الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  حوارات    
نور الدين الصايل :
- في السينما كما في الفيزياء، هناك ذلك العنصر اللامُحدد واللامتحكم فيه، الذي يمكن أن يعطيك فيلما في المستوى الرفيع كما يمكن أن يعطيك فيلما دون المستوى
- الصناعة السينمائية المغربية أصبحت تفرز باستمراريتها تطورها النوعي كذلك


  نور الدين الصايل   

الحديث عن نور الدين الصايل قد لايفيه حقه في مجرد تقديم لحوار، هو رجل لا يجعل من يقترب منه ويتعامل معه يبقى حياديا من ناحيته فإما أن ينبهر بهذا الرجل الذي يعشق السينما حد التماهي أو يكرهه وينفر منه لأسباب تتعلق ربما بصراحته وعدم لجوئه لأساليب ديبلوماسية للتعبير عن آرائه، التي قد يراها الآخرون منافية ومتناقضة مع ما يؤمنون به...إنه رجل السينما الأول في المغرب الذي استطاع أن يستقطب إليه أغلبية المشتغلين في الميدان الذين يرى أغلبهم أنه منذ تقلد الصايل  لمهامه كمسؤول بالمركز السينمائي، منذ ما يقارب العشر سنوات، شهدت الصناعة السينمائية في المغرب طفرة تعد الأهم في تاريخها...
جاءت فكرة محاورة الصايل ونحن نشتغل في خلية  نشرة مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية في دورته الأخيرة، على آخر أعدادها. ونحن في الطريق إلى فندق غولدن توليب خريبكة لمقابلته، قادمين في سيارة الحسين اندوفي مع مدير المهرجان، أنا و الصديق حسن وهبي، كنت أتساءل عن ردود الأفعال المحتملة للصايل على بعض الأسئلة التي قد يراها استفزازية من طرفنا خصوصا وقد سبق لي أن عاينت ردوده على بعض من مثيلاتها في ندوات صحفية أو لقاءات له مع الصحافة ، لكن يبدو أن الصايل قرر أن يخيب أملي هذه المرة فأثناء هذا الحواركان الرجل متفرغا لنا بالمرة ومجيبا على أسئلتنا بكل أريحية ، حتى أنه تساءل قائلا وقد جاوزنا الساعة من الزمن ونحن جلوس معه : "أين ستنشرون  هذا الحوار الطويل جدا؟ !"...


- نرى الآن أن الإنتاج السينمائي المغربي قد وازى الإنتاج السينمائي المصري ، الذي كان رائدا في المنطقة العربية والإفريقية، وربما تجاوزه ، لكن السؤال الذي يظل مطروحا  هو هل يمكننا في المغرب أن نكون صناعة سينمائية تستطيع الصمود وتستطيع أن تكون منافسا  للصناعات السينمائية  الكبرى في العالم بالاعتماد فقط على دعم الدولة ، وبعدم وجود منتجين خواص كما هو الحال عليه في الصناعات السينمائية الكبرى؟

- كون الدولة ستظل لوحدها واقفة بجانب الإنتاج السينمائي وداعمة له هي فقط  مسألة مستحيلة ، إذ كيف ما كان الحال في مرحلة معينة سوف تظل هذه الصناعة في مستوى معين ولن تتطور، الدولة يمكنها أن تقدم العديد من المساعدات ، وإلى حد الآن تمنح الدولة نحو 60 ،  70  ،  80   مليون  لكن لا يمكن لها أن تتطور إلا إذا كان هناك تدفق حقيقي للإنتاج . وإلا سنظل حينها في نفس المستوى ، كل سنة نصنع عشرين فيلم أو ما يعادلها ولا نتطور...ولكن الفكرة الأساسية التي أنطلق منها هي أن هذه المرحلة التي قد تستمر لمدة خمس أو عشر سنوات أو خمسة عشر سنة، والتي ستكون خلالها الدولة ضامنة لمستوى أدنى من الإنتاج ، أملي وأمل الناس الذين يفكرون قليلا ، هو أن تفتح شهية هذه المرحلة شهية المنتجين ليؤمنوا بهذا ويقولوا أنه بالإمكان...وإذا لم تستطع هذه المرحلة إفراز منتجين كما تفرز أفلاما  سوف نكون قد اطمأنا  على بعضنا ووقفنا هناك، وهذا ما وقع في حالة دول المعسكر الاشتراكي السابق بقيادة الاتحاد السوفياتي، بحيث كانت الدولة تضمن وتخطط في نفس الآن ، فتقول على سبيل المثال أنها في السنة المقبلة سوف تصنع  18 فيلما ، وفي السنة التي بعدها  22  فيلما ، وهذه السنة  صنعنا 25 ويجب أن نقلل من عدد الأفلام المنتجة..وهذا يعني أن الدولة تكون متحكمة في عدد الأفلام المنتجة وفي الكيفية التي تنتج بها وفي مضمونها ..وبهذه الطريقة تم إنتاج أفلام مهمة لكنها بالمقابل  لم تدع مخيلة المخرجين تذهب بعيدا ..بهذه الطريقة في التعامل تأخذ الدولة مسؤوليتها كاملة ، وتقرر بكيفية مخططة بأن كل سنة لها رقمها وتضمن وتعطي لممثلي السينمائيين والمنتجين ومسؤولي الدولة  لجانا لتقرر فيها هذه الطريقة..والطريقة الأخرى تكون فيها الدولة هي المتسببة في شيء وتكون هي المنطلق له وتعمل فيما بعد على خلق دينامية خاصة  تفرز المنتوج وناتج المنتوج في آن واحد، وهذه الطريقة الثانية هي التي نؤمن بها لأنها الطريقة أثبتت نجاحها تاريخيا ، والدليل القاطع على نجاحها هي أن جل الشركات السينمائية في ألمانيا وإيطاليا وإنجلترا وفرنسا ، أخذت إنطلاقتها بالاعتماد على الدولة  ثم تطورت وأصبحت قادرة على الاستمرار ، وعرفت كيف تأخذ الأموال الممنوحة من طرف الدولة ثم تبحث بعد ذلك عن الإنتاجات المشتركة وتضيف من عندها، بما أن السوق كان قد أنجح أعمالها السابقة. وهنا ندخل في ميكانيزمات الإنتاج التي تفرز بنفسها قيمتها..