كلما أَهَلَّ هلال شهر رمضان من كل عام إلا وتجدَّد النقاش في شبكات التواصل الإجتماعي ودُبِّجت المقالات في الصحف حول مستوى الدراما التلفزية المغربية، خصوصا منها الكوميدية التي تُعرض في ساعة الإفطار. فباستثناءات قليلة نالت الإجماع في السنوات الماضية كسلسة «الكوبل» للكوميدي المتميز حسن الفذ والتي اعتمد فيها، متناولا قضايا مجتمعية، على كوميديا الموقف ، فإن الأعمال الكوميدية الأخرى لم ترقَ لتطلعات المتتبعين والجمهور.
لكن بالمقابل كانت ومازالت بعض الأعمال الدرامية من مسلسلات وأفلام تلفزيونية تنال رضى كل فئات المشاهدين، خصوصا أن مستواها شهد تحسنا تقنيا وفنيا ملحوظين، لأنها استقطبت مخرجين لديهم رصيد لايستهان به سينمائيا وتلفزيونيا وتقنيين اشتغل كثير منهم في أعمال أجنبية صُوِّرت بالمغرب وممثلون خليط من عدة أجيال.
إذا قارنَّا الدراما التلفزيونية المغربية الحالية بما كانت عليه منذ بضع سنوات كمًّا وكيفا وما أصبحت عليه الآن، فسيتبيَّن لنا أنها عرفت تطورا ملحوظا، لكن متطلبات المشاهد المغربي المتتبع للأعمال التلفزيونية شهدت بدورها تطورا، إذ أصبح مع مرور السنين أكثر تطلُّبا وهو يضطر لمقارنة هذه الدراما بنظيراتها العربية، خصوصا السورية والمصرية، إضافة للدراما التركية التي غزت القنوات الفضائية في السنوات الماضية، والتي أصبح المُشاهد المغربي يُقبل عليها بكثرة طيلة أيام السنة.
«وعدي» و«حبال الريح» ، تميز ولكن…
من بين الأعمال الدرامية التلفزية التي احترم فيها أصحابها الحد الأدنى من الشروط التي يجب توفرها في عمل درامي ناجح، مسلسلي «وعدي» للمخرج ياسين فنان و«حبال الريح» للمخرج والممثل إدريس الروخ. إضافة لبعض الأفلام التلفزية المعروضة خلال شهر رمضان، والتي قام بإخراجها مخرجون سينمائيون مُتمرسون .
المسلسل الأول عبارة عن دراما اجتماعية تتبَّع فيها مخرجها مسار شابة يتم اختطافها وهي صغيرة السن من طرف عصابة تستغل الأطفال، لتهرب بعد ذلك وتلجأ إلى امرأة غنية ستربيها، لكن سيظل عضو من العصابة وزوجته يدّعيان أنهما أبواها ، لتصبح بالنسبة إليهما موردا ماليا مهما، فيما يستمر والداها الحقيقيان في البحث عنها، وخلال ذلك تعيش هي تجربة حب فاشلة…
رغم أن قصة المسلسل تقليدية وكلاسيكية في بنائها العام وسبق لنا أن شاهدنا مثيلاتها في العديد من الأفلام السينمائية على الخصوص، فإن الجديد فيه هو الأسلوب الإخراجي لياسين فنان الذي استطاع خلال السنوات القليلة الماضية أن يكسب ثقة جمهور الدراما الرمضانية في المغرب بإخراجه لسلسلات ناجحة جماهيريا ومحترمة فنيا، حققت نسبة مشاهدة مرتفعة، أهمها مسلسل «بنات لالة منانة» في جزأيه، واللذان عُرضا تباعا خلال شهر رمضان من السنتين الماضيتين.
يتميز أسلوب ياسين فنان بإعطاء الحرية للكاميرا لكي تتتبَّع حركات الممثلين، بحيث لايظلون محجوزين في فضاء ضيق يكبِّل طاقاتهم التمثيلية، الأمر الذي يجعل أغلب الممثلين الذين يشتغلون معه يظهرون بشكل متميز عما ظهروا به في أعمال أخرى، كونه يحسن إدارتهم وتوجيههم إضافة لذلك.
وأهم مايُمكن ملاحظته في هذا المسلسل هو التطور الجيد للشخصيات، رغم عدم الغوص العميق في بواعثها النفسية لكي تُصبح أكثر أهمية وعمقا. لكن الأداء الجيد للممثلين استطاع التغطية والتعويض نوعا ما على هذا الجانب.
أما المسلسل الثاني «حبال الريح» فهو عبارة عن فانتازيا تاريخية بشخوص وأحداث خيالية تم تجسيدها في فترة متخيلة وغيرمحددة زمنيا ومكانيا.
ومما أضفى نوعا من الغرائبية على هذا المسلسل إضافة لأحداثه المتخيلة على منوال الحكايات الشعبية الشفوية الأسطورية وحكايات ألف ليلة وليلة، أسماء شخصياته الغريبة ك «تاج النخلة»، «عود الريحان»، «حافر الغزال»، «نور النار، «جناح السيف»…
وقد كان من بين نقط القوة في المسلسل إضافة للأداء الجيد للممثلين، ذلك التوازن الإيقاعي الذي اعتمده المخرج في الانتقال بين المشاهد الداخيلة والخارجية، الأمر الذي جعل العمل لايسقط في الرتابة والملل، اللذان نجدهما في بعض الأعمال الدرامية التاريخية العربية، والتي يُوظف مخرجوها المشاهد الداخلية بشكل كبير. إلى جانب الاختيار الجيد والدقيق لمواقع التصوير، الأمر الذي أضفى رونقا على السلسلة، كان نابعا بالأساس من جمالية التصوير، الذي اضطلع به مدير تصوير إيطالي مخضرم. لكن يبدو أن السرعة في إنجاز العمل بغرض عرضه خلال رمضان جعل صانعيه يسقطون في أخطاء بخصوص «الراكور» وتسلسل الأحداث، بحيث يمكن للمتتبع المتمعن أن يلاحظ بعض الهفوات في هذا الجانب.
أداء تمثيلي جيد
ويبقى أهمُّ مافي الدراما المغربية التلفزية لهذا العام هو ذلك الأداء المتمكن للعديد من الممثلين المغاربة من جميع الأجيال، الأمر الذي جعلنا كمشاهدين نكتشف ممثلين شباب ونعيد اكتشاف آخرين مخضرمين أو من جيل الرواد في أدوار أضافوا إليها من خبرتهم وتمرُّسهم. فحتى بعض الأدوار التي لم تُكتب بعناية فائقة ولم يُبذل فيها مجهود من حيث العمل على تطور الشخصية وبناء بعدها النفسي، استطاع هؤلاء أن يُضفوا عليها تلك الروح التي نجدها عند كبار الممثلين والتي تجعلهم يصنعون من دور عادي شخصية قد لاتُنسى بسهولة. وهنا يمكن لنا ذكر طارق بخاري والسعدية لديب في مسلسل «وعدي»، ومحمد خيي وجميلة الهوني في مسلسل «جناح الريح»، ومحمد الشوبي في بِضع أدوار بأفلام تلفزية، إضافة إلى ممثلين آخرين.
ومما يُلفت انتباه المتتبع للدراما الرمضانية بالمغرب، ذلك الحضور بكثرة لنفس الممثلين في العديد من الأعمال، إذ لا يمكن لعين المهتم أن تخطئ الحضور الطاغي والواضح للممثلة دنيا بوطازوت على سبيل المثال في العديد من الأعمال الكوميدية، بل إن حضورها يتجاوز ذلك للإعلانات التلفزية، الأمر الذي قد يكون في غير صالح موهبتها التمثيلية، خصوصا أنها تُعيد الاشتغال على نفس الشخصية مع تنويعات بسيطة عليها فقط. نفس الأمر يمكن أن يندرج على الكوميدي عبدالله توكونة الملقب بـ«فركوس» إذ خُصِّصت دورة كاملة لأفلامه بالقناة العمومية الثانية مع تواجده بسلسلات تلفزية.
أزمة سيناريو
من بين أهم الملاحظات التي يمكن لنا أن نسجلها على الدراما الرمضانية المغربية عموما مع بعض الاستثناءات، غياب نص قوي، محبوك ومكتوب بشكل جيد. إذ يُشكل السيناريو نقطة ضعف كبرى وأساسية في المادة الدرامية الرمضانية لهذه السنة، بحيث يضطر المخرجون وفي محاولة لتعويض هذا النقص اللعب على الجانب التقني ومحاولة الإبهار بالصورة، الأمر الذي نجح فيه بعضهم بحكم تمكنهم من الحرفة السينمائية، لكن يبقى جانب الكتابة مطروحا بقوة رغم الجهد المبذول من طرف هؤلاء المخرجين، يُساندهم في ذلك الممثلون بأدائهم للتغطية عليه.
وهنا يجب التأكيد على أن هناك في الأعمال الأدبية المغربية والعربية والعالمية معين لاينضب قد يُعوِّض حتما هذا النقص الظاهر للعيان، وما على صانعي الدراما التلفزية سوى الإلتفات إليه.
وتجدر الإشارة إلى أن تطور الدراما التلفزيونية المغربية رهين بتخلي مُنجِزيها عن تلك النظرة الدونية التي يُكنُّها بعضهم للعمل الدرامي التلفزي، بحيث تراهم يشتغلون بمعايير مختلفة حينما يتعلق الأمر بهذا الأخير عكس ما يفعلونه حينما يُنجزون عملا سينمائيا، وكأنهم يخافون من عدم قدرة جمهور التلفزة على مسايرة أعمالهم لو أنهم اشتغلوا بمستوى فني أعلى وأرقى.
عبد الكريم واكريم