الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  متابعات سينمائية    
تأبين الممثل الراحل محمد الحبشي بالدار البيضاء

  ملصق الدورة 20 للمجلس الوطني للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب   

يحتضن المركب الثقافي سيدي بليوط بالدار البيضاء ابتداء من العاشرة من صباح الأحد 16 مارس الجاري الدورة 20 للمجلس الوطني للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب (جواسم) التي تحمل اسم الممثل المبدع الراحل محمد الحبشي (1939-2013) .
يتضمن جدول الأعمال المقترح لهذا المجلس الوطني ، وهو قابل للتعديل والاغناء من طرف ممثلي الأندية المشاركة فيه ، النقاط التالية :
أولا ، تأبين الممثل الراحل محمد الحبشي ، الذي فقدته ساحة التشخيص السينمائي والمسرحي ببلادنا يوم الخميس 21 نونبر 2013 .
ثانيا ، تكريم ثلاثة من أطر جواسم القدماء : عبد الصادق الغوالي من مراكش و فرحات علي من الدار البيضاء و عز الدين الخطابي من فاس .
ثالثا ، تقديم تقريرين أدبي ومالي عن أنشطة جواسم منذ تاريخ انعقاد المجلس الوطني 19 يوم الأحد 10 مارس 2013 .
رابعا ، تقديم ومناقشة مشروعي البرنامج العام والموازنة المالية للموسم 2014 الثقافي والمصادقة عليهما .
خامسا ، وضع تصور لمجلة ومنشورات الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب .
سادسا ، تشكيل هيئة تنسيقية للمهرجانات والملتقيات السينمائية المنظمة من طرف الأندية والجمعيات السينمائية  المنخرطة في " جواسم " .
سابعا ، تشكيل لجان  وظيفية من أجل  مساعدة المكتب الجامعي في تنفيذ البرنامج العام  وتفعيل الشراكات برسم موسم2014 .
وبمناسبة انعقاد هذا المجلس الوطني الجديد يدعو المكتب المسير للجامعة ، الأندية المنخرطة برسم سنة 2013 الى تجديد انخراطها ، كما يدعو الأندية الجديدة الراغبة في الانضمام الى " جواسم " الى مراسلته على العنوأن الالكتروني  fnccm1973@gmail.com لمعرفة شروط الانخراط وحيثيات الحضور والمشاركة في الدورة 20 للمجلس الوطني .
وتجدر الاشارة الى أن المكتب المسير لجواسم قد أعد مطبوعا يعرف بالمسيرة الفنية للراحل الحبشي نقتطف منه الورقة التالية :
 
