الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  حوارات    
المخرج عز العرب العلوي :
-حاولت وأنا أصور فيلمي "أندرومان..." أن أضع في اعتباري جميع شرائح المجتمع كجمهور مفترض


  عز العرب العلوي   

عز العرب العلوي مخرج ذو تكوين نظري وتطبيقي في السينما سبق له أن اشتغل مع كل من المخرجين المغربيين محمد عبد الرحمان التازي في "البحث عن زوج امرتي" و "جيلالي فرحاتي في "ضفائر" في نفس الوقت الذي كان يكتب فيه عن السينما كناقد سينمائي ليحصل بعد ذلك مابين سنتي 2001 و 2004 على دبلوم الدراسات العليا حول "النقد السينمائي"  ثم على دكتوراة  في موضوع "الخطاب السينمائي في المغرب"  وعلى دبلوم في دراسات الإخراج من كندا. وفي سنة 2004 أنجز فيلمه القصير الأول"بيدوزا" ثم تلاه ب"موعد في فولوبليس" و "حبة الكرز" ثم "إيزوران" ليخرج هذه السنة  فيلمه السينمائي الطويل الأول بعد أن أخرج عدة أفلام تلفزيونية من بينها "مسحوق الشيطان" و" بيت من زجاج" و"الرقاص".
إلتقينا عز العرب العلوي ضمن فعاليات المهرجان الوطني للفيلم الذي نال فيه فيلمه "أندرومان من لحم وفحم" أربعة جوائز وهي جائزة أفضل دور نسائي جائزة أفضل دور ثاني رجالي، جائزة الموسيقى الأصلية وجائزة النقد، وأجرينا معه الحوار التالي :



-    يبدو فيلمك "أندرومان من لحم وفحم" وكأن به نوعا من الزيادة والمبالغة في كل شيء ، في التمثيل وفي السرد الذي يصل في بعض الأحيان حدود الميلودراما، ثم ذلك الإصرار على إعادة الخطاب على الخطاب إذ نجد أمورا تم تمريرها بالصورة ثم تعاد في الحوار، وكمثال ذلك المشهد في آخر الفيلم الذي تعاد فيه كل فكرة الفيلم حول ضرورة تحرر المرأة واعتمادها على نفسها على لسان الشخصية التي أدتها "راوية" متجهة بالخطاب إلى البطلة، بماذا تعلق على هذه الملاحظات؟

-    يمكن لي القول بأن هذه الأشياء حاضرة ربما وليست غائبة، وفعلا هو استنتاج آت من رهان أساسي وهو خلق فيلم متكامل لجميع شرائح الشعب بمعنى أن الإشكال الذي نراه في السينما المغربية هو أنه حينما يكتب المخرج قصة ما فإنه يضع في اعتباره ويخصص شرائح إجتماعية بعينها، وأنا حاولت  إنطلاقا من فيلمي الطويل هذا أن أكتب بطريقة سينمائية وأن أضع في اعتباري جميع شرائح المجتمع وجميع الناس الذين يذهبون إلى السينما، كانوا متعلمين أو غير متعلمين، لديهم مستوى ثقافي متميز أوليس لديهم هذا المستوى..الجميل في الأمر هو أنني أضع جميع المكونات السينمائية داخل الفيلم حتى تكون هي الحامل الأساسي لكل القضايا التي يحملها (الفيلم)، وتكون الكتابة السينمائية قوية حتى تنقل هذا المضمون للآخر، وبالتالي حينما يلج الناس إلى السينما يجد كل واحد ذاته في الفيلم، وفي الوقت الذي نصل إلى هذا يكون قد لقي المتفرج ذاته في فيلمي ويكون مشاركا فيه..نعم بالنسبة لك أنت كناقد عارف بالسينما لا تحتاج لمشهدين ليصلك نفس المعنى، ولكن هناك آخرون محتاجون إلى مشهدين وثلاثة ليصلهم نفس المعنى، فقط كنت أحرص على ألا أسقط في ذلك الشرح المبتذل، نعم هناك شرح لكنه ليس مبتذلا، لأني حاولت أن أعطيه بطريقة شاعرية، حتى حينما أعيده فأنا أفعل ذلك بأسلوب مختلف وفي مكان آخر وبموسيقى أخرى وبرؤية أخرى ، وهذا التغيير في هذه الأشياء هو الذي يجعله مقبولا..وكما لا يخفى عليك فأنا أكاديمي والأسلوب الأكاديمي يفرض علي أن أقوم ببحث وبدراسة مسبقة أضع فيها نفسي مكان المشاهد.

-    إنطلاقا مما قُلته، ألا تخشى أن تصنف كمخرج ذو طابع تلفزيوني ، خصوصا أنك اشتغلت للتلفزيون، وهم الجمهور الواسع ربما يحضر هناك أكثر من حضوره في السينما التي تتطلب إستحضار الهم الجمالي والفني أكثر خصوصا  أننا في المغرب لم نصل بعد إلى مرحلة الصناعة بحيث يمكن أن يخشى المخرج من التوقف عن العمل إذا رفضه الجمهور الواسع أو إذا فشل فيلمه تجاريا؟

-    ربما لا أشاطرك الرأي، فأنا ليست لدي رهانات كبيرة على التلفزيون كما توجد لدي على السينما، لأن المنتوج التلفزيوني مُباَع مسبقا وليس هناك خوف من عدم عرضه فهو حتما سيُعرض وسيراه الناس في بيوتهم، والرهان يكون عند القناة وليس عندي أنا، وهي تراهن على السيناريوهات الموجهة للعائلة، أما في السينما فالجمهور يأتي إلى قاعة السينما ويشتري ورقة الدخول لمشاهدة الفيلم..أنا أصلا بدأت مساري في السينما ولم ألتحق بالتلفزيون إلا سنة2008 ، لقد بدأت في السينما منذ سنة 1992، وأخرجت أربعة أفلام سينمائية قصيرة إبتداء من سنة 2004 ، بمعنى أنني ذهبت إلى التلفزيون بعد أن اشتغلت في السينما، وحتى حينما أخرج فيلما تلفزيونيا فأنا أنقل إليه مقومات العمل السينمائي وليس العكس، نفس الأدوات السينمائية ونفس الفريق الذي أشتغل معه سينمائيا إشتغلت معه في أفلامي التلفزيونية "بيت من زجاج"، "مسحوق الشيطان" و"الرقاص"، وحتى أصحاب التلفزيون هنأوني على هذا لأنني أعطيهم منتوجا يقارب في تقنيته التقنية السينمائية. وأيضا لا يمكن القول أنني لا أعطي القيمة للجمهور في أعمالي التلفزيونية، فأنا أعطي القيمة للجمهور في أي عمل كيف ما كانت نوعيته : فيلما سينمائيا طويلا و قصيرا أو فيلما تلفزيونيا.

-    لكن جمهور التلفزيون يختلف عن جمهور السينما.
-    نعم جمهور التلفزيون ليس هو جمهور السينما لكن بعض مكوناته وشرائحه هي التي من الممكن أن تدخل السينما، الفرق هو أن جمهور التلفزيون أعرض وأكثر من جمهور السينما، ولا يمكن للمخرج أن يظل مختصا في السينما فقط ولا بد أن يدخل إلى البيوت عبر التلفزيون ليربح مشاهدين أكثر، إضفة إلى أنه يمكن أن يربح هذا الجمهور ليصبح سينمائيا، إذ يمكن للذين شاهدوا شريط "مسحوق الشيطان" رمضان الماضي في التلفزيون أن يأتوا اليوم لمشاهدة "أندرومان.." في السينما، وهكذا أكون قد كسبت جمهورا في التلفزيون وسأكسب أيضا جمهورا في السينما مع خروج فيلمي بالقاعات السينمائية.

-    ألا تخشى أن تكون بفيلمك "أندرومان من لحم وفحم" - الذي تراهن به على شريحة واسعة من الجمهور كما قلت - تفقد جمهور السينفيليا الذي يعشق السينما الحقيقية؟

-    أولُ الناس الذين أتوا إلي وحيوني على فيلم "أندرومان.." بعد عرضه خلال فعاليات المهرجان الوطني للفيلم كانوا نقادا ومخرجين. ربما الجمهور الذي يأتي عند المخرج للتهنئة يكون بعضه مجاملا ، لكن لا أظن أن ذلك الكم الهائل الذي كانت تغص به قاعة سينما "روكسي" والذي استقبل الفيلم وصفق له قد يكون كله مجاملا، ثم لا أظن أن أولائك النقاد   -وأنا أعرف مدى صرامتهم- قد كانوا مجاملين، لكن الجميل فيهم أنه حينما يعجبهم فيلمك يأتون ويقولونها لك..الإختلاف حول أي فيلم بين الجمهور والنقاد قد يحصل، لكن أيضا قد يحصل إجماع حول فيلم ما، وأظن أن "أندرومان.." إستطاع تحقيق هذا الإجماع بين الجمهور والنقاد والمخرجين، لأنه فيلم مفكر فيه وليس فيلما إعتباطيا..مفكر فيه بطريقة أكاديمية وبطريقة تواصلية على أساس كيف يمكن أن نخلق سينما مغربية بقصة بسيطة وبأدوات سينمائية متميزة للوصول إلى الآخر. أفلام هتشكوك إذا عرضت في القاعات السينمائية تنال إعجاب الجمهور والنقاد والمخرجين ، وذلك فقط لأن لديه قصة و حبكة وموضوعا، وإذا أخذنا هذه الوصفة وبهذه التوابل نستطيع صناعة فيلم ناجح.

-    يعني هذا أن لديك رهانا للوصول إلى تلك المعادلة الصعبة بحيث ينال فيلمك إعجاب الجمهور السينفيلي العارف بالسينما وكذلك الجمهور العادي والبسيط؟
-    هذا رهاني وأيضا هذا السؤال الذي كان يُطرح في جميع النقاشات حول السينما المغربية : لماذا ليس لدينا في المغرب فيلم يجمع حوله جميع الشرائح من المشاهدين والجمهور، وهذا صعب لكن ليس مستحيلا ويجب فقط التفكير فيه، فمثلا "تيتانيك" فيلم بسيط لكنه نال إعجاب الكل من نقاد وجمهور واسع، ونفس الهم الذي كان عند جيمس كاميرون هو الهم الذي كان عندي، الفرق هو أنه في بقعة جغرافية كبيرة وأنا في بقعة جغرافية صغيرة، على أساس أن أصنع فيلما يدخل ليراه الناس ويفرحوا به ،  والجميل الذي أعجبني بعد عرض "أندرومان" هو الفرح بهذا المولود السينمائي كمنتوج مغربي، ويمكن لي أن أشبه ماوقع مع فيلمي بما وقع أثناء ظهور فيلم "البحث عن زوج امرأتي" سنة 1993 والذي اعتبر مصالحة كبيرة بين الجمهور المغربي وبين سينماه المغربية، كفيلم لا يعتمد على الجسد النسائي كسلعة ولا يوظف كلام الشارع ويحاول أن يركز فقط على المغرب العميق، إن لدينا مغربان المغرب الذي على الواجهة وآخرعميق الذي يعاني ساكنوه، ومن حقهم علينا أن نعترف بهم ونلتفت إليهم ونتقاسم معهم الثروات.


-    بما أنك تحدثت عن الجسد في جوابك، وهناك أفلام مغربية عديدة يظهر فيها الجسد كموضوع، ماهو رأيك في هذا التوظيف خصوصا أن بفيلمك بعض المشاهد ربما كان مخرج آخر لصورها بكيفية مختلفة وأظهر فيها شيئا مختلفا بخصوص الجسد؟

-    على العموم  أنا مع الإختلاف وضد فرض قيود على حرية التعبير، لأنني أعلم أنه إذا فرضت قيود على أي مخرج أو مبدع فإنه لن يستطيع الإبداع. مخرجون آخرون يمكن أن يوظفوا الجسد بطريقتهم، أنا فقط  أرفض أن أوظف الجسد بشكل يخالف الدين الإسلامي، أنا مغربي ومسلم وبالتالي لا أدعي أنني ملاك ومحافظ وأدافع عن أي شيء كان، فقط أقول أن ثقافتنا المغربية والإسلامية وتَواجدُنا في أرض تعتبر أرضا مسلمة يفرض علي أن أذهب مع الإتجاه العام وأن أحاول الإبداع في نفس هذا الإتجاه، وليس بالضرورة إذا لم أوظف الجسد أنه فُرضت علي قيود ولن أستطيع أن أبدع. الإبداع لا يكون سوى بالجسد فقط، إذ يمكن أن آتي بحكاية فيها شخصية واحدة تسكن في غرفة ضيقة وتعيش هلوسات، وأعالج الفكرة بطريقة فنية..اللجوء للجسد بهذا الشكل يجعل المشاهد المغربي يتساءل هل نحن فعلا نعاني الكبت إلى هذه الدرجة، مع أننا نرى أن المغرب أكثر بلد متفتح في شمال إفريقيا..هذا التوجه نحو إظهار الجسد بهذا الشكل الكبير ليس لأن المغاربة مكبوتون جنسيا كما هو الأمر مثلا فيما يخص إيران المكبوت شعبها سياسيا، وكيف أن هذا الكبت يتجلى واضحا في الأفلام الإيرانية. ..تواجد العري في السينما فيه نوع من التعدي على حرمات الآخرين، ورغم أني أشتري ورقة الدخول إلى السينما وأختار الفيلم، فإني كمشاهد مغربي أرفض أن أرى العري خصوصا في الأفلام المغربية، لأني إذا رأيت فيلما أجنبيا يوظف الجنس وذهبت لمشاهدته باختياري فذلك لأني أعلم أن صاحبه لا يقاسمني نفس الدين وبالتالي لا يقاسمني نفس الرؤية، لكن حينما أدخل إلى قاعة السينما لمشاهدة فيلم مغربي فمن الضروري أن يتقاسم معي صاحبه الرؤية أو يعلن منذ البداية أن هذا الفيلم غير صالح للجمهور أقل من 18 سنة..

