ينظر المخرج السوري نجدة إسماعيل أنزور إلى ما لحق بمدينة تدمر الأثرية من دمار بسبب الحرب بعين تملؤها الحسرة وأخرى مفعمة بالأمل إذ يتطلع لتكاتف الجهود من أجل ترميم ما تبقى من معالم لإعادة المدينة إلى سابق مجدها.
وفي فيلمه الروائي الجديد (دم النخل) يستخدم أنزور مدينة تدمر كخلفية لقصة ثلاثة جنود ينتمي كل فرد منهم لمدينة سورية مختلفة وقد تم تكليفهم بنقل آثار مهمة من تدمر إلى دمشق.
وفي تدمر يلتقون بعالم الآثار السوري خالد الأسعد الذي يسلم كل منهم دفترا صغيرا لكتابة ما يرونه ويفعلونه خلال فترة تكليفهم. وبعد أن ينتهي مصير الثلاثة بالموت تصل دفاتر الملاحظات إلى يد صبي صغير قُتل والده لأنه كان يخبئ جنديا في منزله.
وخلال جميع مشاهد القتل تظهر امرأة مرتدية السواد أمام الضحايا والآثار المدمرة ليكتشف المشاهد في وقت لاحق أن هذه السيدة هي زنوبيا ملكة تدمر التي تمسك بيد الطفل الصغير نحو المستقبل.
وتعيش سوريا التي تضم آثارا من الحضارات البابلية والآشورية والحيثية واليونانية والرومانية على وقع حرب متعددة الأطراف منذ 2011 ما أغرى البعض بنهب المتاحف والمواقع الأثرية أو تدميرها.
وفي 2015 احتل تنظيم داعش تدمر التي تضم آثارا رومانية وتدرجها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) على قائمتها لمواقع التراث العالمي.
ومثلما حدث في مناطق أخرى من سوريا والعراق ضمها التنظيم لما أسماها ”دولة الخلافة“ تم تدمير الكثير من الآثار والمباني علنا باعتبارها أوثانا بينما انتفع التنظيم سرا من بيع قطع أخرى بشكل غير مشروع.
وفي غشت من العام نفسه أعدم التنظيم مدير الآثار خالد الأسعد الذي كان يبلغ من العمر 82 عاما وعلق جثمانه على عمود أثري.
ويجسد أدوار البطولة في (دم النخل) الذي استغرق تصويره ستة أشهر كل من لجين إسماعيل وجوان خضر ومصطفى سعد الدين وجهاد الزغبي ومحمد فلفة وعدنان عبد الجليل ومجد نعيم وعامر علي وقصي قدسية ومحمود خليلي وآخرون.
وقال المخرج نجدة إسماعيل أنزور ”تدمر ليست إرثا حضاريا سوريا فقط، هي فعلا للشعب السوري ولكن هي إرث إنساني وعالمي. فأهمية تدمر تأتي بعد التحرير أن ندع الناس تتعرف على حجم الدمار الذي تعرضت له المدينة الأثرية العظيمة، هذا التخريب هو كان تخريب مقصود“.
وأضاف ”الفيلم يدعو إلى التفاؤل وإلى الأمل بأننا كسوريين فينا نرجع نعيد بناء هذه المدينة مرة أخرى. لكن لحالنا ما بنقدر لأن بدها إمكانيات هائلة جدا، لذلك فيه فرصة أمام هذا الفيلم أن يُعرض في أوروبا، والناس بتشوف هذا الحجم الكبير من الدمار على هذا الإرث الإنساني“.
ويأمل أنزور أن يُقدم فيلمه، الذي عُرض للمرة الأولى أمام ممثلي وسائل الإعلام هذا الأسبوع، في دور عرض سينمائية أوروبية لإظهار حجم الدمار في تدمر.
وقال ”اليوم هذا الفيلم هو مختلف تماماً. هذا الفيلم بيحكي عن الآثار الإنسانية، لذلك أنا باشوف إنه قدامه فرصة كبيرة إنه ينعرض“.
واستعادت الدولة السورية مدينة تدمر من أيدي المسلحين المتشددين في مارس 2016 وبعد بضعة أشهر أقيمت حفلات موسيقية في المسرح القديم.
وتؤكد كاتبة الفيلم ديانا كمال الدين أنها ابتعدت عن التوثيق في أدوار البطولة عدا شخصية الأسعد وحاولت تبيان أن الفيلم يتضمن رسائل إنسانية ووطنية عميقة للداخل والخارج.
وقالت ”بغض النظر عن تعدد طرق الموت ولكن النتيجة واحدة. بالنسبة لنا الأحياء بنشوفهم (الموتى) أرقام. بالنسبة لأهاليهم هم قصص وجروح ما بتندمل وجروح ما بتتسكر (تغلق) ووجع ما بينتهي“.
سينفيليا – رويترز