عندما يُطرح فيلم “F1: The Movie” لأول مرة، يتوق عشّاق الأكشن والسرعة إلى مشهد لا يُنسى، وهنا تأتي نقطة التمايز: سباقات سيارات فورمولا 1 عالية الأوكتان، بدلا من الأكوان الافتراضية أو المعارك الجوية. بقيادة المخرج جوزيف كوسينسكي (بعد نجاحه بافتتاح شباك التذاكر في حقبة ما بعد الجائحة مع “Top Gun: Maverick”)، يبدأ الفيلم بمشهد افتتاحي مذهل يضع الشخصية المحورية، سوني هايز (براد بيت)، في مفترق طرق بين الماضي المشرق والمستقبل الغامض.
سوني، بطل قد تهاوى في سباق كارثي قبل 30 عامًا، يعيش اليوم حياة متنقلة في شاحنة، يعمل في سباقات رخيصة، مدفوع بشغف ودعساته على البلايستيشن. لكن صديقه القديم روبين (خافيير بارديم)، مالك فريق Apex المتردي، يقدم له عرضًا مغريًا: قيادة فريقه إلى المجد عبر جلبه إلى بطولة الفورمولا 1، بمساعدة كات (كيري كوندون) مهندسة عبقرية مثل “سكوتي” في الفضاء، وجوشوا بيرس (دامسون إدريس) السائق الصاعد الذي يحمل في داخله طاقة خام، لكنها لا تخلو من أخطار.
من اللحظة التي يضغط فيها سوني على دواسة الوقود، تتسارع المشاهد البصرية حتى تتجاوز كل توقعات المشاهد. التصوير هنا لا يعتمد على المؤثرات الرقمية فحسب، بل على لقطات حقيقية نشرتها كوسينسكي على المضامير الحقيقية، تاركًا إحساسًا ملموسًا بقوة السرعة. في إحدى أكثر لحظات التوتر، تم تصوير سباق لاس فيغاس في وقت قصير وعلى مضمار مضاء بأضواء النيون، مع أول اختبار حي على السيارة في موقع حقيقي، الأمر الذي أربك كوسينسكي بنفسه وكوّنه أحد أكثر المشاهد “توترًا” في الفيلم.
وعلى الرغم من قوة مشاهد السباقات، يبقى السيناريو موضع نقد: شخصيات تقليدية، حوارات أكاديمية، وتطور درامي متوقع كرسم خط مستقيم متكلف. نقدوه اعتبروا أن الفيلم بدأ “بارودة منطلقة قبل أن تعود إلى الخزان” – آداء بصري مذهل لكنه خفّ الشحنة الدرامية بين الكواليس .
الزخم البصري يوازنته قيود سردية: الحبكة تدفع سوني لتأمين موقع فائز مع جوشوا، رغم أن إثبات الانتصار قد يكون على حساب الآخر. هنا المفارقة؛ شراكة تتناقض مع تنافس بري، وهو ما ذكره أحد النقاد قائلاً: “هناك فريق كامل من ناس خلفهم يصرخون فيهم من الكمبيوترات، وسوني يرد ببساطة: ‘قد السيارة بسرعة!'” .
ومع دينامية الشخصيات، يضيف جيرار تشديدًا على تطور العلاقة بين سوني وجوشوا، التي تتحول من تنافس إلى صداقة قوية وبمثابة تداول لخبرة العمر، بينما كيري كوندون تلعب دور القلب التقني للفريق، رغم الدور العاطفي البسيط الذي حُشر لها بين الحوارات المتشابكة .
كما أن هيكلة الفيلم جعلته رياضيًا في البداية، ثم يميل للجانب الإنساني بطابع حديث: حياة وسط سباقات معقدة، مع تلميحات خفيفة إلى الإدمان على المقامرة في حياة سوني التي أفقدته مجده، لكنها لم تُنفّذ بعمق سوى كسبب خارجي لبداية النهاية. وجوشوا يتحدث عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الطموح والقوة، وهو تطور معاصر مشوّق لكنه ظل في المستوى التمهيدي .
نجاح الفيلم المالي كان مدوياً: رغم ميزانية تُقدّر بـ 300 مليون دولار، استطاع جمع نحو 393 مليون عالميًا، وهو ما يجعله أحسن عرض لشركة Apple Original Films حتى الآن. كما حصل على إشادة نقدية متنوعة: شهادات “Certified Fresh” على Rotten Tomatoes بنسبة 88%، ودرجة B من النقاد، مع امتداح لروح الفيلم التقنية والجوانب البصرية، متوازاةً مع انتقاد شديد للعمق القصصي.
مدح بعض النقاد الزخم الرتيب الذي يقدمه الفيلم كمهرب ترفيهي صيفي، بينما اعتبره آخرون ممتلئًا بشعارات تجارية زائدة – من GEICO وSunoco وExpensify التي طغت على حاجز الواقع في داخل كواليس السباق .
في المجمل، “F1” هو فيلم يستحق المشاهدة في الشاشة الكبيرة – خاصة بتقنياته الساحرة وروح السباق الحقيقية، لكنه ليس دراما متينة تبقى في الذاكرة لما بعد خط النهاية. السرعة سيدة المشهد، والقصة تركت السائق خلفها.
سينفيليا