الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  نقد    
فيلم "شلاط تونس" الشعب يريد... من حديد؟

تبحث المخرجة عن بطل الحومة الشجاع. لقد قام بما لم يخطر ببال أحد. يتضح أنه في السجن لكن ممنوع التصوير في محيط السجن. وحارسه يعتبر الكاميرا مصيبة. تعود المخرجة لتسأل شبان الحومة عن المجرم. يوضحون لها أنه بطل. ولديهم الحجج ضد الضحايا بما أنهن نساء، ولا حاجة للإثباتات. 
هذا ما اكتشفته المخرجة التونسية كوثر بنهنية في فيلما الجريء "شلاط تونس" الذي عرض ضمن الدورة الثامنة للمهرجان الدولي لفيلم المرأة بمدينة سلا من 22 حتى 27 شتنبر 2014. والشلاط مستخدم السكين... 
يركب الشلاط دراجة نارية ويحمل سكينا ويمضي في الشوارع، يبحث عن أكبر مؤخرة في سروال جينز ليشلطها، ليجرحها و"يربيها". يبدو أن المؤخرة هي أهم عضو في المرأة خاصة حين تكون قد خرجت من الحمام (الشعبي التركي) نظيفة وساخنة. هذا ما يبحث عنه الشلاط وهو شخصية حقيقية في تونس.
وشلط تفيد الدم والإذلال، فبعد انتصار ألمانيا على البرازيل بسبعة أهداف راج شعار "كلنا منتخب ألمانيا الذي شلط البرازيل". يريد الشلاط أن يسيل الدم من الخلف ولا تستطيع الضحية كشف مكان تعرضها للأذى وهكذا تصير عرضة للشماتة.
تتأكد هذه الشماتة الفردية والجماعية حين تكشف المخرجة وعي شباب الحومة. لقد كانت المخرجة الشابة شخصية رئيسية في الفيلم ذي الطابع الوثائقي. ويبدو أن سلامتها البدنية كانت في خطر في لحظات كثيرة. لقد كانت تقتبس من عنف الشارع الذي يغري المخرجين. فالشباب التونسي غاضب من النساء. لم يتحقق له الإشباع العاطفي ولن يتحقق له في هذه الأيام التي يتقدم فيها سبعين شخصا لمنصب الرئيس في تونس... لأن كرسي الرئاسة – الذي يشغله رئيس مؤقت- شاغر تقريبا. ولكوثر بنهنية حكاية رائعة مع الكرسي. ففي فيلمها القصير "يد اللوح" الغارق في الخيال إلى حدود العبث، نرى عربة صغيرة تتجول في تونس بكرسي فارغ. فكر المتفرجون أنه كرسي بنعلي. ثم نكتشف أن طفلة ترفض الذهاب للمسيد (المسجد) لتدرس لأنها تخاف من الفقيه حتى أنها بالت في ملابسها.
الحل؟
تتناول لصقة وتلصق يدها بذلك الكرسي الخشبي. وتنقلها أمّها إلى المسجد هي والكرسي. وهنا يكتشف الفقيه أنها صارت أعلى منه فجلب كرسيا اكثر علوا وجلس عليه. ولم يكن هناك الحل لفصل الكرسي عن اليد اللاصقة به إلا باستيراد مادة كيماوية من الغرب.
كان هذا خيالا يستحيل تلخيصه وقد رفع سقف التوقعات من المستقبل الفني للمخرجة. وقد حقق فيلمها الطويل الأول "شلاط تونس" كل الآمال المعقودة عليها. فهي تصور الواقع، لكن لا تصور الخام. فاللقطات مكثفة ومركبة مما يضاعف معانيها: نرى كلبا ميتا ونرى نهرا تطفوا عليه عوازل طبية... كانت صور الفيلم متعددة الأبعاد. صحيح نزل الإيقاع في الثلث الثالث من الفيلم. وهذه لعنة تصيب أفلاما كثيرة. لقد صبت المخرجة كل طاقتها في ثلثي الفيلم وبقي الثلث الأخير ثقيلا. هذا على الصعيد الفني، لكن من الناحية السوسيولوجية التي تعنيني، فإنه على مراحل تتكشف الابعاد الاجتماعية والنفسية للمؤخرة حفظها الله. ففي حوارات طويلة تكشف المخرجة "عقلية الشلاط" يتدخل شخص متفقه في الدين ليؤكد أن النساء هن "حبائل الشيطان" لإسقاط الرجال وأن المرأة إن سترت نفسها لن يؤذيها أحد. ليضربن بخمرهن على... تؤكد ضحية أنها شلطت رغم أنها كانت ترتدي تنورة "مفخفخة" لكن كانت سمينة. لذا لم يحْمها اللباس المحتشم.
