الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  متابعات سينمائية    
ملتقى رأس سبارطيل السينمائي بطنجة كسب الرهان

رغم الإكراهات المادية ورغم عدم التزام بعض الفنانين والمؤطرين بالحضور والمشاركة في مختلف فقرات الدورة الأولى التأسيسية لملتقى رأس سبارطيل لسينما الشمال – جنوب بطنجة ورغم الحضور المتواضع أحيانا للجمهور في بعض العروض السينمائية المنظمة بالخزانة السينمائية على امتداد ثلاثة أيام (من 21 الى 23 مارس 2014) أو في ندوة " السينما والفلسفة " يمكن إجمالا الجزم أن الناقد السينمائي عز الدين الوافي وفريق جمعية المرصد المغربي للصورة والوسائط وشركاء الملتقى والمتعاونون معه قد نجحوا في تنفيذ الجزء الكبير من البرنامج المسطر لهذه التظاهرة السينمائية الجديدة .
وهكذا شهدت القاعة الكبرى لسينما الريف (الخزانة السينمائية حاليا) ، التي امتلأت ثلاثة أرباع كراسيها ، حفلا افتتاحيا رسميا للملتقى مساء الجمعة 21 مارس 2014 حضره جمهور متنوع من الفنانين والمثقفين والطلبة وعشاق السينما عموما زيادة على ضيوف الملتقى وممثلي الجهات الداعمة له .
 نشط هذا الحفل الافتتاحي الشاعر الشاب أحمد الحريشي وتضمن برنامجه كلمات مقتضبة بالمناسبة لكل من القنصلية الفرنسية ومدير المعهد الفرنسي بطنجة ، اللذان نوها بالمبادرة وأكدا على دعمهما لهذا المولود السينمائي الجديد الذي يتوخى الإنفتاح على الآخر سينمائيا وثقافيا ، وبعد ذلك أتحف الفنان الشاب يونس فخار الحاضرين بوصلات موسيقية ممتعة بآلة العود .
وفي كلمته رحب مدير الملتقى ورئيس جمعية المرصد المغربي للصورة والوسائط الأستاذ عز الدين الوافي بالحضور وبضيوف الملتقى وشكر كل من آمن بجدوى هذه التظاهرة الفنية الجديدة ودعمها من قريب  أو بعيد ، و في الأخير أعلن عن افتتاح الدورة الأولى للملتقى قائلا : " بكم نفتتح الملتقى " .
 قبل الإنتقال إلى العروض السينمائية المبرمجة استمتع الحاضرون بتقاسيم موسيقية غربية على القيثارة من عزف الشابين فهد وياسين ، وتلى ذلك عرض لفيلم فيديو قصير جدا استعرض من خلاله الوافي أهم فقرات البرنامج العام للملتقى .
أما الأفلام السينمائية التي اختتم بعرضها حفل الافتتاح فهي الفيلم القصير " رياض السي عيسى" (2010) للمخرج المراكشي عبد الاله عبد الدايم ، الذي قدم فيلمه للجمهور بكلمات مقتضبة وواكب فعاليات الملتقى من البداية إلى النهاية وأعلن عن تأسيس فرع بمراكش لجمعية المرصد المغربي للصورة والوسائط ، والفيلم الطويل "خوانيطا بنت طنجة" (2005) للمخرجة الطنجاوية فريدة بنليزيد ، التي تعذر عليها الحضور لارتباطات مهنية بأكادير.
باقي الأفلام التي عرضت بقاعة الخزانة السينمائية يومي السبت 22 والأحد 23 مارس بحضور مخرجيها هي : الفيلم القصير " دبلة الخطوبة " للفلسطينية تغريد العزة و الفيلم الطويل " عودة الابن " للمغربي أحمد بولان ، الذي فتح نقاشا مفيدا ومستفيضا مع الجمهور الحاضر مباشرة بعد عرض فيلمه الذي تحضر فيه بقوة تيمة الأنا والآخر من خلال تناوله لموضوع الزواج المختلط وما يرتبط به من اختلاف ثقافي قد ينعكس سلبا أو إيجابا على الأبناء. ومما زاد من حماس المخرج بولان أثناء المناقشة التدخلات المتنوعة والهامة للحضور من جهة ، وكون سيناريو الفيلم تحضر فيه معطيات كثيرة من سيرته الذاتية وتجربته في الزواج بأجنبية له معها أبناء يعيشون خارج الوطن ، من جهة أخرى .
تميزت حصة يوم الأحد بعرض الفيلم الفرنسي القصير "القرية الصغيرة" بحضور مخرجه اريك فونتان ، وتلاه عرض الفيلم المغربي الطويل "الاسلام يا سلام" الذي لم يتمكن مخرجه سعد الشرايبي من الحضور لأسباب عائلية طارئة .