-    أنت ربما تعتبر نفسك مخرجا صاحب رؤية ومشروع سينمائيين وهذا يتطلب نوعا من الإستمرارية ، إنطلاقا من هذا أين يمكن لنا أن نرى أو نكتشف حضور أفلامك القصيرة خصوصا "إيزوران" في فيلمك السينمائي الطويل "أندرومان.."، أو كيف يشكل هذا الأخير إستمرارية لتلك الأفلام القصيرة؟
-    "إيزوران" فيلم إعتمد على كتابة سينمائية وقصة ضمنية داخل هذه الكتابة السينمائية، واعتمد على خلق سينما تضم صورة (أو لقطة) زائد لقطة تساوي ثلاث لقطات وليس اثنين، إذ أنني أخلق المعنى من تركيب صورة بصورة أخرى، إضافة على الإعتماد على إيصال عظمة المكان ، لأن الديكور مهم جدا بالنسبة لي وأحاول البحث عنه أولا ثم بعد ذلك أفكر ماذا سوف أضع فيه على أساس أنه يكمل المعنى ، لأنني أهدف دائما إلى الإقتصاد في الحوار ولا ألتجأ إلى التعمق فيه وإضافته إلا إذا شعرت أن الصورة قد أصبحت عاجزة عن إيصال المعنى الذي أقصده، وإيزوران" بدأ من هذه الإشكالية كونه فيلما في  21دقيقة  بدون حوار.."إيزوران" شكل لي فرصة لخلق تلك المساحة للكتابة السينمائية ، وذلك بتوظيفها وتوظيف خصائصها ولغتها وإضاءاتها وفضاءاتها، وتوظيفها أيضا كمحركات أساسية على مستوى الترافلينغ ، وأن تكون هذه المكونات حاضرة أولا قبل أن أضيف إليها الحكاية..وجاء "إيزوران" كقصة بسيطة وظفتُ فيها هذه التجربة السينمائية التي اكتسبتها من ستة أفلام أنجزتها قبله ، والآن في "أندرومان" فكرت أنني لا يجب أن آتي بقصة معقدة قد تشوش على الكتابة السينمائية، لأن السينما بسيطة وإذا أخذناها بذلك النوع من التعقيد سنكون ننتهج ما يسمى بسينما التجارب أوالسينما التجريبية وليس السينما الحقيقية التي نعرفها وستصبح كل تجربة منكفئة على نفسها وليست لها علاقة بالأخرى وسنظل نعيش في سلسلة من التجارب إلى مالانهاية. السينما بسيطة ويجب أخذها بهذا المفهوم، وحتى الذين كتبوا عن فيلم "أندرومان" في الصحافة بعد عرضه في المهرجان الوطني للفيلم ركزوا على هذا الجانب، كون أن به كتابة سينمائية عالمية مرتكزة على قصة بسيطة. فالنأت بمثال لقصة "سندريلا" وهي قصة جد بسيطة وصنع انطلاقا منها  143 فيلما، "روبين هود" أيضا صنع منها 43 فيلما، "شامشون ودليلة" أُخرج للسينما العديد من المرات، إذن لماذا يبحث الناس عن البساطة؟ الجواب هو أنه حينما تكون لديك قصة بسيطة تنتهي من مسألة الحكاية وتبقى الكتابة السينمائية وكيف توصل هذه القصة هي الأمر الأهم والأساسي بعد ذلك، ولأن أصعب مايمكن أن يصل إليه الإنسان المبدع هو تلك البساطة لأنها أجمل شيء وهكذا جاء "أندرومان" ليكمل "إيزوران".."إيزوران" كان صامتا ونطق في "أندرومان"....

حاوره عبد الكريم واكريم