أملي أن نصل إلى هذه النتيجة ، وما ألاحظه الآن أننا بفضل هذه الإنطلاقة التي أعطتها الدولة ، خاصة إبتداء من  سنة  2004  ، حيث بدأت الأمور تتوطد، أصبحت هناك شركات تتقدم إلى الأمام فيما هناك شركات أخرى تأخذ ما تمنحه لجنة التسبيق على المداخيل وتصنع أفلاما، وتنتظر عامين لتعيد الكرة وتقدم مشروعا آخر وهكذا...هذا التعامل ممكن وهو كائن ، ولكن إذا أخذنا على سبيل المثال مائة شركة للإنتاج سنجد أن من بينها 5  في المائة فهمت أن الإنطلاقة التي أعطتها الدولة يجب أن تجعلها تتعلم كيف تنتج قيمة مضافة مالية ومعنوية سوف تنطلق بها. وعندنا الآن في المغرب بعض الشركات التي نأمل فيها خيرا ، كونها سوف تقوم بالاستثمار من عندها لأنها تعلم أنها سوف تربح داخليا وخارجيا ، لهذا فهي ستتفهم هذا الهم الذي يشغلنا الآن بخصوص السوق الداخلية ، لأن هذه السوق هي التي ستعطي مردودية أقوى لذلك المنتج الذي يعلم ما يجب أن يفعله ولديه القابلية كي يكون شجاعا رغم كون السوق  محدودة.. وستظل هذه السوق هي نضالنا الحالي، خصوصا أنه في حدود  سنة 2014 ستكون المركبات السينمائية التي هي الآن في طور التشييد جاهزة، وهكذا ستكون 30 شاشة متواجدة ..هذا إضافة لمخطط سيمكن من إنشاء 30 شاشة أخرى جديدة كل سنة، في كل من طنجة وأكادير والرباط ومدن أخرى. وهناك نصوص قانونية سوف  تخرج للوجود سوف تحدد مدى المساعدات والضمانات التي تعطيها  الدولة للمستثمر في إنشاء القاعات السينمائية..وإذا استطعنا أن نضمن استمرار إنشاء 30 شاشة سنويا ، أعتقد أننا سنصل إلى ذلك المعدل الضروري الذي تحتاجه السوق الداخلية المغربية ، والذي أراه مكونا من حوالي 300  شاشة تقريبا . وفي هذه الحالة سيكون هذا الاستغلال السينمائي إضافة لهذه الضمانة التي يشكلها الآن الفيلم المغربي، كونه يذهب للشاشات ويحقق أرباحا، وسيعطي للمنتج الذي يطمح لكي يعيش  حياة منتج مبدع للقيمة، ضمانة جديدة هي ضمانة السوق..هذا ما يجعل مقارنة السينما المغربية حاليا بالسينما المصرية أمرا صعبا ، لماذا؟ لأن السينما المصرية لديها سوق  كانت قد بدأت في تشييده منذ مدة طويلة، فمنذ الثلاثينات من القرن الماضي كانت السوق المصرية قابلة لاحتضان مضامين وروايات المجتمع المصري من خلال مخرجين مصريين ، ويجب أن يكون هذا المستوى هو مستقبل  كل هذا العمل الذي نقوم به حاليا ، وهذا هو الأمر الذي لا يجب على المرء أن ينساه حينما يتكلم عن الصناعة السينمائية المصرية وعن الصناعة المغربية.
- هناك بعض الآراء المؤثرة شيئا ما ، والتي تريد من السينما المغربية أن تكون جميلة ليس بالمفهوم الفني والسينمائي ولكن بالصيغة الكارطبوسطالية للكلمة، وأصحاب هذا الرأي لديهم تأثير الآن ، وهناك منهم من يوجد في لجنة الدعم ، وربما يعطون فرصة لبعض الأفلام المسطحة والغير ذات قيمة فنية على حساب أفلام أخرى هي التي تعطي للسينما المغربية ذلك الوجه الجيد في الخارج وفي المهرجانات العالمية ؟
- هذا أكيد، لأن كل لجنة تتكون من مجموعة من الذوات ، ولا يجب أن نستغرب من كون لجنة ما تضم أناسا يحبون تلك الكليشيهات التي تحمل تصورات وزارة السياحة ، عن كيف نأتي بالسائح الأجنبي للمغرب، إذ ليست هناك لجنة مثالية والتي ستناضل من أجل سينما قد تعتبرها أنت هي التي من المفروض أن تكون...زد على ذلك أن اللجان تتغير كل سنتين، فهناك اللجان التي بحكم تشكيلتها الداخلية  تعطي الأهمية لشكل الإبداع السينمائي  ، وهناك أخرى تكون أكثر براغماتية أو أكثر ديبلوماسية، ولكن كيف ماكان الحال يعطى الدعم سنويا ل 15  إلى 18  أو 20  مشروع فيلم . وأنا أرى من خلال تعاملي مع هذه اللجان منذ وصولي للمركز السينمائي المغربي، وانطلاقا من اللجنة الأولى التي ترأسها الشاعر عبد اللطيف اللعبي إلى هذه الأخيرة التي يترأسها عبد الكريم برشيد، أن كل سنة تتمكن الأساليب كلها من أن تكون ممثلة في الأفلام المدعمة. يمكن أن يكون أسلوب ما هو الطاغي في سنة ما ، لكن اللجان كلها ، وفي سيرورتها التاريخية ، لا تتناسى بكيفية نهائية أسلوبا ما نهائيا، وتجد في نهاية المطاف أن الأساليب كلها تكون متواجدة...السؤال الحقيقي الآن هو هل لدينا تلك البراعة الإبداعية الكافية لكي يكون أي سيناريو يقدم للجنة وتوافق عليه ضمانة حقيقية لصناعة فيلم جيد وقوي؟ هذه الضمانة هي ما نفتقدها ، لهذا كل اختيار للجنة الدعم كيف ما كانت هذه اللجنة فيه شيء من المغامرة ، إذ أنك ترى الشخص الذي من المفترض أن يخرج الفيلم ، وإن كان مبتدأ سبق له أن أخرج أفلاما قصيرة لا بأس بها ، وإن كان قد سبق له أن أخرج أفلاما طويلة فستجد أنها مقبولة ، وكل هذا لا يعطيك ضمانة مطلقة أن هذا الفيلم الذي ستدعمه سيكون فيلما في المستوى العالي..إذ أننا رأينا سينمائيين لديهم أسماء وازنة ، في مرحلة معينة، يصنعون أفلاما متوسطة، ومن خلال دعم هذه اللجان، ..ماذا يقع ؟ لا أحد سيعطيك الإجابة . وفي المقابل شاهدنا أفلاما أخرى مصنوعة بذكاء ،  قدمها مبتدؤون أو مخرجون لم يعطوا دليلا قاطعا على كونهم سينمائيين كبار، أفلام تجعلك تتأسف أنه ليست هناك وسائل مادية كافية ليكون العمل أكثر جودة، لأنك ترى أن هناك ضعفا من داخلها ناتج عن قلة في الاستثمار المالي ..إذن كل اختيار يظل محفوفا بمخاطرة ما تصاحبه ، إذ ليست لديك ضمانة بأن الفيلم الذي سيدعم سيكون فيلما ذو مستوى عال جدا، ولذلك لا يمكن في هذه المرحلة أن تكون هناك ضمانات أن كل الأفلام التي تدعم ستكون من مستوى رفيع ، وإلا كنا سنختار فقط هذه الأفلام الرفيعة  ، ولو كانت أية دولة تعرف كيف تختار هذه الأفلام الرفيعة لما اختارت سواها..ولو كان أي منتج في فرنسا أو إنجلترا أو ألمانيا أو إيطاليا يعلم الوصفة السحرية التي ستمكنه من إنتاج الأفلام ذات المستوى العالي، لن يفعل سوى ذلك..لذلك يظهر بأن  حتى في السينما  كما في الفيزياء، هناك ذلك العنصر اللامُحدد واللامتحكم فيه الذي يمكن أن يعطيك فيلما في المستوى الرفيع جدا كما يمكن أن يعطيك في أحيان أخرى فيلما ذو مستوى متدن جدا، وهذا بغض النظر عن مستوى أسماء المخرجين أو براعتهم الذاتية ، ففي بعض الأحيان تجد أن أسماء مهمة في الإخراج تصنع أفلاما متوسطة والعكس صحيح.

-هل ترى ، أستاذ نورالدين ،أن السينما المغربية استطاعت أن تفرز أسماء سينمائية في المستوى العالمي ، أو هناك على الأقل بذرة لمخرجين ربما سيكونون في مستوى ما أنجزته السينما العالمية ، أم ما زلنا في مستوى متوسط إبداعيا وفنيا وسينمائيا؟

- الصناعة السينمائية المغربية صناعة فتية جدا، ولو أن هناك الآن سياسة وإرادة تساعد ، إلا أنه لا يمكنك في فترة لا تتجاوز عشر سنوات  أن تثبت أسماء على المستوى العالمي ، لكن هناك بوادر وبراعم أعطت فيلما أو اثنين أو ثلاثة، أو أربعة أفلام، وتظهر على أنها قادرة على أن تقوم بتلك القفزة النوعية وتلك الطفرة التي ستمكنها من فرض نفسها. هناك إلى حد الآن بضع أسماء معترف بها دوليا ، وهم يذهبون لكان والبندقية وبرلين، وقد تم تسجيلهم في تاريخ هذه المهرجانات ، وبدون ذكر أسماء حتى لا ندخل في تمييز البعض عن الآخرين، فهناك خمسة أو سبعة أسماء لسينمائيين وسينمائيات مغاربة فرضوا أنفسهم ، ولكني أرى أن عددهم سيتزايد ، لأن هناك أسماء أخرى خصوصا من بين الشبان الصاعدين ستنضاف إلى هؤلاء، ولدي إيمان وثيق أنه خلال الخمس سنوات القادمة  سوف ينضاف لهؤلاء السبعة أو الثمانية عشرة آخرون سيصنعون هذه القفزة النوعية ، ولكن هذا ناتج عن الخصال والكفاءات الذاتية لهؤلاء وناتج عن كون هذه الصناعة أصبحت تفرز باستمراريتها كذلك تطورها النوعي ، ومعنى ذلك أنه كلما اشتغل التقنيون المغاربة أكثر إلا وتطوروا ، وكلما اشتغل الممثلون والممثلات المغاربة أكثر إلا وتطوروا ..إذن هذه الحالة تفرز فائضا للقيمة ، الذي لا يمكن أن تفرزه دولة تصنع فيلما كل خمس سنوات ، وهذا الذي يجعلني أقول أنه مهما كانت خصال وذاتية السينمائيين فإن هذا الواقع سيجعلهم يرتقون إلى الأعلى وبكيفية أسرع من الذين سبقوهم والذين كانوا يصنعون فيلما وينتظرون مدة طويلة ليقدموا مشروعا آخر لينال الدعم. إن هذا المفهوم الشمولي للإطار السينمائي في المغرب هو الذي يعطيني هذا الإيمان بأنه   سوف يكون لدينا كما قلت هؤلاء الذين سيصبح لديهم صيت عالمي، إضافة لهؤلاء المعترف بهم دوليا الآن ..هكذا تتطور الصناعة في العالم أجمع ، فإذا لم تكن هناك بيئة عامة تلتف حول الفيلم والمخرج والمنتج والممثلين والتقنيين لن يحدث أي تتطور. أرى مثلا الأفلام التي كنا ننتجها في الثمانينات والتسعينات بقلتها والأفلام التي ننتجها الآن ، تقنيا ومن الداخل هناك تطور كبير ، وهذا هو الحافز الحقيقي الذي يجعل أناسا كثيرين في المغرب يؤمنون بهذه السينما، كانوا مسؤولين أو نقادا أو ممثلين . إذا أبعدنا ذلك الكلام الزائد سنجد ان الناس يعتبرون أن هذا التطور لا رجعة فيه، وهذا هو المهم بالنسبة لي ، أما الباقي فيمر مرور الكرام.