الملاحظ أن مجمل هذه الأفلام عكست الشعار الذي حملته الدورة الأولى لملتقى رأس سبارطيل لسينما الشمال – جنوب بطنجة وهو " السينما والآخر "رغم هيمنة الحضور المغربي على عناوينها . وعلى ذكر هذا الشعار فقد نظمت صباح الأحد 23 مارس بمعهد سيرفانطيس ندوة الملتقى حول موضوع "السينما وصورة الآخر – المضامين والجماليات "نشطها الباحث السينمائي حميد العيدوني وشارك فيها بمداخلات الناقدان السينمائيان المغربيان سليمان الحقيوي ومحمد البوعيادي والأكاديميان الاسبانية لوسيا بنيتس عزكواري والمغربي سيدي محمد اليملاحي الوزاني ، وحضرها جمهور نوعي أغلبه من طلبة ماستر الفيلم الوثائقي والدراسات السينمائية بكلية الآداب والعلوم الانسانية بمرتيل . وقبل انطلاق أشغال الندوة رحبت ممثلة معهد سيرفانطيس بالحاضرين وشكرت المنظمين للملتقى على اختيارهم لموضوع الندوة ، كما شكر مدير الملتقى ادارة المعهد الثقافي الاسباني على تعاونها البناء في اقامة الندوة واستضافة أشغالها ، وعرف بالمشاركين فيها .  وقد تكاملت مضامين المداخلات الأربع المتمحورة في مجملها حول العلاقة مع الآخر في السينما والتلفزيون منظورا اليها من زوايا متعددة ، حيث ركز الحقيوي على استجلاء صورة الآخر (العربي أساسا والأمريكي الأسود وغير الأمريكي اجمالا) في السينما الهوليودية الأمريكية والخلفيات السياسية والايديولوجية والثقافية وغيرها المتحكمة في انتاج صورة نمطية عنه ، سلبية وضبابية في غالب الأحيان ، كما ركز البوعيادي على تحليل بعض الأفلام المغربية للوقوف على طبيعة الصور التي أنتجتها عن الذات والآخر المختلف ومقارنتها بالصور التي أنتجتها السينما الغربية ، الاستعمارية وغيرها . في حين اهتمت مداخلة الاسبانية لوسيا بالكيفية التي يمرر بها التلفزيون الاسباني والمغربي صوره عن الآخر ، وتناولت مداخلة اليملاحي موضوع السينما والآخر في ظل العولمة مؤكدة على ضرورة الحوار بين الثقافات والهويات المتنوعة والمختلفة لأن في ذلك اغناء للانسان أولا وقبل كل شيء .
تجدر الاشارة الى أن البرنامج العام لملتقى رأس سبارطيل السينمائي في نسخته الأولى كان غنيا بمواده ومتنوعا في فقراته ، فبالاضافة الى ما سبق ذكره احتضنت مندوبية وزارة الثقافة بطنجة صباح يوم الجمعة 21 مارس (أي قبل الافتتاح الرسمي للملتقى في السابعة مساء بالخزانة السينمائية) ، بتنسيق مع جمعية فلسفة لمحبي الحكمة بطنجة ، ندوة حول موضوع " السينما والفلسفة " بمناسبة صدور الكتاب السينمائي الجديد " أسئلة النقد السينمائي بالمغرب – مقدمات نظرية " (فبراير 2014) للأستاذ نور الدين ولوت من فاس ، الذي تضمن ثلاثة فصول هي على التوالي : سينما وأدب ، المشاهدة والسؤال الأونطولوجي (سينما وفلسفة) ، نقد النقد .
نشط هذه الندوة الأستاذ أحمد سيجلماسي (ناقد سينمائي ومدرس فلسفة متقاعد من فاس) وشارك فيها بالاضافة الى مؤلف الكتاب ، الذي وقع نسخا منه في ختام الندوة ، الأستاذ مصطفى أقبيب (مفتش متقاعد لمادة الفلسفة وسينيفيلي مهتم بالسينما والمسرح من طنجة) والأستاذ محمد البوعيادي (ناقد وباحث سينمائي ومدرس للغة الأنجليزية باحدى ثانويات العرائش) .
