الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  نقد    
قراءة في فيلم "وجدة " للسعودية هيفاء المنصورالفائز
في منافسات المهرجان الدولي لفيلم المرأة في دورته7بسلا


  المخرجة هيفاء المنصور رفقة الطفلة وعد محمد   

أسدل الستارعن المهرجان الدولي لسينما المرأة بمدينة سلا المغربية في دورته السابعة؛ بفضاء سينما هوليود بحي كريمة؛ والتي امتدت فعالياته من 23 شتنبر إلى 28 منه 2013؛ بتتويج الفيلم السعودي"وجدة" من بين الأفلام 12 المتنافسة وهي : عشم (مصر). فتى الساتلايت (أستراليا). إيكا وناتيا يوميات شباب من جيورجيا (جيورجيا ؛ألمانيا ؛فرنسا). سارة تفضل العدو (كندا). صيف الأسماك الطائرة (الشيلي). ليلى فوزي (أفريقيا الجنوبية؛ ألمانيا؛فرنسا ؛هولندا). كل نم مت (السويد). معركة سولفيرينو (فرنسا). الأناني الكبير( بريطانيا). منعرجات ( هونغ كونغ). زينب. زهرة أغمات (المغرب).  في غياب مخرجته هيفاء المنصور التي نابت عنها السفارة السعودية بالمملكة المغربية في تسلم الجائزة.
 ما أسباب نجاح فيلم "وجدة" في هذه التظاهرة الدولية؛والتي شاركت فيها أفلام العديد من الدول الغربية التي يتوفر ريبرتوارها على كم هائل من التجارب السينمائية ؛ والمشاركات في كبريات الملتقيات الدولية؛وحصد العديد من الجوائز المحلية والعالمية؛ كما شاركت فيها بعض الدول العربية (مصر) السباقة للاشتغال في مجال السينما؛والتي تركت بصمات نوعية فيما قدمته من أفلام إن على مستوى الوطن العربي؛ أو على مستوى الارتقاء بالممثلين بمنحهم صفة "دولي " عن جدارة واستحقاق. و(المغرب) باعتباره واضع قطار السير في مجال الإنتاج السينمائي والرفع من شأنه من خلال تجاربه التراكمية و المتعددة بحثا عن التميز لإغناء خزانته السينمائية ؟
فوز فيلم "وجدة" خلف عصفا ذهنيا للعديد من المهتمين والنقاد والمتتبعين؛كما خلق الدهشة لدى الجمهور؛ بحكم التيمة المتناولة في الفيلم والتي ترتكز أساسا على وضع حياتي لأسرة سعودية تعيش بضواحي مدينة الرياض تتكون من زوجين وابنة(وجدة) بطلة الفيلم( الطفلة "وعد محمد" ذات الإثنا عشر ربيعا) والتي قامت بتأدية الدور المنوط بها بكل حرفية بالرغم من صغر سنها.
 شكل الفيلم معطى أساسيا في تسلسل أحداثه من خلال عرض التناقضات الخفية التي يعيشها المجتمع السعودي من خلال تقديم نموذج أسرة الطفلة "وجدة"-الشبه مفكك- حيث الغياب - الشبه التام- لرب الأسرة بدليل ظهوره في الشريط مرتين؛ والزوجة العاملة والتي يمثل فضاء الخارج طقوس التقاليد والعادات التي يسهر المجتمع السعودي على تكريسها كواجهة؛ بينما الخفي ما يعاش داخل البيوتات من حياة يطبعها الانفتاح والتحرر إن على مستوى الملبس أو المأكل.. أوعلى مستوى مظاهر الزينة و الترفه الذي تعج به بعض البيوتات السعودية بعرض أحدث موضات لشركات عالمية من آلات إلكترونية للطهو؛ مرورا بشاشات العرض التلفزي والإلكتروني؛إلى الهواتف الذكية؛ التي تختلف وتتنوع أشكالها؛أبدع الغرب في هندستها وإنتاجها وبيعها .
