الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  متابعات سينمائية    
العين بصيرة... بإسقاطاتها سقطت قناة "الزيتونة" في التزوير...

السينما هي هيكل الأحلام لجهة مخاطبتها المشاهد/الفرد بمعزل عن وعيه بالضغط الاجتماعي. وهو ما جعل بعض العارفين بها والعاملين فيها والذين لهم ارتباطات سياسوية يعملون على إخراجها من همس الحلم إلى جعجعة الواقع، فأضحت لفترة هذا وذاك وفي الآن نفسه بعيدة عن هذا وذاك أيضا... وهو ما جعل المنظر الفرنسي الشهير "أندري بازان" يقول بأنها "شبيه الواقع" وليست الواقع ذاته...
والسينمات العربية، ككل سينمات العالم، جسدت الأحلام و وصورت الواقع وإن في الغالب باستعمال صيغ درامية سردية وفنية فيها الكثير من محاكاة ما يأتي من منبع السينما، أوروبا في الأول وأمريكا فيما بعد، إلى أن كونت لنفسها شخصية وطنية بما في الكلمة من لبس لا سيما على المستوى الفني الذي عادة لا يجد لنفسه طريقا إلا في مناخ من حرية التعبير يسير أو سياسة ثقافية تترك للسينما قواعدها الأساسية من إنتاج وتوزيع واستغلال لتكون حقيقة فنا سابعا...
هذه البديهيات ما كان لنا أن نبسطها لو لم نشاهد السلسلة التي قامت ببثها قناة \"الزيتونة" لصاحبها إبن وزير التعليم العالي، أحد صقور حركة النهضة والذي ترى منه الجامعات التونسية كل البلاوي، آخرها رغبته في بسط الديمقراطية النهضوية المتمثلة في أن يتم انتخاب العمداء من كل موظفي الجامعات وليس من المجالس العلمية فقط...
هذه القناة التونسية التي تصف ذاتها بـ"المباركة" وكونها أصل ثابت وفرع في السماء رغم أننا لا نعرف مصدر تمويلها ورغم أن الإستشهار الذي تقوم بع غير قانوني لأنها لم تحصل على تصريح من الهايكا وتنزل علينا من السماء مثل عديد القنوات، هذه الزيتونة "تحرق شعيرها" على إخوان مصر منذ قيام الجيش بخلع مرسي وإيقاف اعتصام رابعة لإعادة المسار إلى مسلك لا يفتت التماسك العقائدي المصري. فلم تكف عن التجييش حتى أنها لفترة جعلت من شعار رابعة شعارها... ففي هذا السياق ومن منظور التلازم بين ثورتي تونس ومصر ووصول الإسلاميين إلى سدة السلطة في البلدين، رأت القناة أن تخصص لهذا عملية ثقافية-سياسية في مظهرها في حين هي في جوهرها هي تزييف وقرصنة...

