الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  نقد    
قراءة في فيلم " نحو حياة جديدة " للمخرج عبد اللطيف أمجكاك

إذا كان الخطاب السينمائي – بشكل عام - فنًّا شموليًّا تتضافر فيه جهود  مجموعات كل واحدة وحسب تخصصها ، فإن لهذا الخطاب تمظهرات  متعددة ومختلفة ومن تمظهراته الفيلم القصير ... إنه نمط فيلمي أكثر تكثيفا من حيث دلالاته السيميوليوجية إذ يتم الاعتماد بالدرجة الأولى على تبليغ الرسالة عن طريق الصورة. لاتهم الثيمة بقدر ما تهم طريقة التبليغ والإيصال على مستوى  جمالية الخطاب الفيلمي ... ويكون الفيلم القصير بذلك أشبه ما يكون بالقصيدة العميقة المعنى بالصور والحاملة لإشارات كثيرة ... فثيمة الهجرة مثلا متداولة كثيرا، لكن طريقة تناولها في الفيلم القصير " نحو حياة جديدة " جعلت من الفيلم إبداعا غير مسبوق؛ أبدعه الفنان الشاب عبد اللطيف أمجكاك .

عبد اللطيف أمجكاك، من مواليد 17 غشت 1984 بمدينة الدار البيضاء، وبها تدرج في أسلاك التعليم إلى أن حصل على شهادة البكالوريا تخصص لغة إنجليزية.كان عاشقا للسينما منذ الطفولة  يقول المخرج عبد الطيف أمجكاك في حوار صحفي: " إنها قصة حب حقيقية. منذ أن كنت طفلا، كان اهتمامي كبيرا بمشاهدة الأفلام، وتحليلها من السيناريو إلى الإخراج. كنت أنتقد هذه الحركة أو تلك... حتى أن أسرتي كانت تضيق ذرعا بكل الملاحظات الدقيقة، التي أبديها أثناء مشاهدة أفلام "سينما الخميس"، لأني كنت أشوش عليهم متعة المتابعة، إلا أنها كانت تعترف بصوابها."
لم يتوقف طموح الشاب عند المشاهدة والنقد فقط لأن عشق السينما لم يكن لحظيا بل نما معه، وفي السياق ذاته يقول في الحوار الصحفي:"كبر معي هذا الحب، فصرت أهتم بالكتابة، وأدون كل ما يمر في خيالي من صور، أو في الواقع من أحداث، وأتابع الظواهر الاجتماعية... وبمجرد ما حصلت على آلة كاميرا، أصبحت لا تفارقني. "

بعد حصوله على شهادة الباكلوريا من ثانوية الأمير مولاي عبد الله بالبيضاء متخصصا في اللغة الانجليزية، قرر متابعة دراسته بالمغرب، لأن تخصص الشهادة يفرض عليه إتمام دراسته في الشعبة الأدبية، لكن رغبته الجامحة حالت دون التخلي عن عشقه للسينما، يقول: " فقررت الالتحاق بأحد المعاهد الخاصة في الفن والإعلام، حتى أتسلح بشهادة عليا تخولني الانخراط في المجال، الذي طالما عشقته."
وبذلك يُحصل من معهد خاص للفن والإعلام بالدار البيضاء على دبلوم الاستحقاق كتقني متخصص في التواصل السمعي البصري، شعبة الإخراج السينمائي حيث تخرج منه  بتفوق محتلا المرتبة الأولى في فوجه. ثم اهتم بكتابة السيناريو والتصوير والمونطاج والإخراج مستعينا باللغة الإنجليزية التي وظفها للانفتاح على عالم السينما؛ إذ استثمرها لمتابعة أفلام المدرسة الأمريكية ومعرفة خصائصها بلغتها الأصلية. بهذا المعطى، يكون الشاب قد هيَّــأَ نفسه ليكون من أبرز من سَنُّوا لأنفسهم مسلك الجادين في اكتساب معارف عن الفن السابع قبل خوض غماره، وتلك ميزة المهتم ، بكامل الوعي، بخصوصيات السينما.

هكذا يكون الشاب عبد اللطيف أمجكاك قد تسلح بما يمكن أن يساعده على اقتحام عالم الفن السابع وهو ما أثمر على فيلم متميز بعنوان" نحو حياة جديدة ".

إن فيلم " نحو حياة جديدة " ثمرة جاءت بعد سلسلة من الأفلام الوثائقية التي حازت على جوائز دولية، منها فيلم \برتقال المغرب\ الذي فاز بالجائزة الكبرى لأحسن إخراج مقدمة من طرف القناة الثانية 2M ، في الدورة الثانية للمهرجان الدولي لفيلم الطالب بالدار البيضاء، و جائزة لجنة التحكيم في المسابقة الرسمية بمهرجان الفيلم القصير والوثائقي في دورته الثانية  بالمدينة نفسها، و أيضا الفيلم الوثائقي " عادات وتقاليد مغربية في شهر رمضان "  من إنتاج القناة الأولى الذي عرض في برنامج \إليك" (رمضان 2008 على القناة الأولى)، وأيضا فيلم"رحلة نحو زجاجة طبية" الذي  أخرجه عبد اللطيف أمجكاك سنة 2009، إضافة إلى مجموعة من الأفلام في إطار سينما الهواة  التي أخرجها الشاب المخرج و قوبلت  بالتقدير والاستحسان  من قبل النقاد والجمهور في تظاهرات سينمائية.

لم يتوقف المخرج الشاب، بل لا زال جموحه الإبداعي ، وسيفاجئنا  بأعمال جديدة  إذ أنه في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على عملين جديدين : الأول فيلم قصير بعنوان "الوردة الحمراء\ الذي صوره بمصر بمدينة الأقصر، والثاني فيلم قصير آخر بعنوان "الحقيقة" صوره بمدينة نيروبي بكينيا.....

يحكي فيلم "نحو حياة جديدة" موضوع  الهجرة السرية، سعيا للحلم بعالم أفضل وحياة أنعم. إن موضوع الهجرة موضوع متداول، لكن قوة الفيلم تكمن في ما سيعالجه: الوحدة والسبيل إلى تجاوزها؛ وهل تكسير وهم الوحدة رهين بتتبع أفعال وأفكار الأصدقاء أم أن التفرد رهين بالاعتماد على النفس؟.

وإذا ما تتبعنا توالي المشاهد في الفيلم، سنلاحظ بعد 0:18 من الجينيريك، شمعة متوهجة وقد تدلى شمعها  الذائب من حرارة التوهج، ثم نتتبع ممثلين، وعددهم أربعة عشر شابا من بينهم فتاة وطفل حيث يتواجدون داخل كوخ قرب البحر.  قرر الطفل  الهجرة سرا بعد فقدان والدته، للالتحاق بأخيه الأكبر. يركز الكل نظرهم على الشمعة. بينما يحدق كل الشخوص إلى الشمعة، يتقدم شخص نحو الكوخ المغلق على الشباب الذين قرروا الهجرة خارج الوطن سرّاً، فيأخذ مجموعة من المفاتيح ويشرع في فرز مفتاح الكوخ، يتمّ التركيز على ثقب المفتاح، تثير حركة فتح  الباب انتباه الطفل. يفتح الشخص الباب، يرنو إليه كل الشباب، ثم يتقدم فوق ركام أحذية ملقاة أمام باب الكوخ من الداخل...

ينظر إليه الطفل – باعتباره المحور في الفيلم - بحزن، كما ينظر إليه باقي الممثلين باندهاش وترقب... يتبادلون فيما بينهم النظرات. برهة، يوجه خطابه بأن المغادرة ستكون بعد أربع ساعات؛ إنه خطاب من أعلى إلى أسفل  على مستوى الصورة، حيث الشباب جالسون والشخص واقف، ولذلك أكثر من دلالة. يأمرهم بأن يجهزوا أنفسهم للمغادرة والرحيل إلى الضفة الأخرى. يشرعون في جمع أغراضهم والتحضير لسفر نحو المجهول. يهُمُّ اثنان للعب الورق انتظاراً لرحلة بحرية محفوفة بالمخاطر.

