توفي الفنان فكري صادق صباح اليوم الجمعة عن عمر ناهز 80 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا غنيًا ومتنوعًا بالرغم من انحصار أدواره في الأدوار الثانوية طيلة مشواره. أعلن نجله الفنان مراد فكري صادق نبأ وفاته عبر حسابه الشخصي على “فيسبوك”، حيث كتب: “أبويا الفنان فكري صادق في ذمة الله، والجنازة بعد صلاة العصر من مسجد السيدة نفيسة، البقاء لله”. المشهد كان مؤثرًا خلال مراسم الجنازة، إذ لم يتمالك مراد فكري دموعه، وظهر في لحظات من الانهيار العاطفي وهو يقبل رأس وقدمي والده، بينما تلا القرآن بحزن عميق، في تعبير صادق عن حب عميق لفنان قضى حياته بإخلاص لمهنته.
ولد فكري صادق في حي بولاق أبو العلا في القاهرة بتاريخ 5 مايو 1945، وواجه في طفولته تحديات صحية كادت أن تودي بحياته، حيث أصيب بالحمى الشوكية وهو في الثالثة من عمره. كان المرض عائقًا كبيرًا أمامه، إذ أثّر على نطقه وحركته، لكن دعم والدته الدائم له، وقراءتها للقرآن بجواره، ساهم في شفائه وعودته إلى حياة طبيعية. بعد تجاوزه لهذه المحنة، أظهر شغفًا مبكرًا بالفن، ما دفعه للالتحاق بمعهد الفنون المسرحية ليبدأ رحلته في عالم التمثيل. انطلقت مسيرته الفنية في أوائل السبعينيات، عندما ظهر لأول مرة في فيلم “صور ممنوعة” عام 1972، ومنذ ذلك الحين أصبح وجهًا مألوفًا في السينما والمسرح والتلفزيون.
خلال مسيرته التي استمرت لأكثر من خمسين عامًا، شارك فكري صادق في أكثر من 300 عمل فني متنوع. ورغم أن أدواره كانت غالبًا ثانوية، إلا أن حضوره كان قويًا ومميزًا، حيث أبدع في تجسيد الشخصيات المختلفة ببراعة وحرفية. من بين أبرز أعماله السينمائية، فيلم “سلام يا صاحبي” الذي جسد فيه دور ضابط الشرطة بجانب النجمين عادل إمام وسعيد صالح. هذا الدور، على الرغم من بساطته، كان محطة مهمة في مسيرته وترك انطباعًا لا يُمحى لدى الجمهور. كما شارك في أفلام شهيرة أخرى مثل “المولد”، “النمر والأنثى”، “امرأتان ورجل”، و”مسجل خطر”. في التلفزيون، كان له حضور لافت في مسلسلات شكلت جزءًا مهمًا من تاريخ الدراما المصرية، منها “ليالي الحلمية”، “ذئاب الجبل”، و”نجيب زاهي زركش”.
المسرح كان دائمًا عشق فكري صادق الأول، فقد قدم من خلاله عروضًا ناجحة نالت استحسان الجمهور، مثل “أزواج بلا ماضي”، “بودي جارد”، و”مصيدة المجانين”. المسرح بالنسبة له لم يكن مجرد منصة للتمثيل، بل نافذة للتواصل المباشر مع الجمهور وإظهار موهبته الحقيقية. بالرغم من براعته، بقي فكري صادق متواضعًا، ولم يسعَ يومًا للحصول على أدوار البطولة المطلقة. كان راضيًا بأن يكون جزءًا من عمل جماعي يضيف إليه لمسته الخاصة.
في السنوات الأخيرة من حياته، أثار فكري صادق بعض الجدل بسبب تصريحاته التي اعتبرها البعض مستفزة. خلال لقاء تلفزيوني، وصف الفنان الراحل سعيد صالح بأنه “ممثل عادي”، وهو ما تسبب في موجة غضب واسعة داخل الوسط الفني. أُحيل على إثر ذلك للتحقيق في نقابة المهن التمثيلية، لكنه سارع بتقديم اعتذار علني لعائلة سعيد صالح ولجمهوره، مؤكدًا أن تصريحه كان سوء تعبير ولم يكن يقصد الإساءة.
بالرغم من الجدل الذي أحاط بتصريحاته في أواخر حياته، يبقى فكري صادق رمزًا لفنان ملتزم ومخلص لفنه. تميز بالقدرة على تقديم شخصيات متنوعة، مما جعله حاضرًا بقوة في ذاكرة الجمهور المصري والعربي. لم يسعَ إلى الأضواء أو الشهرة، لكنه ترك بصمة عميقة في كل عمل شارك فيه. حتى في الأدوار الصغيرة، كان يستطيع أن يبرز موهبته ويثبت أن الفن ليس حجم الدور، بل كيف يمكن للفنان أن يجعله مؤثرًا.
اليوم، برحيل فكري صادق، فقد الفن المصري واحدًا من جنوده المخلصين الذين عملوا بإبداع وشغف خلف الكواليس. سيظل اسمه مرتبطًا بتلك الأدوار التي قد تبدو بسيطة على الورق، لكنها مع روحه وأدائه، أصبحت جزءًا لا يُنسى من تاريخ السينما والمسرح والتلفزيون في مصر.