الرئيسيةمتابعات سينمائية“أبو زعبل 98”..فيلم عن التطهير الذاتي من عقد الطفولة

“أبو زعبل 98”..فيلم عن التطهير الذاتي من عقد الطفولة

فيلم أبو زعبل 87 للمخرج المصري بسام مرتضى

لا يمكننا مشاهدة فيلم “أبو زعبل 87” للمخرج المصري بسام مرتضى، الذي عرض اليوم ضمن عروض المسابقة الرسمية للدورة 18 من مهرجان “فيدادوك” للسينما الوثائقية بأكادير، ونظل محايدين اتجاهه، إذ أن المخرج انغمس في موضوعه وتيمة فيلمه كليا ليصبح جزءا منها، فالشخصيات التي تابعها تكون جزءا من حياته، وكان لابد له أن يصفي حسابه معها ومع نفسه ليتطهر من خلال إنجاز هذا الفيلم، وكأنه أمام معالج نفساني يطالبه بالحكي كي تخرج معه العقد المتكلسة في الأعماق ولا تظل عالقة بالنفس إلى الأبد، تعذبها عذابا أليما.
يسترجع بسام مرتضى طيلة لحظات الفيلم، مع أبيه ثم مع أمه، لحظات قاسية حدثت في طفولته وخلخلت توازن أسرته وهزت استقرارها وطبعت شخصيته للأبد بشكل سيء، ذلك حينما تم اعتقال أبيه أواخر الثمانينات من القرن الماضي ضمن مجموعة من المعتقلين النقابيين اليساريين بعد اعتصامهم واحتجاجهم على غلق معمل للصلب وضد تشريد العمال، لتلفق لهم تهم ثقيلة زجت بهم في معتقل أبو زعبل السيء الذكر، حيث تم تعذيبهم زالتمكيل بهم جسديا ونفسيا.
يعيد المخرج تشكيل وترميم ماوقع من خلال أساليب وأشكال فنية سينمائية ترقى بالفيلم لكي يكون عملا فنيا متميزا، لامن ناحية الشكل فقط لكن من خلال حمولته الإنسانية أيضا. إذ يعتمد الفيلم على الأرشيف الشخصي والعام من أجل إعادة تشخيص تلك اللحظة، ثم لإعادة حكي ماوقع لأبيه في الأسر.
تحضر بالفيلم أيضا مرجعيات سينمائية من خلال ثلاثة أفلام، إذ يمثل كل واحد منها العشق السينفيلي للشخصيات الثلاث الأب، الأم والإبن(المخرج). بحيث وخلال إحدى المراسلات المسجلة في كاسيط بين الإبن وأبيه يخبره هذا الأخير أنه شاهد فيلما أثر فيه بشكل كبير هو فيلم “شحاتون ونبلاء” للمخرجة أسماء بكري، هذا الفيلم الذي يتقاطع موضوعه مع مسار الأب كونه يعالج أزمة المثقف المناضل الذي يصل في لحظة يأس إلى الانزواء وتطليق النضال بالثلاثة.
الفيلم الثاني هو “عودة الإبن الضال”، ولديه علاقة وطيدة بالأم، ويقول المخرج أنها كانت تحب مشاهدته وتعشق فيه صورة المثقف المناضل الجميل كما صورها يوسف شاهين. أما الفيلم الثالث والذي يمثل سينفيلية المخرج فهو “عفاريت الإسفلت” لأسامة فوزي.
تبدو علاقة المخرج بأبيه في الفيلم جد معقدة بين تقدير لمساره النضالي ولوم خفي له كونه تخلى عن الأسرة وسافر إلى الخارج. فحتى لو أننا لا نسمع كلاما جارحا بينهما، فإن اختيار زاوية اللقطات في لحظات من الفيلم يبدوان فيها وحائط يفصل بينهما يرافقها صمت معبر أو وصوت الأب عبر شريط كاسيط قديم يعاتب الإبن على انقطاعه عن مراسلته له، ثم تعابير وردود أفعال المخرج والأب يبرر هجره لهما هو وأمه، كل هذا يدل على تلك الهوة التي نشأت بين الإبن والأب، إلى درجة أنه أصبح نسخة مكررة عنه يعيد اقتراف نفس أخطاءه في حق أمه.
لكن كل سوء التفاهم هذا بدأت تنقشع ضبابيته، بعد وفاة الأم وخلال رحلة كاتارسيس قاما بها معا لزيارة أرض كان قد اشتراها أبوه منذ مدة ليكتشف بعد ذلك أن القرية التي تقع فيها تحمل اسم الأم (فردوس)، وفي تلك اللحظة، وهما يتذكران الأم مع إشراف الفيلم على نهايته، بدا أنهما قريبان لبعضهما كما لم يكونا أبدا كذلك.

عبد الكريم واكريم- أكادير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *