الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  متابعات سينمائية    
هل إستحق فيلم "كري كري" المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان كان؟؟

  ملصق فيلم "كري كري"   

   يقدم لنا المخرج التشادي محمد صالح هارون في فيلمه "كري كري" قصة بسيطة و بأناس عاديين، قصة تبدو لأول وهلة كلاسيكية و مكررة في إطارها العام، قصة حب كري كري الراقص المعوق و العاهرة ميمي الحالمة بعالم آخر، تحقق فيه أمنيتها في أن تصبح عارضة أزياء.
       لسكان نجامينا  أيضا أحلامهم و أمانيهم.
   كري كري ملك الليل برقصاته التي تحلق به و ترفعه عاليا عن الواقع، و تنسيه رجله المعوقة ولو للحظات، حتى إذا أقبل الصبح إنزلق  إلى الأرض من علياء المتعة و حرية الجسد العليل  إلى واجبات دينية تفرضها عليه أمه، وإلى الجري و راء لقمة عيش تفرضها ظروف الحياة، يعمل كري كري إلى جانب زوج أمه في محل للخياطة و التصوير الفوتوغرافي، في إفريقيا وباقي دول العالم الثالث تفرض عليك الحياة أن تقوم بعدة أشياء من أجل أن تعيش، ذات يوم تأتي ميمي الحالمة بعالم أفضل لتجهز لنفسها ملف صور لجسدها علها تجد عملا كعارضة، إلى هنا تبدو الحياة هادئة سعيدة لاشيئ يعكرها، الهدوء و الحياة السعيدة لا تعطيك مجالا لصنع فيلم، لابد للمخرج من شيئ يكسر به الإيقاع ليصنع لنا فرجة و تشويقا، هنا يجد محمد صالح  هارون ضالته في   زوج الأم أيوب تلك الشخصية التي  ترفض الرتابة ونمط الحياة المتكرر" صلاة صلاة صلاة أوف."
. يمرض أيوب، يدخل المستشفى، المصاريف كبيرة.
    لا يعتبر محمد صالح فيلمه روائيا،  في إحدى حواراته يقول أنه أخرج فيلما وثائقيا، أتفق معه في ذلك، تكوين إطارات  الفيلم و مشاهده يبدو أحيانا مصورا بدون عناية رغم أن  جمالية الفضاء الإفريقي تسمح بذلك، الكاميرا ترافق دائما كري كري، أينما حل و ارتحل، الكاميرا عين المتفرج، في بحث البطل عن الذات والمال و الحب في عالم قاس لامتساح مع الآخر مهما كانت الصداقة قوية، موسى صديق كري كري مستعد لأن يقدم كل شيء، أن يسامح الكذب، لكن المال أقوى  من الصداقة .
      علاقة كري كري بميمي تتقوى مع انسياب مشاهد ، لا يحس بمنبوذ إلا منبوذ آخر، المجتمع لا يرحم العاهرات، الماضي دائما يلاحق المرأة، يسأل كريكري ميمي- لماذا تمارسين هذا العمل؟ تبكي ميمي و تجيبه  ـ ميمي أيضا تحتاج إلى أن تأكل، لا تمارس المرأة  الدعارة  فقط  من أجل اللذة..كلام منطقي .
     في مشهد من أكثر مشاهد الفيلم قوة، يفرض موسى على كري كري أن يحلف على القرآن، في طقس ديني رهيب، أن يحلف أنه لم يسرق المال، ليس لكري كري شيىء يخسره، يحلف، السؤال ـ أيهما أقوى، الإيمان الداخلي للإنسان بقضيته و إنسانيته وأحلامه أم الإيمان بالطقوس الدينية والخوف من اللعنة ؟ جواب الفيلم - الإيمان الداخلي، أداء سليمان ديمي في أول تجربة له على الشاشة يجعلك حتى كمتفرج (المتفرج يعرف الحقيقة) تقتنع أنه صادق.
        شخصية موسى تساوي عقلية مجتمع يعيش من الحرام لكنه يلجأ إلى الدين إذا اقتضت مصلحته ذلك..
      إيقاع الفيلم لا يصيب المتفرج بالملل، يجعلك متطفلا، تريد أن ترى إلى أين سيصل البطل، تقرر ميمي أن ترحل مع كري كري هربا من موسى ومن بطشه، إلى عالم جديد، ميمي حامل..
        عبر لقطة بعيدة يصور لنا المخرج وصول الحبيبين إلى قرية لا تبعد كثيرا عن نجامينا، تلتقي ميمي وصديقتها، عبر جملة واحدة   استطاع المخرج أن يختزل ماضي وحاضر إنسان، تقول  الصديقة لميمي" على الأقل أستطيع الآن أن أنام الليل"، جملة توضح علاقة وروابط الفتاتين، القرية عبارة عن بيوت طينية تقطنها النساء،  لا نرى ولا رجلا واحدا رغم أن الصديقة ذكرت أن الرجال في الحقول ، لماذا أصر المخرج على وضع الحبيبين في محيط نسائي ؟
     أصعب شيئ يصادفه صانع فيلم هو كتابة نهاية موفقة لفيلمه، لم يفلح محمد صالح هارون في ذلك رغم إستفادته من مستشار في كتابة السيناريو، الجزء الأخير من الفيلم  هادئ و ممل و متوقع،  مشهد الرقصة فوق السطح  لم ينفد باحترافية و جمالية، لماذا نقترح على المتفرج مشهد ممارسة الجنس إذا كان لايضيف شيئا لا كحدث ولاكرمز؟
توظيف اللغة العربية في الحوارات التي لها علاقة بالدين و التقاليد و العنف يجعلك تفكر قليلا في المغزى من وراء ذلك.
    يطرح الفيلم قضايا الحب و الصداقة و الدين ويربطها بالعزيمة عبر بطل دائم الحركة والطموح، عزيمة بطل لا يقف أمام شيئ، هل  يستحق الفيلم المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان كان؟ نعم إذا وضعنا الفيلم في إطاره الجغرافي والزمني و الإقتصادي و الثقافي و السياسي، و أعتقد  أن هذا ما تقوم به إدارة المهرجان، يجب أن نحكم على الأفلام إنطلاقا من هذا المنظور، لا نحاسب إنسانا (سينما) بما لا طاقة له به.

محمد الميسي