الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  متابعات سينمائية    
قراءة في أفلام اليوم الأول للمهرجان المتوسطي للفيلم القصير

مايمكن ملاحظته بعد مشاهدة أفلام اليوم الأول المشاركة في المسابقة الرسمية للدورة الثانية عشرة للمهرجان المتوسطي للفيلم القصير بطنجة، هو تراوح تيمات هذه الأفلام بين ماهو تاريخي وماهو اجتماعي إنساني. ففيما كانت أفلام "الأرض المحروقة" للمخرج الفرنسي جوليان ميني و"مسار في حقل الشعير" للمخرج البوصني  كوران ستانكوفيتش و"أورانوس" للمخرج الإيطالي دجياني كاتي، ذات مواضيع تاريخية رغم أن كل مخرج تناول التاريخ من وجهة نظر مختلفة عن الآخر، إذ أننا نجد في الفيلم الأول  إسقاطا ذكيا لأحداث وقعت خلال نهاية القرن الثامن عشر بجبال كورسيكا على العصر الحاضر بحيث يطارد الجيش الفرنسي آخر المقاومين القوميين الكورسيكيين، رابطا الأحداث بالعصر الحالي من خلال لقطة أخيرة نرى فيها طائرة تبدو منطلقة كنقطة في السماء، إضافة لاشتغاله الجيد على المونطاج واختياره الموفق لمواقع التصوير.
أما فيلم"مسار في حقل الشعير" فنجد به اشتغالا للمخرج على الجانب الجمالي، بربط الفن التشكيلي بجمالية اللقطة السينمائية من خلال قصة مزارع تم استئمانه على خمس لوحات تشكيلية ذات قيمة فنية كبيرة وذلك أثناء الغزو الألماني للإتحاد السوفياتي البائد، ومن خلال هذه الحبكة السردية تتشابك الخيوط لتصبح اللوحة والمشهد الفيلمي شيئا واحدا، خصوصا في آخر مشهد من الفيلم...
وفي الفيلم الثالث "أورانوس" نجد الفن التشكيلي حاضرا أيضا كموضوع رغم أن المخرج الإيطالي فضل الأبيض والأسود كشكل يقدم به فيلمه مستغنيا عن الألوان الأخرى وكأننا به يريد إيصال روح العصر الذي تجري فيه الأحداث  رغم أن تيمة المثلية الجنسية  المتناولة في الفيلم لا تحيل نهائيا على أفلام تلك المرحلة.
أما في أفلام "وأنا" للمخرج المغربي الحسين شاني و "على العتبة" للمخرجة اليونانية أناسطتازيا كراتيدي و"رويا" للمخرج التركي ألبير أكدينيز، فنجد الجانب الإنساني طاغيا من خلال قصص إنسانية تجعل العمل يصل إلى القلب وينتشل الإعجاب .
الفيلم الأول رغم كونه إنتاجيا لايمكن أن يقارن بأفلام عرضت خلال هذا اليوم إلا أن مخرجه استطاع بذكاء وحرفية إيصال معاناة طفل من أوضاع إجتماعية ومن تسلط أبيه، وذلك بأسلوب بسيط ومقتصد، ولغة السينمائية صرفة معتمدة على الصورة للإيصال والمستغنية بطريقة شبه كلية عن الكلام. ويتشارك فيلم "على العتبة"  مع الفيلم المغربي في نفس الرؤية بحيث نتابع فتاة شابة لايتجاوز عمرها 19 سنة وهي تتعرض للاستغلال من أسرتها لتقرر الثورة أخيرا كما فعل الطفل في الفيلم السابق. ويسير الفيلم التركي "على العتبة" في نفس السياق مركزا على حالة إنسانية مؤثرة لا تجعل المشاهدين يظلون محايدين أمامها، وهي لزوجين شابين في رحلة "حريك" تنتهي بموت المرأة وعودة الزوج مع تابوتها...
على العموم وباسثناء فيلم  "الأرض المحروقة" والفيلم البوصني بشكل أقل لم نشاهد بعد تلك التحف التي عودتنا عليها بعض دورات هذا المهرجان المتوسطي الذي أصبح موعدا قارا لا محيد عنه لشباب السينمائيين في حوض المتوسط.

عبد الكريم واكريم