- وقعتم مع اتحاد كتاب المغرب إتفاقية بخصوص التعاون بين الأدباء والسينمائيين ..هل ترون أن هذه الاتفاقية كفيلة بتسريع التعاون بين الطرفين ، ويمكنها أن تشكل دفعة في هذا السياق، قصد تذويب الجفوة التي طالت بينهما ، خصوصا أننا نعلم أن السينمائيين والأدباء في المغرب كل واحد يصيح في واد، السينمائيون يقولون بأن الأدب المغربي غير صالح ليُقتبس والأدباء المغاربة يقولون أن السينمائيين المغاربة لا يقرؤون، وعلى الأرجح حتى إذا كانوا يقرؤون فهم فرنكوفونيون ولديهم نظرة تغريبية للمجتمع المغربي؟
-التعامل بين الأدب والسينما ، بين المبدعين الكتاب والسينمائيين لا يمكن أن يكون بقرار إداري ، نحن وقعنا ذلك العقد مع اتحاد كتاب المغرب إيمانا منا كمركز سينمائي بضرورة إدماج الروائيين والقصاصين في كل التظاهرات ، هو عقد مؤسساتي ، إذ أننا مستعدون لكي نمكنهم من كل المساعدات التي سيطلبونها منا..هذا العقد جسر يمكن السينمائيين من العبور عند السينمائي. ولكن ليس هناك أي قرار يقول أنه انطلاقا من الآن لايمكن أن يكون هناك فيلم إلا إذا اقتبس من كتاب، أو إذا كتب له السيناريو كاتب، أولا هناك العديد من الكتاب لن تكون لديهم الطاقة لكتابة السيناريوهات ، لماذا؟ لأن الكاتب الذي يكتب رواية والسيناريست الذي يكتب سيناريوهات شخصان يمارسان مهنتين مختلفتين، فحينما تقرأ مثلا لبروست أو سيلين أو دستيوفسكي وتطلع على سيناريو ستجد أن ذلك  الشيء الغير مكتوب في السيناريو هو الذي يعطي القيمة للكتابة الأدبية، والتي يتجلى بُعدها الأدبي في الشيء الذي من الصعب أن يصور أو يكتب على شكل سيناريو. والذي يظن نفسه كاتبا أدبيا كبيرا في كتابته للسيناريو يكون قد أخطأ الطريق والمهنة، إذ أن كتابة السيناريو ، كتابة براغماتية إنتهازية، وتضمحل بمجرد تصوي الفيلم ، عكس الكتابة الأدبية التي لاتتلاشى ونشرها هو الذي يعطيها بكيفية كاملة ذلك البعد الأدبي ، وإذا كان فيه إبداع كبير يعني هناك اعتراف ..نأخذ صفحة من الإبداع الأدبي القوي ، كانت لإميل زولا أو لنجيب محفوظ أو لبروست..سنجد أن الجميل والقوي فيها هو ذلك الشيء الذي لا يمكنك أن تصوره . وحينما نرى الأعمال الأدبية العالمية الكبيرة سنجد أن القليل منها هو من اقتبس منه عمل سينمائي كبير ، إذ لم أر فيلما واحدا مقتبسا عن عمل لدستيوفسكي ويمكن اعتباره تحفة سينمائية، ولو أن الأسماء التي تصدت لاقتباس هذه الأعمال أسماء مهمة ، تظل أفلاما متوسطة. نحن فقط نريد لأدبائنا وسنمائيينا أن يتعارفوا ويتحاوروا ، القضية ليست هل السينمائيون يقرؤون الأدب المغربي أو هل الأدباء المغاربة يشاهدون الأفلام المغربية؟  أنا متيقن أن هناك من يقرأ كما أن هناك من لايقرأ ، وهناك من يشاهد الأفلام كما أن هناك من لايشاهدها، ولكن السؤال هو كيف يمكن لك من خلال رواية قوية أو قصة قصيرة جيدة لزفزاف مثلا أو لإدريس الخوري يمكن أن تصنع فيلما جيدا ..أنا أومن أن القصة القصيرة هي القابلة أكثر للاقتباس من الرواية ، لماذا لايتصل أي أحد بإدريس الخوري، بما أن زفزاف لم تعد هناك إمكانية للحديث معه؟ لست أدري، هل الناس يخافون من الأدب؟ هل يفضلون عدم الدخول في قضايا امتلاك الحقوق؟..التجربة مازالت فتية نحن  نريد تسهيلها، بدون أن ندخل في قضية هل السينمائيون يقرؤون ، أنا أعرف ومتيقن أن هناك سينمائيين من بين أصدقائي لديهم مطالعات جيدة ومتتبعين للكتب التي تصدر، وهناك آخرون لايقرؤون لا بالعربية لا بالفرنسية ولا بالإنجليزية ، ولديهم عالمهم الآخر. فإذا سهلنا هذا التواصل يمكن لبعض الأدباء أن ينسوا تلك الأمور التي يكتبونها أدبيا ويصبحون كتاب سيناريو جيدين أو لا يكونوا، كما أن السينمائيين يمكنهم إذا تعرفوا أكثر على الأدب أن  يقتبسوا - بعد الموافقة وضمان الحقوق- يمكن أن يأخذوا أمورا لا يمكن لهم أن يتصوروها في الواقع ، لأنني أعرف أن هناك روايات أدبية مغربية ذات مستوى جيد جدا ، وأنا أتأسف وأقول لوكان بعض السينمائيين تعاملوا مع هذه القصة أو تلك  الرواية  لأمكن أن يعطينا ذلك نفسا جديدا للأفلام السينمائية المغربية...