تركيز قصة الفيلم على هذه الأسرة "الحالة"وبالأخص على الطفلة"وجدة" كمحور أساسي تتشكل منه خيوط سرد القصة ؛ باعتبارها بنتا تعيش التناقض بين الداخل والخارج ؛كما تعيش حياة تختلف عن بنات جنسها بحكم ضيق اليد الذي تعاني منه الأسرة بحكم غياب الأب - كما في إشارة سالفة- وعمل الأم القليل المردودية المالية ؛إضافة إلى محدودية علاقاتها مع زميلاتها؛والاقتصار على طفل الجوار الذي يشكل في سيرورة الفيلم خرقا لما اعتاد عليه النظام المجتمعي السعودي في التفريق بين الجنسين في المأكل والمشرب والمدرسة واللعب و.. إضافة إلى ممارسة ألعاب ذكورية ( ركوب الدراجة) والذي يعتبر بحق رسالة لمن يهمهم الأمر بإعادة النظر في أمر(الطفلة) المرأة باعتبارها شقيقة (الطفل) الرجل ؛ عليهما واجبات ولهما حقوق؛ وبهما ومن خلالهما تنشأ وتتكون وتنمو..المجتمعات. يبقى السؤال ما نوعية المجتمع الذي نطمح للعيش داخل كيانه ؟
الطفلة "وجدة" بطلة الفيلم تقمصت الدور بشكل تماهت معه في كل خصوصياته ودقائق تفاصيله.. مقدمة من خلاله الطفلة الذكية/النبيهة/المشاغبة/الملحاحة/المحبة/الراغبة/القلقة/..المعتمدة على نفسها. وهنا أسوق اللقطة التي عبرت بحق عن سبب تمتيع الطفل بحريته كاملة في اللعب والتمتع والاستمتاع بوقته الثالث ؛ فيما البنت يحجب عنها كل ذلك. فطفل الجيران الذي يستمتع بركوبه الدراجة خلق للطفلة وجدة نوعا من الغيرة والقلق والاستفهام. لم هو يلعب ويلهو وهي لا ؟ فكان إصرارها على تعلم ركوب الدراجة؛ والبحث فيما بعد على كيفية اقتناءها؛ حيث أخبرت أمها بذلك ؛ كما أخبرت أبوها في إحدى الزيارات ؛ فكان ردهما "غلاء ثمنها" و"الدراجة للولد" والبنت لا حظ لها في ممارسة ركوب الدراجة ببلدنا الذي تحكمه عادات وتقاليد موروثة أبا عن جد ؛ يجب الحفاظ عليها والامتثال لأحكامها وضوابطها. إصرار الطفلة على اقتناء دراجة جعلها تسعى باحثة عن أمكنة بيعها ومساومة أثمنتها عند باعتها والمحددة أثمنتها في 800 ريال سعودي.
لم يهدا للطفلة "وجدة" بال إلا وهي تبحث جادة ؛ عن كيفية الحصول ؛على ثمن شراء دراجة؛ بطرق خبرتها من خلال بيع ما أنتجته يديها الصغيرتين ؛ من تطويع لقطع صوفية؛ وقطنية مختلفة الألوان ومتعددة الأشكال؛ اجتهدت في تشكيلها برؤية فنية اقتضت استقطاب بنات وأولاد المدرسة لاقتنائها. إما للزينة بالنسبة للبنات؛ أو لتشجيع الفرق الرياضية ؛ والتعاطف معها من خلال شعاراتها ؛بالنسبة للأولاد الذين يعشقون حب فريق ؛ أو ناد يجعلهم يساهمون بالقليل أو بالكثير؛ لشراء ما تنتجه "وجدة" من خيوط صوفية تحمل شعار الفريق أو النادي. وكانت بهذا العمل اليدوي ؛ الذي تعتمد فيه على نفسها تضع نصب عينيها ؛ هدفها الأول والأخير ؛وهو شراء دراجة؛ نكاية بولد الجيران الذي يغيظها كل لحظة وحين وهو في زهو راكبا دراجته بكل  أنفة وعنفوان. بحيث كانت توفر كل ماحصلت عليه ؛من نقود عند والدتها؛ التي بدورها في حالة الأيام العصيبة تصرف منها؛ مما يجعل أمل الحصول على دراجة بالنسبة للطفلة "وجدة" بعيد المنال وليس مستحيلا.
فضاء المدرسة يشكل بدوره مجموعة من المتناقضات حيث احترام البرامج والمناهج.. من قبل طاقم إداري وتربوي من حيث الشكل يعبر عن انفتاح وحداثة ( لباس؛ ماكياج؛ كوافير) ومن حيث التعامل مع الفتيات فيما يتعلق بسلوكاتهن خارج الفصول وفي فترة الفسحات حيث يردن التحرر بوضع الأصباغ في أظافر اليدين أوالرجلين؛ وفي ذلك مثال الفتاتين اللتين أرادتا أخذ مسحة ماكياج متبادلة على الخدين ؛ يتعامل معهما بصرامة وحزم احتراما للقوانين الجاري بها العمل في المؤسسة؛ وهي إحالة قوية على ما تعيشه الفتيات من كبت لحرياتهن في الخارج ( المدرسة ؛ الشارع؛ المجتمع..) وما يعشنه من "حرية" في الداخل ( المنزل؛ البيت..)؛ حيث ممارسة الدروس التعبدية من حفظ لكتاب الله؛ وأداء للصلاة يسير وفق المنهج المقرر من السلطات التربوية؛ وبتحفيزات تسيل لعاب التلميذات إن هن توفقن مثلا في حفظ جزء من القرآن الكريم . كانت السبيل الوحيد للطفلة "وجدة" للحصول على مبلغ شراء الدراجة المبتغاة هو انخراطها في إحدى الجمعيات التابعة للمؤسسة؛ والتي كانت تضع مبلغ 800 ريال كجائزة لمن تحفظ جزء من القرآن الكريم وتجيب عن بعض الأسئلة المرتبطة بعلومه ؛ اعتبرت المسابقة حلا لإشكال الدراجة؛ فسجلت نفسها كمتنافسة على الجائزة؛ مجتهدة في حفظ المطلوب بكل الوسائل المتاحة من أقراص مدمجة وأشرطة فيديو وكتاب القرآن الكريم.. ففي اليوم الموعود؛ يوم اختتام الموسم الدراسي تقدمت الطفلة وجدة" رفقة منافساتها وكلها أمل في نيل الجائزة بل ثمنها لشراء دراجة تتوخى من امتلاكها والركوب عليها تحرير جيل من الفتيات للتمتع والاستمتاع بإدارة دواستيها؛ بعدما عانت الأمرين هي في تعلم ركوبها من قبل طفل الجوار الذي كان ينتشي فرحا كلما زلت قدمها؛ وسقطت من فوقها..
