1، التكريمات:
يتضمن برنامج الدورة 24 لمهرجاننا الوطني للفيلم فقرة تكريمية تم تأثيثها باختيار ممثلة رائدة وممثل مخضرم. وكالعادة سيتم عرض شريط فيديو قصير يعرف بكل منهما وإلقاء شهادة في حق كل منهما.. شريط الفيديو يتكون من صور ثابتة لهما ومتحركة من عينات من أعمالهما الفنية وربما كلمات في حقهما من طرف مقربين منهما.. وتنتهي الفقرة المخصصة لهما بتسليم كل منهما شهادة ودرع التكريم تحت تصفيقات الجمهور الحاضر وقد تعطى الكلمة لكل منهما ليشكر المنظمين ويعبر عن أحاسيسه الآنية لحظة التكريم.
كل تكريمات مهرجاننا الوطني تكريمات رمزية ذات قيمة معنوية فقط، لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تخلف أثرا ملموسا على حياة المكرمين، خصوصا ذوي الحاجة منهم، فمعاناة الفنانة القديرة صفية الزياني (89 سنة) ستستمر مع أمراض خريف العمر ومشاكل السكن غير اللائق، ومعاناة الفنان المحبوب والمشاغب محمد الشوبي الصحية الطارئة ستظل قائمة في غياب رعاية طبية لائقة وتكفل بجميع مصاريف العلاج الباهظة.
وهنا نتساءل: أليس من الأجدى تمكين الممثلة صفية الزياني من سكن في مستوى قيمتها الفنية كرائدة من رائدات المسرح والإذاعة والسينما والتلفزيون ببلادنا، يحفظ كرامتها ويعفيها من نشر غسيلها الوسخ أمام كاميرات القنوات الإلكترونية عبر الحديث عن مشاكلها مع صاحب الشقة البئيسة التي تقطن بها؟ أليس من الأجدى أن تتكفل الدولة المغربية عبر مؤسساتها المتخصصة بالحالة الصحية للممثل المثقف محمد الشوبي قبل تفاقمها؟ أليس من الأنبل أن توثق تجاربهما الفنية الطويلة بواسطة كتب أو أفلام وثائقية أو برامج تلفزيونية أو غير ذلك؟
إن ما تقوم به بعض التظاهرات السينمائية الصغيرة على هذا المستوى لأفضل بكثير من تكريمات مهرجاننا الوطني الباهتة، فقد أصدرت هذه التظاهرات، بإمكانياتها المحدودة جدا، كتبا حول مجموعة من وجوهنا السينمائية نذكر منها على سبيل المثال الكتاب الجماعي “محمد الشوبي.. الممثل الملحاح”، الذي نسق مواده وأشرف على طبعة سنة 2018 الباحث والناقد السينمائي والسيناريست الصديق خالد الخضري، والكتب الجماعية القيمة التي أصدرتها جمعية القبس للسينما والثقافة، الجهة المنظمة لمهرجان الرشيدية السينمائي، تحت إشراف الصديق الباحث الأكاديمي الدكتور حميد اتباتو، وغيرها.
والأدهى من هذا كله أن الدورات المتتالية لمهرجاننا الوطني للفيلم، مع استثناءات قليلة، ظلت مهمشة للإصدارات السينمائية المغربية المواكبة للأفلام ولتاريخ وحركية السينما بالبلاد، ولم تفكر لا إدارة المهرجان ولا إدارة الخزانة السينمائية المغربية في إصدار كتب ودوريات توثق للسينما المغربية وتعرف برموزها وإنجازاتها. بل حتى الموقع الإلكتروني للمركز السينمائي المغربي ظل، منذ إحداثه، باهتا وخارج سياق مواكبة جديد السينما المغربية بالسرعة التي يقتضيها التطور الهائل الذي شهدته تكنولوجيات التواصل الجديدة. فهذا الموقع لا يوفر أبسط المعلومات المتعلقة بالأفلام وفضاءات العروض السينمائية والمهرجانات والإصدارات والمخرجين والممثلين والتقنيين والنقاد والباحثين السينمائيين وغيرهم من المشتغلين في مختلف حقول السينما ببلادنا.
لقد آن الأوان لإعادة النظر في مهرجاننا الوطني من كل جوانبه، تجاوزا لطابع الهواية والإرتجال المتحكم فيه منذ عقود، وذلك بالتفكير في إحداث إدارة قارة ومستقلة له تشتغل طيلة السنة وتضم متخصصين في التنظيم والتوثيق والثقافة السينمائية وما يرتبط بذلك من مهام لا يمكن للموظفين العاديين التابعين للمركز السينمائي المغربي أو الوزارة الوصية الإضطلاع بها على الوجه الأكمل، رغم ما يقومون به مشكورين من مجهودات. وخير مثال يمكن الإقتداء به (نسبيا) في هذا المجال هو المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، الذي يحدد مباشرة بعد اختتام كل دورة تاريخ الدورة الجديدة، ولا يربك باقي المهرجانات باختياراته المفاجئة في آخر لحظة لتاريخ انعقاده.
ومن الواجب أيضا أن يتم تحديد معايير مدققة لاختيار المكرمين في كل دورة من دورات المهرجان لتشمل كل العاملين في قطاع السينما بمختلف تخصصاتهم وعدم الإقتصار فقط على الممثلين والمخرجين، وذلك تجنبا للعشوائية بكل أشكالها.
أحمد سيجلماسي