلم ما بقاعة سينمائية هو وضع معيار سني للمشاهدَة فقط.
مدير مجلة “سينفيليا” يرى بالمقابل أن المنع ضروري في حالات من مثل فيلم “الزين اللي فيك” لأن الضجة التي صاحبته تجاوزت كل الحدود في إطار مجتمع أغلب شرائحه محافظة ومتدينة وجب احترام مشاعرها وعدم خدشها، كونها لا يمكن أن تتقبل مثل ماجاء في فيلم نبيل عيوش بغض النظر عن أي سياق كيف ماكان نوعه.
وبما أن الأغلبية الغالبة من الشعب المغربي رفضت الفيلم، وأصبح عرضه بعد ذلك في القاعات السينمائية يشكل نوعا من المساس بالأمن العام، فقد كان من الواجب منعه من العرض.
على العموم فهذا الفيلم لايُشكل قيمة مضافة للسينما المغربية ولا لمسار مخرجه، إذ كنا ننتظر من نبيل عيوش بعد إنجازه أفلاما محترمة فنيا وجماليا ك”علي زاوا” و”خيل الله” أن يتناول ظاهرة الدعارة بشكل أكثر فنية ورقيا.