 المتنافسات حول الجائزة يرتكن في زاوية من فضاء المنصة المخصصة لعرض المسابقة؛ ولجنة التحكيم تواجه المتنافسات في الزاوية المقابلة؛ ومديرة المؤسسة تتوسط المشهد ؛ لم تتوفق للنهائيات سوى الطفلة "وجدة" بحكم إصرارها على الفوز ونيل الجائزة. وكما قال الشاعر أحمد شوقي : وما نيل المطالب بالتمني * ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
لقد فازت الطفلة بالجائزة التي خولتها المركز الأول في غياب أسرتها الصغيرة (الأم والأب)؛ ونالت من التصفيق والتهليل من زميلاتها ورفيقاتها ما كهرب قاعة الحفل؛ حيث عبرت لها مديرة المؤسسة عن الفرح الذي خلفته لكل من أطر إدارتها وطاقمها التربوي ولأولياء أمورهن ولكل التلميذات.. مشجعينها على هذا التميز والتفرد؛ سائلة إياها عن المجال الذي تنوي صرف ثمن الجائزة فيه. فكانت المفاجأة للمسؤولة عن المدرسة بإجابة الطفلة "وجدة" قائلة : "إنني بمبلغ هذه الجائزة أود شراء دراجة". وكأنها الكارثة حلت بالحفل؛ حيث اكفهر وجه المديرة؛ وعبرت في قلق وغضب عما تفوهت به الطفلة معتبرة الدراجة شأن الأطفال /الذكور؛ مصححة الوضع بتعبيرها القائل إن الطفلة "وجدة" الفائزة في مسابقة الحفظ .. تتبرع بقيمة ما حصلت عليه لفلسطين تضامنا مع إخوتنا هناك ؛ مقدمة لها شهادة تقدير ومشاركة فوز في مسابقة الحفظ الخاصة بجزء من القرآن الكريم.. كم كان السياج المغلف لنفسية وشخصية الطفلة "وجدة" محبطا؛ ومع ذلك أفلحت في انتزاع جائزتين. الأولى في مسابقة الحفظ التي نظمتها مدرستها والثانية في مسابقة المهرجان الدولي لسينما المرأة في دورته السابعة بمدينة سلا المغربية؛ حيث انتزع الفيلم جائزة المهرجان بتوافق وإجماع لجنة تحكيم دولية مكونة من سبع نساء تحترفن الفن السابع .. تتقدمهن رئيستها فاليريا سارميينطو من (الشيلي) وسناء عكرود من (المغرب) وداليا البحيري من (مصر) وأنيت كولب من (ألمانيا) ومارزينا موسكال(بولندا)و أنا موكلاليس (فرنسا) و أبولين طراوري من(بوركينا فاسو)؛ كما انتزع إعجاب الجمهور المغربي بالمستوى الذي حققته السعودية على مستوى انفتاحها على سينما العالم انطلاقا من إنتاجها لفيلم "وجدة".
فيلم "وجدة" لهيفاء المنصور كتابة وإخراجا؛ وبطاقم تقني أجنبي ضم كل من لوتز ريتيمايير في التصوير؛ وسيباستيان شميدت في الصوت؛ وأوندرياس فوراشكي في المونتاج؛ وبطاقم فني ضم في التشخيص كل من : وعد محمد – ريم عبدالله – عبدالرحمن الجهني – عهد – سلطان العساف – دانا عبدالله – رحاب أحمد. وفي الإنتاج شركة رازور فيلم للإنتاج. كل هذه المكونات مجتمعة جعلت منها هيفاء المنصور أدوات أجرأة لقصتها التي عالجت من خلالها وضعا حياتيا لأسرة سعودية كنموذج للعديد من الأسر التي تعيش نفس الوضع. أفلحت الصورة والمكان بتقنية احترافية خلق تعاطف بصري/نفسي بينها وبين المشاهد/المتفرج.
 وبهذه الإشارة الملتقطة من عين مخرجة وكاتبة سيناريو تم إرسال العديد من الإشارات التي تتطلب من المشاهد والمتتبع فك شفراتها؛على اعتبار أن المملكة العربية السعودية ليست بذلك التمثل الذي يسكن مخيال المواطن العربي في أي مكان؛ بأن المواطن السعودي يعيش حياة البذخ والرفاه واللامبالاة..

كريم القيشوري