الرئيسيةمتابعات سينمائيةعبدالاله الجوهري: الكفيل السينمائي..

عبدالاله الجوهري: الكفيل السينمائي..

كنت من بين الأوائل الذين كتبوا عن الفيلم الهندي “حياة الماعز”، ولم أكن وقتها أتصور أنه سيثير كل هذا النقاش والكتابات. لأن ما حركني وقتها قوة الحكاية وجماليات التصوير وشساعة الصحراء الحاملة لمعاني الضجر والهروب نحو مفازات المغامرة والتجريب. لكنني تفاجأت بكم هائل لا معقول من البوليميك، يجتاح المواقع الإجتماعية، والهجوم والهجوم المضاد، سواء من أصحاب النيات السيئة، أي من يريد النيل من سمعة بلد نحترمه ونجله، أو أولئك الذين يبحثون عن ترضية رجل يمنح دعوات لأداء مناسك العمرة وتقبيل الحجر الأسود، في نفس الآن لحضور فعاليات مهرجانات أضحت تقام على الأرض المقدسة.
وسط صخب النقاش والنقاش المضاد، ضاعت قدسية الكتابة عن سبق اصرار وترصد، وتحولت مهمة الناقد الى مهمة خبزية تسعى إلى خدمة الأهواء الشخصية، وتصريف مواقف واهية لا علاقة لها بأخلاقيات النبل والوفاء للقيم والأخلاق.
البعض اعتبر أن الضجة جد مفتعلة، ولا حق للكثيرين في الكتابة، حيث أصبح الكل، في نظرهم، يركب دابة النقد، ويفتي دون حق، في حق فيلم بدون قيمة فنية او تقنية، بل والتهكم من كل قراءة سارت في اتجاه غير الاتجاه الذي يسعون إليه، أي القراءات التي تجاوزت سقف قناعاتهم، اي تلك التي لا تتطابق مع رؤاهم. هناك من هؤلاء ذهب بعيدا في الحفر والبحث، بكل ارتزاق، في سيرة صناع الفيلم ومحاولة النبش في ما حققوه من أعمال، وذلك من أجل التعريض والنيل من مصداقيتهم، والخروج بخلاصات تؤكد انهم مجرد هندوسا أعداء للإسلام والمسلمين، وأن فيلمهم مجرد خلاصة عن حقدهم تجاه السعودية والسعوديين. أصحاب هذه الخلاصات، لازال جلهم ينتظرون الرضى والتعويض من كفيلهم السينمائي. عكس هؤلاء لازال الحياحة/ أنصار الضرب من تحت الحزام، يبحثون عن كل حجة او لا حجة لدعم وجهة نظرهم في كون السعودية بلد العبودية ساعين من وراء ذلك تصفية الحساب مع بلد يشكل لهم عقدة بتطوراته الأخيرة وانفتاحه أكثر فأكثر على العالم. وهؤلاء أيضا لهم كفلاءهم الذين يؤدون لهم مقابل كل مقال مكتوب بحبر التسول والنزول لقعر الذل والهوان.
حكاية الفيلم المقتبسة عن سيرة مواطن هندي، سيرة يمكن أن يقع مثلها في مناطق وبلدان عالمية عديدة، بصيغ مختلفة. لأن الأشرار، ممن هم على شاكلة الشيخ البدوي، مبثوثون في مشرق الأرض ومغربها. وبالتالي، ليست حكاية من حكايات الأفلام قادرة على تشويه بلد والنيل من شعب مهما كان هذا الشعب. فعلا، قانون الكفيل، فيه الكثير من معاني العبودية وسلب الحرية، لكننا نعرف قصص أجانب ذهبوا للعمل تحت طائلة هذا القانون وعادوا إلى بلدانهم وهم يلهجون بأسماء كفلائهم لخيرهم وانسانيتهم. صحيح أن هذا القانون شر وجب وضع حد له في حالة ما إذا كان لازال مطبقا، لكن لا يجب اتخاذه مطية لتصفية الحساب وتحويل نقاش سينمائي إلى نقاش ايديولوجي عنصري تتصاعد منه الكثير من روائح البيع والشراء. أو مصادرة حق الكتابة والنقد بدعاوى لم تكن يوما ما من اخلاقيات النقد أو حرية التعبير، أو مهاجمة ممثل فقط لأنه شارك في الفيلم بدور من الأدوار، مثل ما يقع اليوم مع الممثل العماني محمد طالب البلوشي، الذي لعب بشكل احترافي دور الشيخ الأعرابي الأجلف. أو انتقاد بلد ما من البلدان، كما هو الحال اليوم مع الجزائر والأردن، لأنهما احتضنا تصوير الفيلم، لأن أصحاب الشريط كان بإمكانهم تصويره في أي دولة من الدول، او بقعة من بقاع العالم، كما أن الدور كان من الممكن أن يلعبه ممثل هندي أو باكستاني، لأن منع التصوير في بلد ما لا يعني أن الفيلم كان حتما سيتوقف، وما كان ليجد مكانا آخر للتصوير، كما أن عدم أداء الممثل العماني للدور، ما كان سيكون عائقا لإيجاد ممثل آخر، والاحجام عن تصويره. المنع ليس حلا، وتحميل المسؤولية لبلد او شخص مجرد نفخ في قربة مثقوبة….
