افتُتحت فعاليات الدورة الخامسة والسبعين لمهرجان برلين السينمائي يوم الثالث عشر من الشهر الجاري، وسط أجواء لم تخلُ من التفاعل السياسي، لتؤكد مكانة هذا الحدث الفني كمنصة تتجاوز حدود السينما إلى قضايا أعمق. وعلى الرغم من قصر مدة حفل الافتتاح مقارنة بالسنوات الماضية، إلا أن تأثيره كان واضحاً، حيث استُهل بخطاب قوي ألقته الممثلة البريطانية تيلدا سوينتون، التي تسلمت جائزة “الدب الشرفي” في قاعة المهرجان الرئيسية.
في كلمتها، استغلت سوينتون المنصة لإيصال رسائل سياسية واضحة دون أن تذكر أسماء بشكل مباشر، لكنها أشارت بوضوح إلى الأوضاع السياسية الراهنة، بدءاً من انتقاد السياسات الأميركية، مروراً بالحديث عن الأوضاع الإنسانية المتدهورة في مناطق مختلفة من العالم، وصولاً إلى معاناة الفلسطينيين تحت حكم بنيامين نتنياهو. تصريحاتها الحادة قوبلت بتصفيق حاد من الحضور الذين احتشدوا في قاعة “بوتسدامر بلاتز”.
وقالت سوينتون في خطابها: “إن تأسيس وضع غير إنساني هو فعل يُرتكب في زمننا هذا”، مضيفة أنها لن تتردد في تسمية الأمور بمسمياتها والتعبير عن تضامنها مع كل من يواجه غطرسة الحكومات الطامعة. وأكدت أنها تنتمي إلى “دولة السينما”، التي تناهض الاستعمار والاستغلال، في إشارة واضحة إلى تصريحات الرئيس الأميركي بشأن غزة وتحويلها إلى “ريفييرا جديدة”. واختتمت حديثها بالتشديد على دور السينما في إلهام عالم أكثر تحضراً عبر تسليط الضوء على القضايا العادلة.
لم يكن خطاب سوينتون الحدث الوحيد الذي طغى عليه الطابع السياسي في المهرجان، إذ ترافقت فعاليات الافتتاح مع دعوات لمقاطعة المهرجان بسبب عدم اتخاذه موقفاً مؤيداً للقضية الفلسطينية وضد حكومة نتنياهو. وقادت هذه الحملة مؤسسات منها “الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل” و”العاملون السينمائيون لأجل فلسطين”. وفي الوقت ذاته، نظمت مجموعة أخرى من السينمائيين وقفة للمطالبة بالإفراج عن الممثل الإسرائيلي ديفيد كونيو، المحتجز لدى حركة “حماس”، حيث تم عرض فيلم وثائقي بعنوان “رسالة إلى ديفيد” حول قضيته.

من جهة أخرى، أوضح المهرجان في بيان رسمي أن ارتداء الرموز والأزياء التي تعبر عن التضامن مع فلسطين يُعد من أشكال حرية التعبير المكفولة قانونياً، ما يعكس رغبة المهرجان في الحفاظ على التوازن وسط الجدل الدائر.
وعلى الصعيد الفني، افتُتحت العروض بفيلم “الضوء” للمخرج الألماني توم تايكور، الذي يتناول قصة عائلة ألمانية تعاني من خلافات عميقة، إلى أن تتدخل مشرفة منزل سورية مهاجرة – تؤدي دورها الممثلة تالا الدين – للمساهمة في إعادة ترابط الأسرة.
هذه الأجواء الحافلة بالجدل السياسي تعيد إلى الأذهان ما حدث في الدورة السابقة، حين برزت القضية الفلسطينية في خطب الفائزين بالجوائز. ومن الواضح أن مهرجان برلين، الذي شهد عبر تاريخه مواقف سياسية حادة حتى قبل توحيد ألمانيا، سيظل ساحة مفتوحة لمناقشة القضايا الكبرى، إذ أن صُنّاع الأفلام والمبدعين غالباً ما يتبنون قضايا التحرر والمساواة سعياً لعالم أكثر عدلاً.