أما الطفل  الذي يعاني من عقدة البقاء وحيدا حيث هاجر أخوه إلى أوروبا ووفاة الأم ، فهذا الإحساس كفيل بأن يجعل ثيمة الوحدة مطروحة بقوة في الفيلم، مع العلم أن الثيمة ذاتها تجعل من الطفل ركيزة شخوص المادة الفيلمية كما سبق ذكر ذلك. إن عقدة الوحدة أثرت نفسيا على الطفل سعد ، فلا يبدو على استقرار نفسي إطلاقا بل نراه شريد الذهن كثير الانتباه، ولعل الارتباك والتوتر باديين من خلال كونه منساقا وراء فكرة شحنت أذهان مجموعة من الشباب، إنه الانسياق غير المتحكم فيه لأن صدمة موت الأم كانت أقوى لجعله في دوامة اللاوعي.

يأخذ  الطفل سعد - في سياق تعاقب أحداث الفيلم -  دفتراً، يتفحصه ثم يمسك رسالة كان قد بعثها إليه أخوه هشام الذي يتواجد بالمهجر دون وثائق. إذ أخبره فيها أنه سيتكلف به بمجرد ما يحصل على وثائق الإقامة القانونية ولاسيما وأنه بقي وحيداً بعد وفاة والدته. سُمِع صوت الموج بعد الانتهاء من قراءة الرسالة، ثم التفت سعد ولفَ أجزاء الرسالة جاعلاً منها قارباً ورقياً. تُقَلّم الفتاة أظافرها فيما يهمّ  أحد الشباب برسم الشمعة والشمعدان...

ينتبه كل الشباب إلى ما قام به الطفل: صنع قارب ورقي من رسالة أخيه هشام، ويتخيّل ذاك القارب بين الأمواج. يضع سعد قاربه الورقي، ويتجه صوب الشمعة، ثم يأخذ الطست بعد وضع الشمعدان أرضاً، ويصب قنينة ماء فيه مثيراً انتباه الكل، ويبدو الماء قليلاً، فتلقي الفتاة اتجاهه قنينة ماءٍ  أخرى، يتبادل الابتسامة كل من سعد، الفتاة، والشاب الفنان الذي كان يرسم الشمعة حيث توقف عن رسمها. يصبّ الطفل سعد القنينة في الطست، فيضع القارب/الرسالة على الماء ويهِمّ برسم لوحة على ورقة أخرى تجسد شروق الشمس وطيور محلقة ...

يضع سعد رسمه المجسم ورقيا جانب الطست من الداخل على الماء. وبالموازاة يقوم الفنان بتقطيع أوراق على شكل أجساد للشباب المهاجرين، ويمنح لسعد كل المجسمات الورقية ، حيث يضع واحداً تلو الأخرى على القارب الورقي الذي يطفو على الماء بالطست. يشرع كل من سعد والفنان في وضع ألوان على المجسمات التي تعكس صور المرشحين المتواجدين بالكوخ. ثم يرسم هشام صديقه الفنان وهذا الأخير بدوره يضع أصباغاً على مجسم إحالة إلى الطفل .

يلتفت سعد ويكتشف أن أصدقاء المرشحين للهجرة قد ناموا، يمد يده إلى الطست ويرش وجهه مبتسماً. الشمعة تخبو شيئا فشيئا، فيعمّ الظلام. برهة يفتح الباب فيبدو الشخص وهو يحثهم على الإسراع، يبدأ الكل وفي عتمة الليل، يخرجون حاملين أمتعتهم واحدا تلو الآخر؛ وبعد خروجهم يغلق الباب.

