الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  رؤى نقدية    
المهرجان الدولي للفيلم بمراكش..محاولة تقييم


  مصطفى الطالب   

بالتأكيد، فالمهرجان حقق أمرين هامين: أولا استقطاب أسماء وازنة في السينما العالمية مثل سكورسيزي، كوتيار، جيمس كري، فرنادو سولاناس، رجيس دوبري...فضلا عن بعض نجوم السينما الإسكندنافية مثل ماديس مكلسن...و هذا الأمر يحقق إشعاعا دوليا للمغرب و لو على المدى البعيد.
ثانيا النقلة النوعية في أفلام المسابقة. فخلافا للسابق حيث كنا نجد شريطين او ثلاثة في المستوى المطلوب، عرفت الدورة مشاركة أفلام متميزة شكلا و مضمونا، في المسابقة، حيث جمعت بين الجانب الإستيتيقي و الجانب الموضوعاتي ذو البعد الإنساني والفلسفي، حيث ركزت على وضعية الإنسان في علاقته مع نفسه وآلامه وآماله، ومع محيطه العائلي والاجتماعي، وفي علاقته مع الآخر، وان كانت جل الأفلام ركزت على الأسرة و مشاكلها، وأيضا على مشاكل المرأة مثل فيلم "ميدياس" لمخرجه اندريا بلاورو، الذي حصل على جائزة الإخراج وهو الفيلم الذي كان قويا على جميع المستويات،  أو الفيلم السويدي "اوطيل" الذي حصلت بطلته (اليسيا فكندر) على جائزة أحسن دور نسائي، و مشاكل الأطفال (الفيلم الفنزويلي "شعر قبيح") و المراهقين و الانحرافات التي يمكن أن يسقطوا فيها. وهذه المواضيع ركز عليها الفيلم الكوري هان كونك-جو لمخرجه لي سو-جين ، الفائز بالجائزة الكبرى في هذه الدورة، وأيضا الفيلم الياباني "مرة أخرى" لجونيتشي كاناي.
بالنسبة للسينما المغربية، وخلافا لشريط "خونة" للأمريكي شين كوليت، فشريط "حمى" لهشام عيوش كسب رهان المنافسة وإن اختلفنا معه في بعض مضامين الفيلم التي كانت أحيانا مستفزة، حيث قدم المخرج شريطا قويا و مؤثرا عكس عمقا جماليا وفكريا، رغم الانطلاقة المتعثرة لأحداث الفيلم.
في ما يخص الأفلام خارج المسابقة فالاختيارات تارة كانت موفقة مثل الشريط الياباني المتميز "الابن سر أبيه" أو الفيلم السويدي "فالس من اجل مونيكا" او الفيلم الأمريكي "المهاجر" لمخرجه جيمس كري الذي اغني الدرس السينمائي بتجربته الفنية ، و تارة أخرى غير موفقة حيث مشاهد العنف المتتالية و المشاهد الجنسية الصادمة مثل الشريط الايطالي "تلك السنوات السعيدة"، و حيث أيضا الإشادة بالشذوذ الجنسي، و هي أمور لا توافق ثقافة المغاربة وهويتهم. فضلا عن أفلام أمريكية و سويدية أخرى بنفس المساوئ وجهت للجمهور العام بما فيه جمهور الناشئ. وهنا نطرح السؤال: هل المدير الفني للمهرجان لا يؤخذ بعين الاعتبار المعطى الثقافي للمغاربة، في اختياراته الفنية، خاصة الأفلام خارج المسابقة؟ هل لأن المهرجان دوليا يعطيه الصلاحية لعرض كل الأفلام؟ لماذا لا تضع إدارة المهرجان إشارة الفئة العمرية للأفلام أو تنبه على أن الفيلم يحمل مشاهد مثيرة قد تصدم حساسية المشاهد؟ ما هو دور لجنة مشاهدة الأفلام التي تؤشر على الأشرطة ؟
 يحاول مهرجان مراكش كسب رهان التحدي و المنافسة أمام مهرجانات عالمية، لكن إلى غاية اليوم و بعد قطع أشواط طويلة في التنظيم والعروض والبرمجة، لازال للأسف المهرجان غير مصنف في قائمة أفضل خمسين مهرجان دولي إن لم اقل المائة، علما أن الملايير تصرف عليه.
 أين يقع الخلل؟ هل إدارة المهرجان  عاجزة عن التسويق و الترويج للمهرجان في الخارج؟ أم أن المهرجان يظل محدودا بين المغرب وفرنسا و شركائها الفرنكوفونيين، دون الوصول إلى الشركاء الأنكلوسكسونيين؟ لابد إذن من إعادة النظر في الإستراتيجية المتبعة من طرف المنظمين حتى يتسنى للمهرجان الوصول إلى "النجومية". وهنا لابد من الاعتماد أيضا على الكفاءات المغربية التي تساهم في ذلك.
من جهة أخرى و للأسف لازال المهرجان يكرس مبدأ المحسوبية و الزبونية، و مظاهر الإهانة و اللاسينيفيلية وقلة الأدب التي تصدر من بعض حراس الأمن الخاصين الذين يعتقدون أنهم في حلبة صراع وليس في مهرجان فني وثقافي. مما يسيئ إلى المهرجان ككل خصوصا عندما يشتكي معظم الحاضرين والمتتبعين من ذلك.
على مستوى آخر، لازالت اللغة الفرنسية هي المهيمنة في التعامل والاستقبال والتواصل، وكأن المهرجان فرنسي بامتياز. في حين تغيب اللغة العربية اللغة الرسمية للبلاد (إلا من جريدة المهرجان و الكتالوج و عنونة الأفلام) وتغيب أيضا الأمازيغية. هذه ليست دعوة لإقصاء اللغة الفرنسية ولكن هيمنتها بالشكل الذي نراه  يؤدي إلى حرمان المهرجان من شركاء عرب وشركاء غير فرنكوفونيين نحن في حاجة إليهم.
وفي سياق غير بعيد لماذا لا تشارك الأفلام العربية في المهرجان؟ ما سبب إقصائها من المشاركة؟
في ما يخص مسابقة سينما  المدارس و التي نؤكد على أنها مبادرة جيدة، لازال المهرجان يدفع بالأفلام التي تستفز الجمهور المغربي : ضرب القيم الهادفة، التهكم بالمعتقدات، العنف والكلام الساقط و الجنس...كما هو الشأن في الشريط  الفائز"باد" لهذه الدورة...ليتم تكريس فكرة لدى السينمائيين الشباب مفادها أن النجاح مقرون بالاستفزاز و الإثارة المجانية، بعيدا عن مفاهيم الرسالية (رسالة الفن و السينمائي في المجتمع) و الالتزام بالقضايا الإنسانية و الوطنية التي تعاني السينما المغربية اليوم من غيابها. فأي جيل سينمائي نريد أن يأخذ المشعل؟ هدام أم بناء؟ مصلحي أم نافع للآخرين؟
من المؤكد  أن كل السينمائيين و الفنانيين المغاربة و الجمهور العام يفتخرون بكون المغرب يتوفر على مهرجان سينمائي دولي متميز، لكن يحبون أن تحفظ فيه كرامتهم وثقافتهم ولغتهم وتعطى فيه للسينما الوطنية كل الوسائل لمشاركة مشرفة في المسابقة، دون اللجوء إلى الإنتاج المشترك أو إلى مخرج أجنبي. فهذا فيه إهانة للسينما المغربية. و ألا يكون المهرجان بوقا للتطبيع مع الكيان الصهيوني الذي لا يمكن نسيان جرائمه اتجاه الفلسطينيين و على رأسها  اغتصاب أرضهم.
كما يحبون أن يكون المهرجان فرصة للقاءات الفنية والمهنية و الاستفادة من سينما و خبرات الآخرين بشكل متساوي، و ليس فرصة للاستجمام و السياحة المجانية.

مصطفى الطالب