 محمد الحبشي: ممثل عملاق
                    
انطلقت تجربة محمد الحبشي (1939 – 2013) في التشخيص المسرحي منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي ، في اطار الفرق المسرحية الهاوية بدرب السلطان ، قبل التحاقه بالمركز المغربي للأبحاث المسرحية بالرباط بعد اجتيازه لمباراة نظمتها وزارة الشبيبة والرياضة. أما أول وقوف له أمام كاميرا السينما فكان سنة 1959 الى جانب زميله الممثل عبد الرحيم اسحاق في الفيلم القصير " بوخو النجار " من اخراج أب السينما المغربية محمد عصفور (1927-2005) .
بعد تخرجه من معهد الرباط سنة 1961 شارك الحبشي مع فرقة البدوي في بعض مسرحياتها قبل أن يلتحق بفرقة المعمورة (1966-1976) الذائعة الصيت ، ويتألق في العديد من مسرحياتها الناجحة ، الا أن عمر هذه الفرقة الوطنية لم يكن طويلا اذ سرعان ما تشتت أعضاؤها بعد عقد من العمل الدؤوب ، فاستقدمه رائد المسرح المغربي الطيب الصديقي الى فرقته بالمسرح البلدي للدار البيضاء حيث شخص أدوارا مختلفة في جل مسرحياته .
 ويمكن اعتبار الدور الصغير الذي قام به الحبشي كممثل محترف في فيلم " لورانس العرب " (1962) ، الذي صوره المخرج الأنجليزي ديفيد لين جزئيا بالجنوب المغربي بمشاركة ثلة من الممثلين المغاربة كحسن الصقلي (1931-2008) والطيب الصديقي وعبد القادر البدوي والبشير سكيرج وغيرهم الى جانب الممثلين الكبار بيتر أوتول (1932-2013) وأنطوني كوين (1915-2001) وعمر الشريف بمثابة أول دور حقيقي له في السينما العالمية .
يذكر أن الريبيرتوار الفني لمحمد الحبشي ، المتوفى بالدار البيضاء يوم 21 نونبر 2013 بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان ، زاخر بالمسرحيات والملاحم الوطنية وبعض الأعمال التلفزيونية المغربية والعربية وبالعشرات من دبلجات الأفلام الهندية والفرنسية والأمريكية وغيرها (مع الرائد ابراهيم السايح في استوديوهات عين الشق بالدار البيضاء) وباثنى عشر (12) فيلما سينمائيا فقط ، ويكفي أن نشير الى بعض عناوين فيلموغرافيته السينمائية لندرك قيمته الفنية والبصمة التي بصم بها حضوره كممثل عملاق في أفلام أصبحت تشكل علامات بارزة في تاريخنا السينمائي ، فمن من متتبعي الابداع السينمائي المغربي لا يذكر أفلاما من قبيل " ليالي أندلسية " من اخراج القيدوم العربي بناني سنة 1963 ، الذي شخص فيه محمد  الحبشي دورا متميزا الى جانب عبد الله العمراني وعبد السلام العمراني وآخرين ؟ ومن منا يمكنه بسهولة نسيان فيلم  " شمس الضباع " من اخراج التونسي المتمكن رضا الباهي سنة 1974 ، والمصور بالمغرب بمشاركة ممثلين مغاربة كصلاح الدين بنموسى والعربي الدغمي (1931-1994) وأحمد العماري (1931-2007) وغيرهم الى جانب ممثلين تونسيين والممثل المصري القدير محمود مرسي ، حيث أعجب الباهي بتلقائية وقوة أداء الحبشي ولم ينساه أبدا رغم مرور أربعين عاما على انجاز هذا الفيلم ، كما صرح لي بذلك في لقاء جمعني به في مهرجان سينما الشعوب بايموزار كندر أواخر سنة 2010 (الدورة السابعة/شهر نونبر) ؟ ومن منا لا يتذكر أفلامه الأخرى " رماد الزريبة " سنة 1976 ، وهو عمل جماعي شارك في انجازه مصطفى وعبد الكريم الدرقاوي وعبد القادر لقطع وسعد الشرايبي ومحمد الركاب وآخرين ، و" عرس دم " من اخراج سهيل بنبركة سنة 1977 ، و " السراب " من اخراج المبدع الرقيق أحمد البوعناني سنة 1979 ، و " تاغونجة " من اخراج عبدو عشوبة سنة 1980 ، و" 44 أو أسطورة الليل " من اخراج مومن السميحي سنة 1981 ، و " حلاق درب الفقراء " من اخراج محمد الركاب سنة 1982 و " بامو " من اخراج ادريس المريني سنة 1984 ؟