- سنة 2013 تؤرخ للدورة السادسة عشر لمهرجان السينما الإفريقية. فما هي إذن القيمة المضافة لهذه الدورة؟
- أرى أن القيمة المضافة لهذه السنة بالخصوص هي التأكيد على فكرة السنة الماضية التي  هي تلك التشكيلة التي اسميها تعاونية السينما الافريقية والتي تشبه نادي المراكز السينمائية في العالم الافريقي. أي ان مدراء المراكز السينمائية لساحل العاج والسينغال والمغرب قرروا كلهم ان السنة الماضية ستكرس لعلاقة تعاون وتبادل الخبرات والمساعدة المادية ان دعت الضرورة.
أما الفلسفة التي بني عليها النادي الافريقي ولو أن دولنا لا تتوفر على الكثير، بل هي اقتسام ذلك القليل الذي نتوفر عليه أكان تجربة أم مادة قابلة للعطاء. أظن أن هذه هي الفكرة التي بدأناها السنة الماضية. وفي هذه السنة نظمنا ثلاثة لقاءات حيث تبين لنا الان أن الطريق الذي نسير في هو طريق صحيح. وكون المغرب عقد اتفاقية مع النيجر وكنا قبل أسابيع وقعنا عقد تعاون وتبادل مع البنين مما جعل الدول توقع فيما بينها تعاقدات. والان قررنا وبناء على هذا ان يكون لقاء بين المراكز السينمائية العشر والتي تشكل هذا النادي. واللقاء سيكون في كوتونو في الأشهر القليلة القادمة ولقاء اخر سينعقد بمناسبة أسبوع السينما المغربية في أبيدجان بساحل العاج. يبدو لي أن هذه المبادرات كافية إذا كانت هناك عزيمة وإرادة.
هذه الإرادة هي التي ستساعد على حل المشاكل وليس انتظار توفر الشروط ثم نبدأ العمل. خصوصا أن ما يمكن قوله بالنسبة للقارة الافريقية ان موقف الشمال الأوروبي وخاصة فرنسا والذي كان مندمجا في صيرورة المساعدات مع المراكز الافريقية والدول الإفريقية بدأ يتقلص إلى أن أصبح اليوم غائبا. لهذا فالتعاون جنوب/جنوب لا يمكن اعتباره اختيارا بل ضرورة ويظهر أن هذا النادي أو التعاونية بين المراكز السينمائية في إفريقيا يمكنها أن تضم كل الدول المنظمة والتي تتوفر على مراكز ولا تتوفر على مديريات للثقافة مهتمة بالسينما.
ومن بين الأسس التي ندافع عنها، وكل من الدول يحث عليها، هو ان يكون في كل دولة مركز سينمائي مستقل وله حرية القرار طبعا برعاية  وزارة وصية أكانت وزارة الاتصال أم وزارة الثقافة أم التجارة إلا أن القرار والعمل سيكونان مستقلان على شاكلة ما يحدث تقريبا عندنا في المغرب أي على شكل المركز السينمائي المغربي تقريبا.  إنها النقطة الأساسية والتي أعتبرها مهمة وثانيا جديدة لم تكن ضمن الجدولة منذ ثلاث أو أربع سنوات سابقة للمهرجان والآن ها هي تشكل عمودا مهما في مهرجان السينما بخريبكة.
-بمناسبة مهرجان خريبكة 2013 عقدتم ندوة أشدتم فيها إلى أنه لا يمكن للسينما الإفريقية أن تتطور ولا للمؤسسات أن  تجتهد إذا لم يلعب المخرجون دورهم الأساسي بتعاون مع المؤسسات المعنية. فهل هناك تكامل بين ما ذكرتم في الندوة والمشروع الذي تحدثتم عنه الآن؟
-هناك فعلا تكامل. أذكر أن هناك مستويين واضحين. الأول هل الدول كدولة السينغال أو تونس مثلا...هل لديها الإرادة لكي تعطي لنفسها الوسائل للسيطرة على صورتها بنفسها؟ إنه موقف إرادي محض إذا اتجهت بالتحليل المالي والاقتصادي والحساباتي فإن أي إنسان سيقول بأنه لا يمكن أن نضيع المال بدون مردودية. هذا الموقف الأخير محدود جدا ليس في رأيه فقط بل حتى في فهمه للواقع ولكن نحن نريد أن نكون مسؤولين عن صورنا نريد أن ننتج أفلامنا، ولا نريد الغزو الذي أصبح اليوم كبطش لا يتصور من طرف الرواية والسينما الامريكيتين في العالم بأكمله.
كيف تتم المواجهة؟ الدول الأوروبية بدورها لو لم تتواصل مع منتجيها ومخرجيها سوف لن تكون هناك سينما أوروبية فرنسية إيطالية منذ زمان. كيف سمحت الدول الليبيرالية والمتفتحة لنفسها أن تقف بكيفية فعالة الى جانب  منتجيها ونحن نرفض ذلك ونقول إن السينما هي قضية القطاع والمبدعين. فاذا لم يكن للدولة وعي ثقافي وسياسي ولم تكن متضامنة مع الفاعلين: منتجين ومبدعين سوف لن تكون هناك أي سينما.
في افريقيا كان الموقف هو أن المبدعين يتحملون المسؤولية وحدهم. لا يمكن أن نؤسس سينما افريقية إذا لم تكن هناك مساعدة الإنتاج وتوفر السوق. لقد ضاع الوقت قبل ان نصل الى هذا المشروع. فحتى فرنسا التي تتبنى فكرة القطاع الخاص ... وقفت بكيفية مناضلة مع انتاجها وألزمت القنوات التلفزيونية ان تشتغل بالكوطا بحيث ان كل قناة لا بد ان تنتج او تشتري بكيفية قبلية نسبة عدد البت التلفزيوني للأفلام ولو لم تكن اليوم القنوات TF1  و FRANCE TELEVISION  و CANAL PLUS  متدخلة في ميدان الإنتاج السينمائي إضافة الى الدولة باسم المركز السينمائي الفرنسي وما يجاوره لكان الإنتاج الفرنسي الذي وصل اليوم 270 فيلما سيتقلص الى حوالي 20 او 25 فيلم في السنة.
