الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  متابعات سينمائية    
القليبية قلعة هواة السينما الحصينة بطعم الدهشة الأولى

في القليبية كل شيء مختلف وله طعم الدهشة الأولى وكأنه يُفعل لأول مرة . حضرت العديد من المهرجانات السينمائية واشتغلت في بعضها الآخر وسيرت ندوات بأخرى، وكنت عضو لجان تحكيم ، لكن المهرجان الدولي لفيلم الهواة بالقليبية استطاع أن يرد إلي دهشة الطفل التي كنت أظن أنني ضيعتها.
لكن يبدو السر من وراء هذا كامنا في كون من  يتدبرون أمور هذا المهرجان هم شباب، ومن شيم الشباب الإبداع والثورة على الجاهز والنفور من التقليد.
يقال "من يحب الحياة يذهب إلى السينما"، لهذا لا يمكن لأناس لايحبون الحياة أن يصنعوا أفلاما أو يسيروا الشأن السينمائي، وفي القليبية يمكن الجزم أن شباب المهرجان يعشقون الحياة ويعيشونها، وهذا يظهر في كيفية إدارتهم للمهرجان وتسييرهم له...
 حفل الافتتاح كان جد مختلف ومليئا بالبهجة والجمال والابتكار، هي الأفكار الجديدة والمبتكرة ماينقص العديد من المهرجانات السينمائة العربية أو على الأكثر تسلط أناس محافظين أو من لايحبون الفن على هذا الميدان ومحاولة تدجينه وصياغته على حسب أفكارهم النكوصية، مع العلم  أن السينما لا يمكن أن تكون سوى ماهي عليه : جريئة وغير معترفة بأي من تلك المقدسات أو الممنوعات التي يريدون تغليفها به، فهي لم ولن تكون "نظيفة" لأنها لم تتوسخ أبدا سوى في عقولهم المريضة...
ليس سهلا أن يصمد مهرجان سينمائي خمسين عاما، خصوصا في بلد وفي منطقة كل مافيها يقدس الماضي ويبجل الأجداد ويعتبر ماجؤوا به لا يقبل النقاش ولا التجاوز، لكن حينما نعلم أن أحد أهم أسس هذا المهرجان هو الديموقراطية وأن الشيوخ تراجعوا ليفسحوا المجال للشباب دون أن يتوقفوا عن مساندتهم ودعمهم ودون أن يحاولوا فرض أفكارهم عليهم، بل فقط بوضع تجربتهم الطويلة والمهمة في تسيير المهرجان وخلق شبكة من العلاقات داخل وخارج تونس تحت تصرفهم، ندرك سر الاستمرارية وبذرة النجاح هذه...
حفل  الافتتاح مساء  الأحد الماضي بمسرح الهواء الطلق بالمركز الثقافي بالقليبية  حمل معه تلك الروح الشبابية، إذ كان بهيجا وجميلا ومختلفا، أطلقت خلاله بالونات مضيئة في سماء المدينة السياحية الشاطئية المعروفة بزراعة الكروم وصناعة النبيذ الفاخر وبصناعتها التقليدية المرتكزة أساسا على فنون النجارة.
ثم تم عرض أفلام سبق لها أن فازت بجوائز المهرجان طيلة سنواته التي أكملت خمسينيتها، منذ انطلاقه سنة  1964 ، ليكون قيدوم المهرجانات السينمائية في المنطقة العربية. 
وقد شهد حفل الافتتاح أيضا إلقاء  مديرة المهرجان الشابة مريم الصردي كلمة ترحيبية بالضيوف والداعمين للمهرجان وووسائل الإعلام المتابعة لفعالياته والمشاركين به، ثم عرض فيلم "كم جميل أن تكون مجنونا" للمخرجة الفرنسية أنطوان باج. 
وتتالت إبتداءا من يوم الإثنين عروض المسابقتين الرسمية الدولية والوطنية التونسية، لتتمكن لجنة التحكيم الموكونة من كل من المنتجة والمخرجة المصرية مريان خوري والمخرج المغربي داوود أولاد السيد والمخرج السينغالي مانصو صورا واد والكاتب العام للجامعة الدولية لنوادي السينما الإسباني خوليو لمانيا أوروزكو والسينمائي التونسي صلاح الضاوي، من متابعة زخم هائل من الأفلام والفرز بينها.
أما الفترات الصباحية فكانت ذات طابع تثقيفي و خصصت لندوة حول خمسينية المهرجان ودروس في السينما وندوة عن "توزيع الأفلام المستقلة" وأخرى عن "السينما والمقاومة"...فيما كانت فترة ما بعد الظهر تشهد نقاشات حول الأفلام المشاركة.
وأنا قادم إلى  القليبية كنت أظن أنني سوف أجدني أمام أفلام يتعثر أصحابها في محاولة تهجي أبجديات اللغة السينمائية لكني وجدتني أمام أفلام أغلبها عبارة عن مشاريع تخرج من مدارس سينمائية إلا أنها تُنبئ عن قدوم أسماء ستُثري المشهد السينمائي، وهنا أتحدث عن الأفلام التونسية المشاركة في المسابقة الرسمية الدولية والأخرى في المسابقة الوطنية. من يشاهد هذه  الأفلام سيطمئن على مستقبل السينما التونسية رغم ما تشهده الآن من ركود مقابل طفرة مهمة شهدتها خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي.

عبد الكريم واكريم-القلبية-تونس

عبد الكريم واكريم-القلبية-تونس