يوسف شاهين وحركة النهضة !!!
تتمثل هذه العملية في حلقات متعددة من برنامج يحمل عنوانا فضفاضا "السينما وصناعة الثورات" وهي نظرية مثالية لا اثار لها لا في الدراسات الاجتماعية ولا النفسانية... فما بالك بالتحركات الاجتماعية العامة مثل الثورات. هذه السلسلة قام بإعدادها وتنفيذها عبد الحميد فتحي مع سلمى بن محمد وتعليق قرأه وسام الدعاس مع مريم العثماني والتوليف – وهي العملية المركزية- قام بها كمال حفيظ وحاتم بنور وإدار الإنتاج محمد زياد بن سعيد لصالح قناة الزيتونة.
من الحلقة الأولى إلى الحلقة السادسة عشرة التي بثت يوم 10 ديسمبر، يصاب المشاهد الذي تربطه بالسينما علاقة عاطفية ومعرفية ومصيرية بخبطات كهربائية لجسامة ما يشاهد ولوقاحة ما قامت به هذه القناة من تزوير وتحويل وجهة الأفلام...
من يعرف تاريخ حركة السينما في تونس يعرف جيدا موقع الراحل يوسف شاهين ليس لدى محبي السينما فحسب ولكن لدى عامة مرتادي قاعات السينما وذلك منذ نهاية الخمسينات... أن نشاهد أكثر من 40 دقيقة من رائعة "صراع في الوادي" (تمثيل فاتن حمامة وعمر الشريف) تحت عنوان أصلي هو "صراع في تونس"، فإنك تخلص إلى نوع من سرقة الحقوق الفكرية لأن القانون لا يسمح في أقصى الحالات إلا بـ3 دقائق مجانية... وحيث من الفيلم نذهب إلى قفصة وأحداثها مع تعليق يتكلم عن الظلم والقهر ومن قفصة إلى مظاهرة ما بعد 14 جانفي بشارع الحبيب بورقيبة (بالألوان)، فلا تفهم المنطق الذي توخاه المعد إلا بدائية العلاقة بين الفلاح والباشا... ثم تأتي الإنتخابات دفعة واحدة دون أن نفهم الغرض إلا زج صورة مقر حركة النهضة بمونبليزير ممزوجة بأحداث الفيلم وصور عمر الشريف ولسان حال المعلق يخطب: "اختار الشعب من يحكمه...أختار من يثق في صدق فعلهم لينهضوا به..." وتتخيل الراحل يوسف شاهين، وهو الذي طيلة حياته هاجم استعمال الدين سياسيا، يتململ في قبره لمثل هذا التزييف، خاصة ممن يدعي المثول للأخلاق الحميدة...

هكذا تغتصب الأفلام...

الحلقات تحمل عناوين مختلفة مثل "إغتيال أحلام شعب" و"ميت بالشر" و"ثورة الفقراء" و"ماهر زيد واللعب مع الكبار" و"فساد المثقفين" و"شيطنة الإسلاميين"، إلخ... كل حلقة من هذه السلسلة المعتمدة دون وجه حق على إنتاج السينما المصرية وفي قراءة متعسفة لا تحترم أخلاقيات الإبداع ولا الظروف التي تمت فيها عملية الإنتاج ولا حتى فلسفة المشاهدة... كل حلقة قائمة على فيلم يتم إغتصاب نهجه الفني والفكري، من فيلم علي بدرخان "أهل القمة" (سعاد حسني/عزت العلائلي) عن قصة قصيرة لنجيب محفوظ، فإننا نمر من صورة محفوظ إلى شارع الحبيب بورقيبة ثم صور الرئيس بن علي وزوجته و"طاح لا دزوه" ننتقل من مقطع من التلفزة التونسية إلى مقطع من تلفزة الحياة حول "أنس الفقي"... ونسينا فيلم بدرخان إلى أن يأتي ولا نعرف لماذا وكيف... الحركة نفسها تخص فيلم "ظاظا" وهو من أفلام المقاولات التي لا تسوى نكلة وقد أخرجه علي عبد الخالق في العام 2006 ونرى في الحلقة أبشع حالات الاعتداء حيث يمزج بين بطل الفليم والرئيس التونسي والرئيس المصري، هكذا... حلقة "شيطنة الإسلاميين" (الثالثة) تنطلق من سادات وهو يلقي بيان ثورة 23 يوليو... وبعد التهجم على عبد الناصر وقراءة الصراع مع الإسلاميين على أنه محض ظلام وكأنهم ملائكة لا علاقة لهم بالاغتيالات والتوضيب للانقلابات وكل هذا ممزوج مع فيلم "طيور الظلام" من تمثيل عادل إمام... و"ينتصر الخير في النهاية" مع قطع على برنامج من "سي بي أس" ثم مشهد لفظ اعتصام رابعة... فمن الـ44 دقيقةـ يحتل الفليم الروائي أكثر من ثلاثة أرباع البث... الحلقة السابعة بعنوان "غلطوني" قامت على فيلم "طباخ الريس" للعام 2008 ومن إخراج سعيد حامد وأدمجت فيه "صور من البندرة في العهد البنفسجي"، ثم مقاطع من الفيلم، ثم مقطع من برنامج "الحق معاك" لمعز بن غربية/سامي الفهري إلخ...
وأمام هذا العمل اللاخلاقي ولا الفني ولا الإعلامي، وافانا بعض النقاد العرب بآرائهم حول تحويل الوجهة هذه...
أراء النقاد العرب

نديم جرجورة (السفير) – لبنان:

"باختصار شديد، من يُشاهد هذا الـ"ريبورتاج"، إذا كان ممكناً تسميته ريبورتاجاً أصلاً، يستحيل عليه تحديد ماهيته. الجزء الأكبر منه متمثّل بمقتطفات طويلة جداً من "أهل القمة"، وهذا يُسيء إلى الفيلم اولاً وأساساً، ولا يُفيد الـ"ريبورتاج" بشيء. إطالة في غير محلّها، وتحليل منقوص لواقع الفساد هنا وهناك، واستخفاف بمواضيع تمسّ حياة كثيرين. بصراحة، لا أستطيع التعليق أكثر من ذلك على "فضيحة" تلفزيونية وسينمائية كهذه: تلفزيونية، لأنها تكشف استهتاراً فظيعاً بالسينما وبعقول المشاهدين، ولأنها تُلغي المفهوم الطبيعي لفكرة الـ"ريبورتاج" أو التحقيق التلفزيوني السليم. سينمائية، لأنها شوّهت الفيلم، وجعلته في غير مكانه، وإن أراد معدّو الحلقة "التلفزيونية" هذه الاستعانة بالسينما للإضاءة على حالة اجتماعية وسياسية واقتصادية وسلوكية وفكرية عامة".

عبد الكريم واكريم (طنجة الأدبية) - المغرب :
يستغل الإسلامويون، خصوصا منهم من وصلوا للحكم في بعض الدول العربية السينما كوسيلة للترويج لأفكارهم وهكذا أصبحنا نرى كتابا وصحفيين ينتمون لهذا التيار، يحاولون كتابة ما يُطلقون عليه نقدا سينمائيا ، وهو منهم بريء، تجد فيه إسقاطات تعسفية وقراءات مُغرضة لأمور وأشياء لم يقصدها مخرج العمل وكاتبه، وهكذا أصبحنا نسمع عن مصطلحات كـ"السينما النظيفة" و"سينما لكل العائلة"... إلى غير ذلك من المصطلحات التي لم تخطر على بال منظري ونقاد السينما منذ نشأتها...
وفي هذا السياق طالعتنا قناة "الزيتونة" التونسية الإخوانية، ببرنامج تدعي حسب جينريكه أنه سينمائي، عنونته بـ"السينما وصناعة الثورات"، دشنت فيه لـ"نقد سينمائي" فريد من نوعه يحاول فيه مُعدو البرنامج "قراءة" فيلم مهم في تاريخ السينما المصرية هو "أهل القمة" لعلي بدرخان، المأخوذ عن قصة لنجيب محفوظ، "قراءة" سياسوية تبسيطية تفتري على الفيلم وتحوله لمجرد منشور سياسي بسيط ومغرض، وذلك بعرض واجتزاء بعض مشاهد مطولة من الفيلم ومقارنتها بما حدث في مصر وتونس مما يحاول البعض نعته كونه ثورة فيما لم يكن سوى هبات ركبت عليها الحركات الإسلاموية في كلا البلدين، كما تحاول الركوب على كل شيء بما في ذلك السينما نفسها.
ولا يمكن لأي سينفيلي أن يشاهد تشويها كهذا لفيلم جميل ومهم، وتحويره عن سياقه الفني والسينمائي ، وجعله في خدمة أهداف دنيئة تتكأ تارة على الدين، وأخرى على الناس البسطاء، وثالثة على الفن لتُحيده عن مساره الحقيقي، دون أن يقول : "اللهم هذا منكر"....

بشار إبراهيم (ناقد مستقل) – سوريا :
"شاهدت الحلقة..(16) برأيي فيها محاولة تذاكي على العديد من الموضوعات.. تبدأ من الفساد ومهاجمة النظام السابق.. وتنتهي عند محاولة تلميع بعض رجال الشرطة.. وكأن القصة مزاج فردي.. يبقى أن نصف الحلقة هو عبارة عن مقاطع من الفيلم.. على الرغم أن هناك العديد من الأفلام التي تناولت الموضوع نفسه".

علي أبوشادي (الوطن) مصر :
"شاهدت أكثر من حلقة من برنامج "السينما والثورات"، وفيها يحاول صناع البرنامج استغلال موضوعات الأفلام وربطها بطريقة شكلية تقوم على التعسف الشديد وليّ عنق العمل الفني ليتوافق - قسرا - مع توجهات وأفكار منتجي البرنامج، وتبدى هذا بشكل واضح في استخدام فيلم "أهل القمة" المأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب الكبير نجيب محفوظ تقدم تحليلا لأسباب سقوط الطبقة المتوسطة في مصر تحت سنابك الانفتاح والتحذير من انهيارها وهو ماحدث بالفعل نتيجة للفساد الذي صاحب انفتاح "السداح مداح" بحسب تعبير الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين. يتجاهل صناع البرنامج تحليل الفيلم الدقيق ويكتفي بتيمة الفساد الذي استشرى في مصر وتونس واستوجب قيام ثورتي الشعبين. هنا زيف البرنامج رؤية صناع الفيلم للنيل من عناصر الفساد في تونس متماحكا في شخصيات مصرية عبر معلومات غير دقيقة بشكل فيه عنت شديد وتزوير لفكرة العمل الفني التي هي حق أريد به باطل"....

فساد المثقفين

غريب أن يرى بعض المهووسين الإكلينيكيين القشة في أعين الآخرين ولا يرون العارضة في أعينهم... وهذا ما وقع لأصحاب قناة "الزيتونة" المباركة ذات الفرع والأصل المزيفين التي عمدت إلى تجزئة فيلم "ضد الحكومة" للصديق الرحل عاطف الطيب (1992) ـ بعد أن استنجدت بفيلم "البيضة والحجر" لمحمد أبوسيف (نجل المخرج الكبير صلاح أبو سيف)- زاعمة أن الخراب ليس إلا صناعة النخب (!!!)... وهي محقة في ذلك لأن ماقامت به هو تخريب لذاكرة السينما المصرية سافلها وعاليها... هنا يخبط أهل القناة فيمزجون بين حادثين واحد بالمنستير وآخر بمصر... ثم صور من بلاتوه لقناة نسمة مع الصحفية ريم السعيدي ومشادة بين الصحفي سفيان بن حميدة ورجل الأعمال كمال لطيف... ويعد مقاطع أخرى من الفيلم المبتور، تأتي صور لتونسيين يحملون صورا للمخلوع ولمقدم النشرة الرئيسية الأخبار وليد العبدالله وللنائب خميس كسيلة فوق جملة تشير إلى "حمام الدم" المحتمل بالبلاد التونسية...
بعد مشاهدة هذه الفعلة الدنيئة التي قامت بها قناة "الزيتونة" ليس في صالح الحركة الثقافية التونسية بل هي تعد على السينما المصرية بكامل تياراتها حتى التجارية الخالصة منها... بعد مشاهدة هذه الحلقات، نتيقن أن الذوق ليس معطى طبيعيا وأن السماحة ليست شعارا وأنه، في شأن الإسلام السياسي الذي لم ولن ينتج لا مسرحا ولا فنا تشكيليا ولا موسيقى، ناهيك عن السينما وبقي يجزء فنون الآخرين وإبداعاتهم، تصح عليه مقولة الراحل سعد زغلول: "مافيش فايدة"...
في الأخر، سؤال بسيط لجماعة الزيتونة التونسية: لماذا، في برنامج عن الثورة التونسية لا نجد ولو صورة واحدة من تاريخ السينما التونسية وأنكم لا تعترفون بها أصلا؟ هل لأن السينما التونسية في نظركم لم تساهم في الثورة أم أن أي مقطع منها سيجبركم على المثول أمام القضاء بتهمة تزوير الآثار الفنية؟

خميس خياطي-عن جريدة