الدول الافريقية كانت تتردد بكيفية مصطنعة ليس فيها إرادة حقيقية  للاستقلال بابداعها. والان بدأت الأمور تتضح وتصل المعنيين. ويبدو أنه في هذا الإطار كان للمغرب موقف صائب في بداية الالفية الثالثة انطلاقا من 2001 و2002 ... وتبين بأن سياسة الإنتاج هي ركيزة كل هذه الأسس لأن ما تبقى هو عبارة عن توابع. وكما فسرت عدة مرات، نأخذ كمثال لبنان التي أنجزت القاعات متعددة الشاشات فسيطر الفيلم الأمريكي ولم يبق أمامهم مجال اختيار الإنتاج الوطني.
نحن في المغرب كان اختيارنا هو الإنتاج ومساعدة الفيلم مساعدة فعالة ولو أن هذه المساعد لا تقوم بها الا الدولة أي المركز السينمائي المغربي، فماذا ستقول لو كانت القنوات تقف وقفة قوية  وليس فقط ان تساهم بعشرة أفلام؟ بل أن تكون المساعدة بنسبة بث السينما الوطنية في هذه القنوات ستكون دفعة قوية جدا. لاحظ انه بفضل المركز السينمائي المغربي وصندوق الدعم فقط انطلقنا من عدد قليل من الافلام الى عشرين او ثلاثين فيلما بهذه المساعدة وبدون خجل. طبعا هناك ملاحظات ومزايدات وانتقادات وهو امر طبيعي كما ان هناك أفلاما متوسطة او متوسطة جدا ...
ولكن هناك أفلاما فوق المتوسطة أو افلاما جيدة وهي تمثل المغرب سنويا: ثلاثة او خمسة تتجول العالم كله لأنها تقبل او يتم اختيارها من طرف المهرجانات سنويا. المغرب هو الدولة الافريقية الوحيدة التي تقترح سنويا على كل المهرجانات الجديد. هذا النموذج تظهر من خلاله قضية إرادة الدولة وهو ما نريد تعميمه على الدول الافريقية.
هذا اولا ام ثانيا فإذا لم تكن إرادة أخرى أي الاحساس بضرورة الابداع لدى السينمائيين بكل تفرعاتهم منتجين ومخرجين وكتاب السيناريو. إذا لم تتخد هذه الارادة كأنها ضرورة مطلقة ستبقى هكذا انت تعطي الدعم والإنتاج يستمر. إذا لم يكن الايمان بان هذا الفيلم الذي نبدعه هو ضرورة مطلقة بالنسبة ليس فقط للمخرج وليس فقط للسوق المغربية لكن بالنسبة للسينما ككل، يجب ان يكون الايمان العميق بأن نساهم في تطوير السينما المغربية. إذا لم يكن هذا الايمان فسنحصل على صناعة سينمائية متوسطة.
نحن على أمل كبير أن يكون هناك تفاعل حقيقي بين إرادة الدولة بالآليات التي يمكن أن تطورها في المستقبل وتلك الإرادة المبدعة للمنتجين والمخرجين لكي يرفعوا المستوى ويؤمنوا أنه يمكن أن تنجز سينما شعبية وفي نفس الان سينما في مستوى رفيع من حيث الكتابة. وهو الأمر الذي لا زلنا لم نصل اليه.
هذا يعد التصور الجميل جدا للسينما بالمغرب يعني أن نبدع أفلاما في مستوى عال من الاتقان والكتابة وفي ان واحد تتوفر على شعبية تجعل فيلما يصل الى اربعمئة او ستمئة ألف متفرج، وبتكاثر عدد الشاشات يمكن أن نصل الى فيلم يشاهده مليونان او ثلاثة ملايين مشاهد. ليس الأمر علينا بصعب. إنه النموذج الأمثل الذي يمكن أن تصل إليه السينما المغربية وما سيترتب عن ذلك من نقاشات جادة وانتقادات موجهة وتصفيقات كثيرة. يعني ان الحياة السينمائية لا تبنى إلا بوجود المنتوج. وبالتفاعل الذي أشير اليه سابقا. ونشهد نسبيا التطور السينمائي الذي بدأ بكيفية خجولة ثم بدأ ينتج أفلاما في المستوى سواء أكان على مستوى المؤلف المسؤول على خطابه ام كان مؤلفا عنه تعامل جدي مع قطاع التجارة السينمائية وينجز أفلام جيدة وناجحة في ان واحد.
يبدو لي ان الإشكالية مطروحة في المغرب حول التفاعل بين الأطراف، وهناك دول لم تطرح فيها. كمثال السينغال، وهو بالنسبة لي من اقوى الدول سينمائيا، ها هو ينجز فيلما كل خمس سنوات. الخطر الذي يمكن ان نعيشه نحن هو المقارنة: ان نقارن أنفسنا مع الدول التي لم تقدم أي شيء لكننا لم نصل الى المستوى الذي يمكننا من المقارنة مثلا مع اسبانيا او إيطاليا أي مع الدول القوية ومن الاحسن ان نقارن أنفسنا مع التجارب الناجحة والتي تقدمت مقارنة مع تجربتنا عوض ان نقارن أنفسنا مع النجير او الجزائر.
أملنا هو أن تدخل دول افريقيا في السياق الذي اختاره المغرب. وقد اختاره قدوة واقتباسا لأننا نشاهد ما يقع في فرنسا أو إيطاليا. وليس هناك إبداع مطلق، فقط نرى كيف نجح الاخر.  ونحاول أن نطبق ونتأقلم لان هناك أمورا لا يمكن القيام بها نقلا كليا. لهذا فالتأقلم جد مهم. اننا لم نبدع شيئا جديدا بقدر ما سايرنا الاخر الذي نجح في تجربته وحاولنا أن نستفيد منه.