نلاحظ سعد في نومه، وشباك الكوخ مفتوح، صوت طائر يوقظه، ليكتشف أن  أصدقاءه ذهبوا ويبقى وحيدا. ينهض بسرعة، ويتجه نحو البحر. يدخل أمواجه مصارعا مويجاته الصغيرة التي تنال منه. فنراه منهكا ملقًى شبه ميت على رمال الشط. وسرعان ما يصحو وقد بلّتْ ثيابه...يبتعد ويخلع ملابسه وينظر إلى البحر وعلامات الغضب والسخط بادية عليه. يضع ملابسه على شجرة ويتجه إلى الكوخ الذي كان  يتواجد به رفقة أصدقائه، وعند وصوله إلى باب الكوخ، يضرب الباب بكفه،  ثم يدخل فيلبس ثيابه ويحمل حقيبته ويعود أدراجه نحو البحر. وهو على مقربة يلمح شيئا ثم يعدو، يمسك رأسه ويكتشف جثة الفنان مسجاة على الرمال، ويتجه صوب جثة أخرى ليكتشف أنها جثة الفتاة، هكذا يكتشف سعد جثتي صديقيه وبداهة وفاة باقي الأصدقاء، ليكتشف أنه الوحيد الذي نجا من موت محقق. يرفع عينيه - في ابتسامة - إلى الأفق حيث النورس الصادح. يغطي وجه الفتاة ثم وجه الفنان ...

إن الخطاب الفيلمي يبدأ في منعرج ذِي بُعْدٍ خصوصا بعد أن اكتشف سعد نفسه وحيدا في الغرفة، فمن الوحدة بعد وفاة الأم إلى وحدة بعد هجرة الأصدقاء مما سيشكل أزمة نفسية له، لكن اكتشافه لوفاة الأصدقاء بعد أن لفظهم البحر تتضح معالم الانفراج، فمن حالة الحزن إلى حالة فرح عبر عنها الطفل سعد بابتسامة تلخص لحظة الصحو وانجلاء الصدمة التي اكتنفته، وهنا تتضح خصوصية الفيلم فبقدر ما كان البعد الاجتماعي حاضرا فإن الثيمة الأساس نفسية محضة، وليست الهجرة إلا وسيلة لفك لغز صدمة نفسية أصيب بها الطفل سعد. وبعد خروجه من الأزمة/ الصدمة يأخذ حقيبته ويتجه صوب البر: بَرِّ النجاة مبتعدا عن البحر...وبوجهته نحو البر مبتعدا عن البحر ، تكون وجهته نحو حياة جديدة. ويبدأ الجنيريك من 14:39 إلى 15:18.

فغلاف الفيلم الزمني دون الجينيريك حوالي 14:39 بحوارين فقط من الشاب المكلف بالمرشحين للهجرة، مما يعني أن المخرج ركز في الفيلم على الصورة. فلا غرو إذن ، أن تكون خاصية الترميز في الفيلم حاضرة بقوة لإيصال الرسالة، مع العلم أن الفيلم حصد جوائز كثيرة داخل المغرب وخارجه، وهذا دليل على أهميته.

من منطلق الترميز سنحاول الكشف عمَّا أعتمده المخرج عبد اللطيف أمجكاك رموزا لتبليغ رسالته ولا سيما وأن موضوع الهجرة وسيلة للكشف عن حالة نفسية متأزمة أفرزها الإحساس بالوحدة، لكن ما ميز  فيلم " نحو حياة جديدة " يختلف في المعالجة والتصور الفني.



إن دراسة البعد الرمزي في الفيلم تفتح أفق القراءة لتقسيم خاص لنوعية الرمز أو للتوظيف الرمزي، حيث سنجده يتوزع إلى ثلاثة أنواع من الرموز:

- الرمز الثابت (ركام الأحذية،الشباك، الشمعة ....)

- الرمز الحركي ( الطائر....)

- الرمز الصوتي ( صوت الموج ، صوت النورس )


فالرمز الثابت :

• ركام الأحذية: إن الحذاء رمز دال على الحركة ، لكن تقنية الخرق في الفيلم تجاوزت

الدلالة المألوفة للحذاء أو الأحذية، فالصورة أو المشهد لا يعكس حذاء واحدا بل أحذية كثيرة ملقاة على مدخل الفضاء المغلق الذي يتواجد به مرشحون للهجرة  غير الشرعية بحرا. ويظهر مشهد الأحذية عند دخول الشخص المكلف بالتهجير وإخبار الشباب المرشحين، حيث يتم التركيز عليه وهو يدوس على الأحذية .

