احتضنت القاعة المتعددة الإستعمالات بالمقر الجديد للمعهد الفرنسي بفاس، مساء الأربعاء 16 أبريل 2025، عرضا ومناقشة للفيلم الوثائقي الجديد “ألف يوم ويوم من حياة الحاج إدمون” (2024)، وهو إنتاج مغربي فرنسي مشترك ناطق بالفرنسية والعربية الفصحى والعامية، وذلك بحضور مخرجته سيمون بيتون وجمهور نوعي غصت به هذه القاعة الجميلة رغم عدم توفرها على الشروط المثلى لقاعة سينمائية حقيقية. وقد نشط الصديق إبراهيم زرقاني هذا اللقاء السينمائي المفيد والممتع.
يمكن اعتبار هذا الفيلم الطويل (93 دقيقة)، الذي استغرق الإعداد له والإشتغال عليه ثلاث سنوات، حسب مخرجته، بمثابة تكريم بالصوت والصورة لروح إدمون عمران المالح (1917- 2010)، أستاذ الفلسفة بالثانوي والصحافي والكاتب المغربي النخبوي والإنسان الفريد من نوعه (بكرمه وجاذبيته وتواضعه ومواقفه النبيلة)، نظرا لغنى الوثائق التي تم بها تأثيت مدته الزمنية وهي وثائق مكتوبة (عينات من نصوصه المنشورة) ومسموعة (شهادات بعض أصدقائه ومعارفه والمقربين منه) ومرئية (مقاطع من فيديوهات قديمة يظهر فيها إدمون وصور فوتوغرافية له ولزوجته وأصدقائه من مراحل عمرية مختلفة) ومصورة (العودة بالكاميرا إلى أهم الأماكن التي عاش فيها داخل المغرب وخارجه وتصويرها في وضعها الحالي)… ونظرا أيضا للعدد الكبير من الشخصيات الأكاديمية والأدبية والفنية وغيرها (محمد الطوزي، حسان بورقية، محمد برادة وزوجته ليلى شهيد…) التي سلطت الأضواء على جوانب معروفة وغير معروفة من حياته وكتاباته ومواقفه وغير ذلك.
زد على ذلك أن المتلقي سيتعرف، عبر الصوت الخارجي للمخرجة، المرافق لمختلف مشاهد ولقطات الفيلم، وهي تخاطب من خلاله الحاج إدمون، على الكثير من التفاصيل المتعلقة بهذا الأخير: أبوه وأمه وزوجته وأصدقاؤه والسمات البارزة لشخصيته والأمكنة التي عاش فيها…
ألف يوم ويوم من حياة الحاج إدمون
ما لاحظته على هذا الفيلم، القريب من جنس الروبورتاح والذي لا يخلو من تمطيط قد يجعل البعض يشعر بالملل، أن عدد دقائقه (93 د) هو بالضبط عدد السنوات التي عاشها إدمون بالمغرب وفرنسا من سنة 1917 (لحظة الميلاد بآسفي يوم 30 مارس) إلى سنة 2010 (لحظة الوفاة بالرباط يوم 15 نونبر). فهل هذا الأمر مصادفة أم أنه كان مقصودا من طرف المخرجة؟
يذكر أن إدمون عمران المالح، الصحافي والكاتب المغربي اليهودي المتشبع بالفكر الشيوعي، كان مناضلا سياسيا من أجل استقلال المغرب، وقد خلف بعد رحيله تراثا أدبيا وفكريا غنيا عبر ببراعة من خلاله عن الذاكرة الفردية والجماعية. فقد انطلقت الكتابة (الأدبية وغيرها) عنده بعد سن الستين، حيث نشر روايات ونصوصا في النقد الفني (التشكيل خاصة) والطبخ وغير ذلك، وتعمل المؤسسة التي تحمل إسمه، برئاسة الدكتور إدريس خروز، على إعادة طبع عينة من نصوصه المختلفة.
أما سيمون بيتون فهي مخرجة وثائقية فرنسية مغربية يهودية، ازدادت بالرباط يوم 3 يناير 1955 والتحقت أسرتها بإسرائيل وعمرها 11 سنة، وهي تعيش حاليا بباريس منذ سنة 1981. تتكون فيلموغرافيتها من عدة عناوين نذكر منها ما يلي: “زيارة” (2020)، “راشيل” (2009)، “جدار” (2004)، “بنبركة: المعادلة المغربية” (2001)، “محمود درويش” (1997)، “فلسطين، تاريخ أرض” (1993)، “الأصوات الكبرى للأغنية العربية: أم كلثوم” (1991)، “محمد عبد الوهاب” (1991)، “فريد الأطرش” (1991)…