-هل يمكن اعتبار المغرب نموذجا في هذه التجربة بالنسبة للسينمائيين الافارقة خصوصا وأنهم معجبون بتجربتنا كما هم معجبون بالتواصل المغربي الفعال مع مجموعة من الدول الافريقية سينمائيا. يعني هل يمكن اعتبار المغرب كتجربة نموذجية يمكن ان تقتدي بها باقي الدول الافريقية على مستوى السينما؟
-"النموذج المغربي والإنتاج المغربي" ليس المغرب الذي أطلقها بل في مهرجان واغادوغو جاءت من خلال الندوة ومن هؤلاء الذين لاحظوا ماذا وقع في تجربة المغرب في المجال السينمائي ويعرفون الأفلام المغربية، نعم في واغادوغو منذ ثلاث سنوات انطلقت فكرة النموذج المغربي وكيف يمكن ان نسوقها وقمت بعدة مداخلات هناك وكان معي عدد من الاخوة المغاربة وقد بينت لهم كيف نشأ النموذج المغربي وكيف تطور تاريخيا وكيف أخدنا من فرنسا وماذا أنجزنا. والاساس الذي ركزت عليه هو ان تكون لدولكم إرادة حقيقية. لا تفكر في أنك تدعم السيمائيين هكذا. لا تنظر الى السينمائيين بل انظر الى ما هو ابعد الى ما وراء السينمائيين الى ماذا سيقع في المستقبل غدا وبعد غد. هنا كلام شيئا ما شعبوي كان المخرج يحصل على الدعم ويشتري سيارة. انها نظرة محدودة حتى وان كانت حقيقية وهي حالات يمكن ان تكون فعلا. علينا ان ننظر إلى ما هو أبعد من ذلك وفي مرحلة معينة فإن تلك المساعدات التي نعطيها للسينمائيين ستصبح ضعيفة جدا بالنسبة للطموحات المالية لهؤلاء المخرجين.
فإذا رأينا ما بعد اليوم سنتحدث عن زمن أبعد مما هو واقع عندنا اليوم. ويظهر أن اتخاد المغرب كنموذج من طرف الأفارقة، لأنهم فعلا يؤمنون به ونرى إقبال المسؤولين السينمائيين الافارقة في خريبكة عن السينما وليس فقط السينمائيين والمنتجين، وهذا دليل أن هناك قيمة أضافتها السينما المغربية للسينما الافريقية.
-منذ تقلدتم مسؤولية المؤسسة العمومية ممثلة في المركز السينمائي المغربي لوحظ ان هناك مجموعة من التغييرات وقعت على الإنتاج كأهم اهداف هذا المركز كذلك بني مشروع التواصل مع اتحاد كتاب المغرب والمنتجين والموزعين. اذن نحن الان نسير في إطار بلورة مشروع متكامل والدليل هو اللجان التي خلقت والقاعات والشاشات التي سترفع من عدد الرواد. كيف تقيمون نور الدين الصايل هذه التجربة وما هي افاقها؟ نحن فرحون بهذا الجو السينمائي الذي ربما توازي أو يتجاوز الربيع العربي على المستوى السينمائي. كيف ترون هذه الأمور وهل أنتم مقتنعون بها؟
- ما أراه أنا هو أن يصبح المغرب بلدا عاديا. كوننا ننتتج أفلاما شيء لا يجب ان يكون غريبا كوننا نتوفر على نجوم سينمائية شيء يصبح عاديا كذلك. وفي هذا العادي يكون لذينا شيء خارق للعادة. إذا لم بكن هناك العادي فلا يمكن ان يكون الشيء خارقا للعادة. إذا لم نتوفر على كمية مهمة من السينمائيين سوف لن يظهر بيننا واحد طاركوفسكي. لم يظهر طاركوفسكي في الاتحاد السوفياتي سابقا الا بفضل وجود عدد كبير من السينمائيين (كان هناك مئتي سينمائي) لكنهم لم يصلوا كلهم الى هذا المستوى.
يأتي السينمائي النابغة في حالة وجود الشيء العادي المحقق، إلى حد الان نحن في وضعية دون العادي وكذلك الدول الافريقية في وضعية دون العادية. وكلمة "العادي" هي القاعدة إذا كان الوضع دونه لا وجود لكيان وما فوقه تصبح الأمور جيدة جدا أو معجزة. علينا تحقيق الأمور العادية ولا يكون إنتاج فيلم شيء خارق للعادة. فمن بين ثلاثين أو أربعين فيلما تكون خمسة أفلام هائلة جدا.
في هذه الحالة كان نوع من سوء الفهم حيث يكتب أننا نتوفر على الكم فأين الكيف (غير حنش وقول) وان نلغي او نقول بانه لا قيمة للمنجز في مقابل شيء اخر. انها البلادة لان الكثرة هي التي ستفرز القيمة الاتية لا شك أي بدون نقاش. المهم هو أن الانسان يساهم في هذا الإطار العادي الذي يجعل الصناعة السينمائية المغربية صناعة قائمة بذاتها تتوفر على سوقها الداخلية وبدأت تتوجه الى الخارج، آنذاك ننتظر الموهبة الخارقة ذلك الفيلم الذي يظهر كل عشر سنوات. وما دمنا لا نتوفر على هذه المعطيات الأولية التي تعطينا صناعة نحصل على مشروع غير مكتمل. عندنا حركية سينمائية بأفلام لكن لحد الان لا زلنا لم نفرز اسما لممثلة او ممثل نسميها او نسميه نجم وأينما كانت هناك صناعة سينمائية حقيقية الا وتفرز بعض النجوم لأننا لا نتوفر على تلك الدينامية الأكثر ابداعا وأكثر قدرة وأكثر سرعة والتي بإمكانها ان تعطيك نجما او نجمة وحينما نحقق ذلك نقر اننا وصلنا الى مستوى عال.