لاختبار موقف المجتمع من مؤخرة المرأة ابتكرت المخرجة لعبة فيديو تُمكن كل واحد من الاستمتاع بجرح المؤخرات وجعل النساء يصرخن. وكان الشبان التونسيون يرددون "الشعب يريد مؤخرة من حديد". يشلطون مؤخرات النساء على الحاسوب. تصرخ النساء فيصفق المتفرجون حولي. إذن فالشلاط نموذج الملايين والمؤخرة حبيبة الجماهير. هذا جمهور نصفه في العشرين من عمره. وبما أن السينما التي عرض فيها الفيلم تقع في حي شعبي فقد تماهى الجمهور مع الشلاط من أول لقطة وهكذا عثرت فجأة على عرق الذهب. فموضوعي لا يجري على الشاشة بل حولي.
لأتلصص على المتفرجين.
كان هناك تفاعل عالي في الربع ساعة الأول، بعدها ساد صمت هائل. كان هذا الجمهور ثرثارا أثناء عرض فيلم سابق، لكنه صار منضبطا. لقد سيطر الفيلم على الجمهور الهائج بسبب المؤخرة، حتى أن مقدم الأفلام في المهرجان اضطر لا حقا لينبّه الجمهور لكي لا يصرخ في اللقطات "الخاصة"، لأن في القاعة أجانب وسيأخذون فكرة سيئة عنا نحن المغاربة وخيّر المتفرجين بين الصمت والانسحاب من القاعة. ظن المقدم أن الجمهور يصرخ احتجاجا بينما هو يستمتع...
لقد كشفت المخرجة أبعادا جديدة للموضوع، كانت البداية فخا ثم صار يتكشّف على مراحل حجم العنف الرهيب ضد النساء في المجتمع التونسي، والمغربي طبعا. فشلاط تونس كان يركب دراجة نارية، أما شلاط المغرب فكان يركب دراجة هوائية في مدينة "تيزنيت" الجنوبية. وقد حصل ذلك في سنة 2012. حينها ذكرت مواقع إلكترونية إن الشرطة تطارد الشلاط المغربي الذي يستخدم سكينا وقد تخصص في جرح مؤخرات الفتيات والنساء صغيرات السن...يصيبهن في مؤخرتهن بسرعة ويهرب...
تعليقا على ذلك كتب أحدهم "لو كان في كل مدينة مثل هذا الشخص لأصبحنا نرى شوارعنا خالية من المتبرجات" وأضاف آخر "الحل سهل للغاية: ما على الفتيات إلا ارتداء ملابس محتشمة".
للجريمة دلالتين، إنها تعبير عن انزعاج شديد من تزايد مكانة الجسد الانثوي المتبختر بثقة في الفضاء العام. وتعبير أيضا عن الجوع الجنسي للمجرم المحروم والذي ينتقم بالشماتة من الضحية وقد خلد الأذى في لحمها. واللوم لا يقع عليه، بل يقع على النساء حسب العقلية السائدة. فهن قد خرجن من ضلع أعوج وخرجن للشارع الذي يفترض أن مجال ذكوري حصري. أعتقد أنه لولا علمانية الدولة الحديثة - بكل علاتها، وهي بنت الاستعمار - لما خرجت امرأة للشارع ولا دخلت مدرسة في المنطقة بين المحيط والخليج.

محمد بنعزيز