الحل، في اعتقادي، فتح نقاش عقلاني حول الفيلم، ومطالبة كل النقاد، إن كان لازال هناك نقادا، خاصة منهم أولئك الذين يعتبرون أنفسهم اليوم سادة الكتابة وأوصياء على النقد السينمائي العربي، أن ينزلوا من أبراجهم العاجية، ويتخلوا عن حذلقتهم السوليمائية، ويفسحوا المجال للمجتمع المدني وكل الفاعلين في التعبير عن ما يدور في خواطرهم دون وصاية موجهة، وضرورى توقف البعض عن لعق الأحذية، وترديد لازمة الفيلم لا قيمة له، أو أنه كذب في كذب، في اللحظة التي خلق فيها النقاش وخلخل الواقع الثقافي والاجتماعي العربي بشكل غير مسبوق. يعني ضرورة التخلي عن التعابير التي ترشح تزلفا وتغوص بحثا عن لقمة العيش في مزبلة الارتزاق. بدل ذلك المطالبة بصنع افلام مضادة تقدم صورا جميلة ومعقولة عن بلداننا عامة، والسعودية خاصة باعتبارها قلب العالم العربي. نريد من مؤسساتنا وعموم منتجينا الوعي بدور الفن عامة والسينما خاصة، واستثمار أموالا حقيقية لصنع ودعم أفلام تظهر الجوانب الإيجابية من ثقافتنا العربية بكل مكوناتها، والعمل على تقديم نماذج انسانية طيبة، ومحاولة تصحيح النظرة السلبية المروجة في السينما العالمية عن تصرفات مواطنينا. إلى جانب كل هذا، وجب على المجتمع المدني العربي تحمل كل أدواره في المطالبة بتحسين قوانيننا، وايضا علاقاتنا بالآخر، وتسطير حزمة من الأهداف النبيلة لترسيخ قيم الحب والسلم …
بالنسبة لعنوان المقال:
الكفيل السينمائي، تعبير عن وضع سيء أصبحنا نعيشه في وسطنا العربي، من خلال بروز كمشة من السينمائيين، ومعهم بعض النقاد، الذين يشتغلون وفق قانون الكفيل، من خلال بيع الضمائر لكفلاء مقابل دولارات وريالات، والذهاب والاياب بين الصفا المروة بحثا عن طريقة لتطوير علاقاتهم ولو على حساب ماء الوجه.
وإذا كان من حق بعض المسؤولين البحث عن طرق لأجل تطوير سينما بلدانهم، ودعم وجودها في خارطة الإبداع العالمي، فإننا ننصحهم، من باب الحب والغيرة، عدم هدر أموالهم بشراء ذمم نقاد/رعاة (السراح) في صحراء النقد. – حالة ناقد/راع أصبح منذ مدة يتباهى في المجالس الخاصة والعامة، بكونه الأمر الناهي في السعودية، وأن السعوديين يتتلمذون على يدي سيادته باعتباره بروفيسورا في جماليات السينما – كيف ومتى، الله أعلم- ناقد يعيش في جلباب سينمائي “مشعوذ” – الشعوذة السينمائية صارت على يديه حرفة – لا يتوقف، هو الآخر، عن القفز بين الهنا وهناك وبيع العجل لإخواننا في الخليج، مقابل كمشة دولارات تهرب نحو بلد في الشمال الأمريكي، دون أن يؤدي عليها فلسا لخزينة الدولة المغربية كضريبة على الدخل، ودون أن يحاسب او يساءل، فقط لكونه قابع تحت ظلال السحت والتوسل بكبار القوم واللصق في تلابيبهم، يعني بالمغربية فجلايلهم، أينما حل بعضهم أو ارتحل، والادعاء سرا أن له جهات عليا تحميه من طائلة المحاسبة.
. وبه وجب الإعلام والسلام.

 

عبدالاله الجوهري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *