الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  نقد    
"الشركي أو الصمت العنيف" جمال السرد والصورة


  مومن السميحي   

الشركي أو الصمت العنيف لمخرجه مومن السميحي، فيلم مغربي عرض من طرف جمعية الفن السابع بسطات في إطار برنامجها السنوي للعروض 2013-2014. و هو ثالث فيلم بعد الفيلم السينغالي la pirogue  والفيلم التركي devant ses yeux . وقد عرضته الجمعية من أجل التعرف عن قرب على مستوى السينما في المغرب في تلك الفترة و مقارنتها مع الفترة الحالية. الشركي، تحفة فنية تعتبر من  الكلاسيكيات السينمائية المغربية لمرحلة السبعينات. وقد بصمت تلك المرحلة بمجموعة من الأفلام السينمائية التي كانت تتشابه من حيث اللغة السينمائية و المواضيع المقترحة. كانت تشتغل على الإنسان المغربي...كابن السبيل و وشمة و حلاق درب الفقراء...فيلم الشركي لمومن السميحي يحمل حمولة ثقافية بعيدة المدى. تجعلك ترى المغرب في تلك الفترة من جميع جوانبه الاجتماعية والاقتصادية و الثقافية والسياسية..يعتبر كوثيقة تاريخية مهمة لمرحلة معينة من تاريخ المغرب في طنجة الدولية.
الشريط من أوائل الأفلام السينمائية المغربية التي تناولت حقوق المرأة كانسان في المجتمع.
يبتدئ ببيت تقطنه امرأة اسمها عائشة و زوجها و ابنها و أم الزوج. عائلة ممتدة بين ثلاثة أجيال. امرأة صامتة صمت القبور. حتى ملامحها لا تعبر عما بداخلها و السبب هو رغبة الزوج في الزواج من امرأة أخرى. الأم تعارض زواج ابنها للمرة الثانية. تستعمل الزوجة كل الطرق الممكنة من شعوذة و سحر من أجل ثنيه عن مبتغاه. في المقابل لهذا الصراع النفسي و الاجتماعي، كان هناك صراع آخر بين الشعب و المستعمر خلال مرحلة الخمسينات. أي أن المخرج أعطانا وثيقة تاريخية عبر شريط سينمائي لمرحلة ما قبل الاستقلال. هناك رغبة في التحرر من التقاليد البالية التي تكبل خطوات المرأة، و جسد هذا في شخصية عائشة المتمردة بصمتها بموازاة مع التحرر من الاستعمار الغاشم. استعمل المخرج خلال تصويره لهذا الفيلم، اللقطات الثابتة و الكبيرة التي تقف أمام ملامح الشخصية و تقرأ ما تقوله بدون صوت، لأن الصمت في حد ذاته لغة تعبيرية تكمل السرد الدرامي في الشريط. و هذا حاضر بقوة من البداية إلى النهاية. الكاميرا تتبع خطوات عائشة الباحثة عن الانعتاق من التقاليد التي تسمح لزوجها بالزواج من أخرى بكل حرية، صمت طويل أمام الكاميرا و تأمل لوضع غير مرغوب فيه. و في المقابل، هناك تأمل آخر من نوع آخر، لما تمر عائشة من جانب فيلا فرنسا، وتراقب المعمرين بداخل الفيلا خاصة النساء منهم. و كيف يتحركن و يتكلمن بكل حرية. لقطة مهمة وجد معبرة عن هموم الشخصية التائهة وسط كوم من العادات. اللقطات الكبيرة تشمل الأراضي الشاسعة والأسواق الأسبوعية بكل عفويتها. أسواق حقيقية. و هذه ميزة أخرى للشريط، الذي مزج بين الوثائقي و الروائي. و ذلك باستعماله لوجوه لا تحترف التمثيل. كأننا أمام شريط وثائقي يسجل لحظة معينة من تاريخ طنجة. خلال بحثها عن الحل، تذهب عائشة و أم زوجها عند مشعوذ، طلب منها أن تذبح ديكا أسود و تستحم في البحر سبع مرات. أثناء استحمامها بالبحر بمساعدة امرأة أخرى، تنزلق و تغرق. نهاية مفتوحة على مجموعة من القراءات. و تعود بنا الكاميرا إلى الحياة العادية لأناس يشتغلون بالبحر. لكن الملاحظ، أن سفر الكاميرا عبر الميناء كان يلتقط فقط الرجل لا وجود للمرأة بتاتا. و كأنه يريد أن يقول لنا بأن موت عائشة لم يغير شيئا و مازالت المرأة غير مرئية وسط مجتمع كله رجولي.
سيناريو جيد رغم بعض الهفوات في الكتابة التي تغفرها له المرحلة التي ينتمي إليها الشريط.. مزج الروائي بالوثائقي أعطى للشريط بعدا واقعيا. ربما هذا يعود إلى تكوين مومن السميحي الفلسفي والسينمائي. لأن المفكر يهتم دائما بالإنسان من أجل تمرير خطاب معين. و هنا يمكن أن نطرح سؤالا: إلى أي حد يمكن للتكوين المعرفي للمبدع أم يعطينا عملا مبدعا متميزا؟ و هذا ما قدمه لنا المخرج من خلال رؤيته للإنسان والأشياء. و انعكس هذا بالطبع في الصورة التي كنا نراها مرة شمولية في الأسواق و الأماكن العامة. ومرة أخرى منفردة مع عائشة المقهورة و المتمردة. اعتمد على فضائين: فضاء منغلق يتمثل في البيت الذي كان سيده هو الزوج رغم وجود الزوجة و الأم. و فضاء خارجي تهرب إليه عائشة من اجل البحث عن حل لمشكلتها. بين أحضان هذا الفضاء ستعيش عائشة هزات نفسية كبيرة ستظهر لنا من خلال نظراتها الصامتة و السائلة و الباحثة عن الحرية. استعمال موفق لتحركات الكاميرا التي كانت محايدة تصور لنا الحالة تلو الحالة و في نفس الآن نتعرف على مغرب تواق إلى الاستقلال بكل مكوناته الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية.

أمينة الشرادي