الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  متابعات سينمائية    
رحيل السينمائي الكبير محمد عفيفي..موت يَلُفه النسيان واللامبالاة


  محمد السعيد عفيفي   

الجميع يعرف النجم السينمائي الراحل محمد السعيد عفيفي، الفنان الكبير الذي وافته المنية خلال سنة 2009، ولكن من يعرف رجلا آخر يحمل الاسم نفسه محمد عفيفي،أحد رواد السينما المغربية والكاتب باللغة الفرنسية الذي توفي رحمه الله في السابع فبراير 2014 بالدار البيضاء.
يعتبر الراحل الذي افتقدناه في جو من النسيان و اللامبالاة ، واحدا من المخرجين الأوائل في المغرب المستقل وأحد خريجي المعهد  السينمائي الفرنسي المرموق(IDHEC)  ضمن الفوج الثاني عشر سنة 1957 !  وهو  مخرج أول فيلم مغربي يمكن إدراجه في خانة سينما المؤلف...ويتعلق الأمر بفيلم قصير من خمسة عشرة دقيقة بعنوان " من لحم وصلب " تجربة مزجت بين سينما الفن والسينما التجريبية، حدث ذلك سنة 1959.
في سنة 1967 عاد محمد عفيفي بتجربة أخرى " العودة إلى أكادير "، فيلم قصير آخر توج بالجائزة البرونزية خلال  " أيامقرطاج السينمائية " ، وقد لخص المؤلف هذا الفيلم في الكتالوج الذي نشره المركز السينمائي المغربي سنة1971 قائلا: " إنه ليس فيلما وثائقيا، والأبعد من ذلك أن يكون فيلما سياحيا، لذا، إن كان علي أن  " أحكيه " سأقول أن الأمر يتعلق بسباق سريع لذاكرة تم تقديمها على شكل تمثال متعدد الحركات.. وإذا بدا ذلك غير واضح بما فيه الكفاية ، سأضيف أن الآيات التي تشكل "عودة إلى أكادير " هي عبارة عن مؤلف مغلق، إذا وجد له المشاهد مفتاحا مافسيظفربالفيلم. و إذا كان علي أن أجد عنوانا ، فسأتسلق عاليا لأستعيره عنأراغونو قصيدته" بيضاء أو النسيان" ! "صمت الصرخةالمروع".
كانمحمد عفيفي يشغل رسميا منصب رئيس قسم الإنتاج بالمركز السينمائي الذي التحق به فورتخرجه سنة 1957. لكن في الواقع كان إنتاج المركز السينمائي آنداكينحصر أساساعلىتصوير الأنشطة الملكية أو الحكوميةلإعداد ما كان يسمى بالأخبار المصورة.
وأمام يأسه من تحقيق تطلعاته كسينمائي ترك محمد عفيفي الجمل بما حمل وغادر المركز السينمائي المغربي بصفة نهائية سنة 1962،ثم تولى مهمة مدير للمسرح البلدي بالدار البيضاء إلى حدود سنة 1965، لينتقل بعدها للعمل في مجال التوزيع السينمائي، قبل أن يتفرغأخيرا و ليس آخرا للكتابة والنقد السينمائي، كما اشتتهر بزاويته الأسبوعية في جريدة "لاكازيط".
ويعتبر إنجاز الفيلمان القصيران اللذان ترك لنا معجزة بالنسبةلتلك الفترة حيث السينما الوطنية  كانت لا تزال في مهدها ! تلك الستة وعشرين دقيقة رغم قلتها لا زالتكافية للإفصاح عن سيينمائي من طينة متميزة، كان بإمكانهأن يعطي المزيد للفن السابع لو شاءت الأقدار. وقد تم اختيار هذه الأفلام، في أفضل المهرجانات السينمائية الأجنبية سواء ضمن العروض المخصصة للسينما المغربية أو غيرها. أما جودتها و حداثة أسلوبها فما زالت واضحة تكذب منطق النسيان.
كان أحمد البوعناني يعتبره النموذج الأوحد المعبر عن جيله وقد خصص له فصلا كاملا في كتابه " تاريخ السينما في المغرب " الذي لم ينشر لحد الساعة وللأسف! حيث اعتبر هذين الفيلمين " كالمعلمتين الوحيدتين لمدرسة مقتضبة للسينما التسجيلية المغربية... "، والتي يرى أنها تنتسب مباشرة  إلى أول أفلامه هو وأفلام مجيد الرشيش ( ستة و اثني عشر ؛ الذاكرة 14، الغابة والبوراق ) .
ولو سمح المقام ، لأدرجت العديد من أوجه التشابه بين مسارات هذين الفنانين الكبيرين الذين غادرانا، أقصد البوعناني وعفيفي، إلى درجة أن تاريخ وفاتهما كان في نفس اليوم تقريبا مع فارق ثلاث سنوات. أذكر أنه  منذ أن عرفني أحمد البوعناني  عن هذا الفنان الرائد الذي سقط في هوة النسيان لم أتوقف عن دعوة السينمائيين الشباب ونقاد السينما لاستكشاف عمله والذهاب لمقابلته قبل فوات الأوان ...لكن بدون جدوى ، وها أنذا أجدني مرة أخرى متوجسا و أنا أشاهد ذاكرتنا السينمائية ، وهي الشابة جدا،  يتيمة من مبدعيها و مؤسسيها الأصيلين! و كل مرة في مثل هاته الحالة،أتسائل كم من شخصيات و عطائات ضاعت  أقدارها في تاريخنا عبثا و كم أخرى ستضيع. . . إذا لم نتدارك الامر كل واحد حسب مسؤوليته.و بالمناسبة لا يفوتني أن أثمن المبادرة الفريدة  للقناة الثانية التي بثت قبل أسابيع في نفس الحصة فيلمين للمرحومّين "عودة إلى أغادير" و "ستة وإثنى عشر".
من أجل توثيق سليم لتاريخ السينما الوطنية ، آمل أن تكون وفاة الفقيد مناسبة لتثمينأعماله و تكريم ذاكرته!فليتوقف نهائيا " صمت الصرخة المروع ! " و "طوبى لمن ترقد ذاكرته في سلام "، كما أنشد البوعناني  في "الذاكرة 14".

علي الصافي