إن فعل الدوس يضم أكثر من معنى حيث تموت حركة الأحذية، إذ تتحول رمزية الحركة إلى الموت، وهنا يفتح  الشاب كاتب السيناريو والمخرج عبد اللطيف أمجكاك الباب لتساؤلات عدة منها: هل يمكن أن تكون الهجرة حلا للخروج من أزمة؟ هل يمكن للهجرة أن تكون مفتاحا لتجاوز أزمة نفسية أو حلا للخروج من حالة التفرد والإحساس بالوحدة مثلما نجد عند بطل الفيلم سعد؟

إن الشخص المكلف بتهجير الشباب يرون فيه المخلص والمنقذ من حرقة الوضع وعذاب النفس، لكن دوس الأحذية إحالة إلى الإذلال خصوصا وأن معاني الدوس تتعدد، إذ من معانيه نقول: داس فلانٌ فلانًا بمعنى أذلَّه، وعامله بازدراء واحتقار ، فهذا الشخص من خلال رسالة السيناريست المخرج يستهتر بالحياة: حياة  الشباب الذين يحلمون بالعيش في أرض الغربة بطريقة غير شرعية سواء مما قاموا بذلك طوعا أو بتقليد للانفلات من أزمة الإنفراد كما هوا حاصل للطفل  البطل سعد . فالدوس على الأحذية قتل للحركة ، إنه رمز للموت.

• الشباك: لما صحا الطفل البطل سعد وجد نفسه وحيدا وقد خرج كل الشباب الذين

كانوا معه، إلا أن الشباك في الكوخ والذي  اقتحمت منه أشعة الشمس نحو الداخل، حامل لدلالة، فهو رمز في السياق، فمما لا شك فيه أن الشباك يفصل بين عالمين: عالم الكوخ المظلم والعالم الخارجي، إنه الفيصل بين عالم الموت و عالم الحياة، وما أشعة الشمس إلا رمز للحياة: حياة البطل سعد ولاسيما وأنه بقي وحيدا، فالأشعة نور، والنور ضرب من الانفراج النفسي الذي يريد أن يبلغه السيناريست المخرج للمشاهد، فرغم التوتر الذي أصاب الطفل البطل فإن ثمة رسالة تحيل إلى بداية خروج البطل من الأزمة الذي رأى أن  الهجرة والتأثر بحلم مجموعة من الشباب خيار لتجاوز هذه الأزمة.

• الشمعة، فهي مصدر نور وحياة، ولكن تركيز الصورة على انصهار الشمعة وامتلاء

جنباتها بالشمع الذائب وكذلك الشمعدان يحيل ذلك إلى انصهار الحياة جراء الترقب والتحين للحظة الهجرة / الموت، بل أكثر من هذا ليس بالضرورة أن تكون الإحالة إلى وقت الانتظار، بل يمكن أن نتعمق أكثر في التأويل ، وربما قد تكون إشارة قوية من المخرج لذلك إذِ الانتظار قد يكون منذ أن فكر الشباب بالهجرة، فنور الشمعة داخل الكوخ بصيص أمل، ثم إن الشمعدان يوجد بطست فارغ من الماء وتلك إشارة لغياب الحياة، لكن ما سيقوم به الطفل البطل سعد له مغزى في تعاقب الأحداث وهنا يمرر السيناريست المخرج رسالته، إذ سيأخذ سعد الطست ويضع الشمعدان أرضا ثم يصب فبه الماء إنها الحياة، ويشرع في وضع مجسمات ورقية لأصدقائه داخل الطست المملوء بالماء، إنه نوع من التمسك بالحياة أو على الأقل إشارة ذكية من مخرج طموح لإبراز أن حالة سعد غير عادية، فإذا كان سعد ضمن شباب مرشحين للهجرة فإنه لا يعي مخاطرها، بل يتخذها طريقا للانفلات من وحشة الوحدة والالتحاق بأخيه المهاجر بشكل غير قانوني.