إن قضية النجومية لا يجب ان نحتقرها. إنها مؤشر من المؤشرات المهمة التي تبين أن الصناعة السينمائية قد نضجت لكونها تفرز نجوما. إن مؤشر النجومية أساسي في ميدان السينما لا زلنا لم نصل اليه ولكن نحن على الطريق. ونمثل بفرنسا التي تنتج كل عشر سنوات نجوما نفس الأمر في إيطاليا ويمكن أن تقيس مدى قوة السينما الأوروبية في القدرة على إفراز النجوم وليس فقط نجوم وطنية بل تتحول شيئا فشيئا إلى عالمية. لاحظ السينما الامريكية والسينما الهندية.
هذا من المؤشرات وليس غاية في حد ذاتها والتي تشير أن الصناعة في المغرب تصبح صناعة حقيقية حينما تبرز النجوم في الواقع ولا اقصد تلك النجوم التي تظهر اليوم وتغيب غدا بل النجوم التي تستقر في ذاكرتنا ومخيلتنا والتلفزيون لا يمكن ان يفرز نجوما بل السينما هي القادرة على ذلك وفيما بعد يمكن ان يستعملهما التلفزيون.

-ما مستوى التواصل مع الغرف المهنية والمؤسسات السينمائية الأخرى؟
- التواصل معهم مستمر حيث الاستشارة في كل ما هو جديد او أي أطروحة نفكر فيها وحيث التشاور دائم وهذا أمر لا رجعة فيه. والجديد منذ سنة 2000 الى الان هو ذلك التشاور الحقيقي وحضور هذه المؤسسات إذا دعت الضرورة وهناك إنصات حقيقي لآرائهم ولمشاكلهم من طرف كل الأقسام والمصالح بالمركز السينمائي المغربي وهذا امر يدركونه. بمعنى ليس هناك أي تأخير لطلب لقاء يحدد او استشارة في مسألة معينة كمهرجان مثلا او قرار سيتخذ.
اما ما يحاول المركز السينمائي ان يقوم به ولحد الان بكيفية ناجعة فهو عدم الاكثار من الاجتماعات التي لا تتوفر على جدول اعمال فالاجتماع يكون فقط عند الضرورة وهذه المؤسسات تعرف ان التواصل دائم. وانه كيفما كان الحال فان الكتابة العامة الموجودة في المركز السينمائي والاقسام المختلفة سواء بالأنترنيت او الهاتف او غيره حيث الاتصال قائم ولا يكون هناك اجتماع الا في الحالات الضرورية جدا وهذا امر حرصنا عليه في المركز السينمائي المغربي كما نحرص كذلك على ان تكون كل المهن منظمة وممثلة الى درجة ان التقنيين لديهم ثلاث نقابات وهذا امر لا يطرح أي مشكلة بالنسبة لنا. ليست هناك نقابة وحيدة هناك ثلاث نقابات. والمنتجين لديهم غرفتين تمثلهم وأصحاب القاعات غرفة واحدة والتوزيع كذلك.
هذا لا يطرح أي مشكل لان التعدد بالنسبة لنا لا يطرح أي مشكل بل يعبر على ان هناك اختلافات في الرأي من طرف القاعدة. والى حد الان هناك حوالي أربعة عشر غرفة تمثل كل المهن بما فيهم منتجي الفيديو على سبيل المثال ونحن نقول مرحبا للذين يمثلون الناس. ولا نفرض نقابة كذا او غرفة ذاك بينما في البداية كانت هناك ثلاث او أربع او خمسة غرف والنقابات. والان تكاثرهم يعطي ان هناك وجهات نظر مختلفة وهذا بالنسبة لي اخده كحياة حقيقية في هذا الميدان حيث لا يمكن ان تلزم الاخرين ان يكونوا متفقين ولو انه في بعض الأحيان تكون تلك الخلافات بينهم ذاتية.
بالنسبة لنا هناك تمثيلية وإذا اتفقوا ستكون نقابة واحدة وهذا امر لا نتدخل فيه لأنهم يشكلون القطاع. نحن نتوصل بالآراء أو الشكايات من طرف الجميع وإذا دعت الضرورة نجتمع مع الكل ونتفق. وهذا يعطي نظرة وحدوية جميلة دون ان تأتي من الأعلى بقدر ما تنبثق عن هذه الاختلافات والألوان التي تشكل الميدان السينمائي في المغرب.
-أشرتم إلى مسألة أن أرباب القاعات ها هم كونوا جمعية لتسهيل ترويج الفيلم. كيف ترون الأمر؟

-لا إنها غرفة أصحاب القاعات التي يترأسها اليوم السيد بوديح من تطوان بعد مؤتمرهم منذ مدة وتضم الأخ العيادي يمكن أنه نائب الرئيس. وهناك تشكيل نادي يفكر في حفز مهنة الاستغلال ويضم العيادي وبمساعدة منظمات أوربية الخ. وهذا أمر جيد وينمي التفكير ويساعد بكيفية جيدة ما تقوم به الغرفة. ووجود الغرفة لا يلغي تلك الممارسات الأخرى. وإذا توفق العيادي وأراد تأسيس جمعية قد تكون منافسة فهو يدرك الأمور. لا أحد يمكنه أن يقول إنه يمتلك المنتجين لأنهم قبائل وعشائر، فقط أن تكون هناك جدية واقتراحات حقيقية وتدافع على مصالح حقيقية. أما التنظيم المبني على الأمور الهامشية لا يمكنه أن يستمر حيث يتلاشى مع المدة.
نعترف بأن لكل رأي شرعيته وما يثبت هذه الشرعية هو الممارسة. ها نحن وصلنا الان إلى ثلاثة أو أربعة عشر مؤسسة تمثل القطاع وهذا وضع جيد.

حاوره : عبد الكريم واكريم وحسن وهبي-وقدم للحوار: ع. واكريم