محمد الحبشي من مواليد الحي الشعبي درب السلطان (بوشنتوف) بالدار البيضاء ، ترجع أصوله الى أولاد حريز ، أبوه كان فلاحا يمتلك بضعة أراضي بنواحي مدينة برشيد . تابع دراسته الابتدائية بالمدرسة المحمدية والثانوية بمعهد الأزهر بمسقط رأسه ، لكن سرعان ما جدبه فن التشخيص فتوقف مبكرا عن متابعة الدراسة . التحق سنة 1958 بالمركز المغربي للأبحاث المسرحية بالرباط ، وهو المعهد الوحيد آنذاك المتخصص في تكوين الممثلين تحت وصاية وزارة الشبيبة والرياضة ، وقد تلقى فيه دروسا نظرية وعملية أكاديمية لمدة ثلاث سنوات على يد أساتذة كبار كأندري فوازان وعبد الصمد الكنفاوي (1928-1976) وشارل نوك وأحمد الطيب لعلج (1928-2012) والطاهر واعزيز (توفي أواخر سنة 2013) وعبد الله شقرون وغيرهم ، الى جانب زملائه مصطفى منير وعبد الرحيم اسحاق وعزيز موهوب وعبد الله العمراني ومليكة العماري وعبد السلام العمراني وفاطمة الركراكي وزكي الهواري وزهور المعمري وفاطمة بنمزيان وآخرين ... الذين أصبحوا فيما بعد من كبار ممثلي المسرح والسينما والتلفزيون بالمغرب .
في هذا المعهد أظهر محمد الحبشي أنه ممثل موهوب من خلال التداريب على أشهر نصوص المسرح الكلاسيكي من توقيع موليير وشكسبير وغيرهما والمشاركة أثناء الدراسة وبعدها في مسرحيات حققت نجاحا كبيرا داخل المغرب وخارجه .
لقد كانت معاناة الحبشي كبيرة ، أولا من الشروط الصعبة والمجحفة التي كان يمارس فيها عشقه للتشخيص المسرحي والسينمائي والتلفزيوني ، وثانيا من معارضة والده لامتهانه فن التشخيص ، وما أن تحسنت شروط عيشه نسبيا بفضل ما خلفه له والده من أراضي بمنطقة النواصر بعد وفاته حتى انسحب في صمت من الميدان الفني تاركا الجمل بما حمل ومفضلا التفرغ للفلاحة ، ولم تنفع معه الكثير من محاولات المخرجين المقدرين لقيمته الكبرى كممثل ليشارك في أعمالهم باستثناء محاولة الممثلة الكبيرة ثريا جبران التي أقنعته بمشقة الأنفس ليشارك معها في سيتكوم " لاباس والو باس " من اخراج حسن غنجة لفائدة قناة دوزيم ، الى جانب  ثلة من الممثلين الآخرين كمليكة العماري وعبد الوهاب الدكالي وبشرى أهريش وغيرهم . لقد أوقف فيلموغرافيته بارادته مباشرة بعد مشاركته سنة 1984 في الفيلمين السينمائيين المغربي " بامو " لادريس المريني و الفرنسي " الحارس الشخصي "  لفرانسوا لوتوريي ، وبهذا التوقيف فقدت السينما المغربية والأجنبية ممثلا قل نظيره .
لم يكن محمد الحبشي ممثلا عاديا بل كان من طينة الممثلين الموهوبين الذين نادرا ما يجود الزمان بمثلهم ، فأعماله تشهد على تفرده ، وطبيعة المخرجين المثقفين (خصوصا رضا الباهي ومحمد الركاب وأحمد البوعناني ومومن السميحي ) الذين تعاملوا معه في أفلامهم تؤكد أن اختيارهم له كان في محله ، فحضوره في أعمالهم أعطاها ألقا خاصا وشكل سببا من أسباب نجاحها الابداعي . ولايمكن لأي مؤرخ للسينما بالمغرب أن يتحدث عن عقدي السبعينات والثمانينات من القرن العشرين دون ذكر لهذا الممثل الكبير الذي خلد اسمه من خلال فيلمين رئيسيين على الأقل شخص فيهما دور البطولة بصدق وتلقائية وتمكن قل نظيرها هما " السراب " و" حلاق درب الفقراء " .
ومن جميل الصدف أنني وجدت شبها كبيرا ، في الشكل والأداء ، بينه وبين الممثل القدير حسن باديدا الذي شخص بتلقائية ملحوظة دور البطولة في فيلم " هم الكلاب " (2013) للمخرج الشاب والمتميز هشام العسري ، بعد مشاهدته والاستمتاع به أثناء عرضه بالدورة 19 لمهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف . ولعل حصول باديدا ، أكثر من مرة ، على جائزة أحسن تشخيص عن دوره في هذا الفيلم يذكرني بنفس الجائزة التي حصل عليها الراحل الحبشي عن دوره في الفيلم/العلامة " السراب " بالمهرجان السينمائي الوطني (أو المهرجان الوطني للفيلم ) في دورته الأولى المنعقدة بالرباط سنة 1982 أو عن دوره في فيلم " حلاق درب الفقراء " بمهرجان وغادوغو ببوركينا فاصو سنة 1983 .

أحمد سيجلماسي