- الرمز الحركي:

• الطائر،فهو كائن ذو جناحين، جمع طير، يحلق في الهواء ، والتحليق دلالة على


الحرية ومن جهة أخرى فالتحليق مرتبط بالحركة والحركة ضد الموت وهنا نستحضر ما قلناه عن رمزية الأحذية المتراكمة عند مدخل الكوخ الذي يجتمع فيه الشباب المرشحون لهجرة الموت أو يعتقدون أن الهجرة هي الخلاص من الوحدة مثلما نجد في مخيلة البطل الطفل الذي يعاني من أزمة نفسية جراء وفاة والدته وإحساسه بالوحدة خصوصا وأن أخاه مهاجر غير قانوني، والدوس على ركام الأحذية رمز للاستهتار بالحياة والإذلال بحياة الآخر، فتغريدة الطائر من الشباك وحركته من خلال أشعة الشمس انفراج معادل لصوت الحياة والخروج من الأزمة النفسية، ويمكن اعتبار اقتحام اشعة الشمس وتغريدة الطائر بداية فك عقدة الفيلم.

إن الطائر رمز التحليق والحرية ، ويعكس توظيفه الوعي التام من طرف المخرج بالدلالة التي يحيل إليها هذا التوظيف.



الرمز الصوتي، فسنركز عليه من خلال رمزين وُظِّفَا قبل وبعد الانفراج:


• صوت الموج: وكان في لحظة  انتظار الشباب المكلف بالهجرة، وإذا كان صوت

الموج لم يرعب المرشحين، فإنه قد أثار رعبا في نفسية الطفل البطل سعد مما يِؤكد أنه متوتر نفسيا، ويعيش شرخا نفسيا إثر الوحدة التي أصبح يعيشها بعد فقدان والدته.

• صوت النورس ونلمسه في لحظة الانفراج النهائي بعد الإحساس الذي راود البطل

سعد لَمَّا اكتشف جثث أصدقائه مسجاة على الشاطئ. تتجلى رمزية صوت النورس في الخلاص: خلاص سعد من موت حقيقي ومعانقته للحياة من جديد، وهذا ما يعكسه عنوان الفيلم " نحو حياة جديدة".

إن فيلم "نحو حياة جديدة" متعدد الرموز، وهذا ما يعكس قدرة المخرج على توظيف الصورة الناطقة التي تتحول إلى رمز، خصوصا وأن الفيلم بأكمله لم يتضمن إلا حوارين كما أسلفنا الذكر، وهذا ما يعكس جودته من جهة، ومهارة الشاب السيناريست والمخرج الشاب الطموح عبد اللطيف أمجكاك من جهة أخرى، حيث عوض الحوار بلغة الرمز . وما يؤكد جودة الفيلم الجوائز التي حصل عليها داخل المغرب وخارجه مما جعله فيلما متميزا، ومن جوائزه خارج المغرب نذكر:

- توج بالجائزة الكبرى لأحسن فيلم متكامل، في الدورة الثانية لمهرجان الفيلم القصير

و الوثائقي بولاية مستغانم في الجزائر، من بين حوالي 20 فيلم قصير، من مختلف الدول،

- توج بالجائزة الكبرى لأحسن فيلم متكامل بمهرجان نواكشوط الدولي في دورته السابعة  وجائزة لجنة التحكيم لأحسن إخراج في المسابقة الرسمية الدولية للفيلم الروائي في مهرجان بغداد السينمائي من بين 160 فيلما متنافسا من 32 دولة.

- نال جائزة لجنة التحكيم في الدورة الثالثة لمهرجان الشرق الأوسط السينمائي في

إمارة أبوظبي، بالإمارات العربية المتحدة.

- جائزة لجنة التحكيم في الدورة السادسة و العشرون في مهرجان قليبية السينمائي

الدولي بتونس.

- توج بجائزة الجمهور لأفضل فيلم في المسابقة الرسمية للدورة الثالثة لمهرجان

الساحل الأزرق الدولي للأفلام القصيرة بفرنسا.

سعيد تگـــراوي-مراكش.