 انطلق الاستاذ أقبيب من طرح مجموعة من الاسئلة الاساسية حول طبيعة العلاقة الاشكالية بين السينما والفلسفة باعتبارهما مجالين مختلفين ، وانتهى في الاخير الى أن العلاقة التي تجمع بينهما هي علاقة جدلية تكاملية ، وبعد ذلك عرج على الفصل الثاني من الكتاب نظرا لارتباطه بموضوع الندوة وتوقف عند بعض مفاهيمه كالادراك والنسقية والاستقلالية والصورة والحركة والزمان وغيرها وقدم بعض الملاحظات بصدد الأفكار الواردة فيه ، وفي الأخير ثمن المجهود المبدول في الكتاب معتبرا اياه محاولة جادة في مجال الاصدارات السينمائية . أما الأستاذ البوعيادي فقد أشار في تقديمه للكتاب الى أن هذا الاخير هو ثمرة للتطور الذي تشهده الساحة النقدية السينمائية ببلادنا ، وذلك لان تخصيص المؤلف لفصل حول نقد النقد لم يكن ممكنا لولا التراكم الحاصل حاليا ، شكلا ومضمونا ، في النصوص والأبحاث السينمائية المنشورة . ولاحظ تركيز الكتاب على قضايا غير مسبوقة ودعوة صاحبه الى اعادة صياغة بعض الأسئلة كسؤال الاقتباس مثلا ، كما استرعى انتباهه منذ العنوان وبخاصة عبارة " مقدمات نظرية " حضور النفس الفلسفي فيه والرغبة لدى مؤلفه في التنظير النقدي وزحزحة الثوابت وبعض القناعات الراسخة ، وهنا يفرض التساؤل التالي نفسه : ألا تتمثل وظيفة الناقد في خلق الأزمة فيما يتعلق بالمفاهيم والمناهج والهوية النقدية وغير ذلك من الأمور ؟ على أية حال اعتبر البوعيادي أن اختراق مجال مهاب كنقد النقد من طرف مؤلف الكتاب يعتبر بمثابة مغامرة ، وتساءل : هل نحن أمام كتابة تشكيكية أم أن حضور الخلفية الفلسفية هو الذي جعلها كذلك ؟
للتذكير فنور الدين ولوت حاول أن يمارس نقده على عينة من كتابات النقاد المغاربة كمحمد نور الدين أفاية وحميد اتباتو ومحمد اشويكة والعربي العلوي لمحرزي وبوشتى فرقزايد وحمادي كيروم وخرج بخلاصة مفادها أن نصوصهم يغيب عنها ، بشكل متفاوت من ناقد لآخر، الانسجام بين المنطلقات والنتائج أي أنها تشكو من غياب التناسق المنطقي .
وفي تدخله في ختام الندوة وردا على أسئلة الحضور أشار الأستاذ نور الدين ولوت الى أن هدفه من تأليف هذا الكتاب ، الذي ستتلوه كتب أخرى مستقبلا ، هو الدعوة الى تدقيق المفاهيم وحسن توظيف المناهج المستقاة من حقول معرفية مختلفة كالأدب والفلسفة والعلوم الانسانية وغيرها في التعامل النقدي مع الأفلام السينمائية بغية تجاوز الفوضى النقدية وتحقيق الانسجام الداخلي والتناسق في العمل النقدي السينمائي ، ولم لا نحث مفاهيم خاصة واحداث مناهج وأدوات جديدة لمقاربة الأفلام تأخد بعين الاعتبار خصوصية الظاهرة السينمائية .
من الأنشطة الموازية الأخرى التي شهدتها الدورة الأولى لملتقى رأس سبارطيل السينمائي تنظيم عروض لعينة من أفلام التحريك والأفلام التربوية يوم الخميس 20 مارس في العاشرة صباحا لفائدة تلاميذ وتلميذات مدرسة القاضي عياض الابتدائية ، وعرض مجموعة من الأفلام المغربية والأجنبية القصيرة بتنسيق مع مهرجان جنيف وقناة " زوم ان تي في" الهولاندية بقاعة مسرح محمد الحداد ببني مكادة في السادسة مساء وقاعة عبد الله كنون بثانوية مولاي الحسن للأقسام التحضيرية ابتداء من السادسة والنصف مساء من نفس اليوم . كما عرضت عينة من الأفلام القصيرة (منها " ألوان الصمت " لأسماء المدير) لفائدة السجينات بالسجن المحلي بطنجة في الثالثة زوالا من يوم الجمعة 21 مارس . زد على ذلك تنظيم ورشتين تكوينيتين لفائدة طلبة شعبة الدراسات السينمائية بكلية الآداب بمرتيل وبعض المهتمين باحدى قاعات الخزانة السينمائية ، الأولى أطرتها المخرجة الاسبانية فالي هيدالغو صباح السبت 22 مارس في موضوع " تجارب في الانتاج السينمائي المستقل " ، والثانية أطرها المخرج المغربي نور الدين كونجار صباح الأحد 23 مارس في موضوع " من السيناريو الى الإخراج ".

أحمد سيجلماسي