الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  رأي العين    
في النقد السينمائي

  د.نور الدين محقق   

    مسألة النقد السينمائي هي مسألة أساسية في صيرورة الفعل السينمائي ، فلا سينما حقيقية في غياب نقد جاد ، يتابع مستجداتها و يستطلع آخر منتجاتها ، و يقف متسائلا حول الأعمال التي قدّمتها بكل موضوعية بعيدا عن المزايدات من جهة و بعيدا عن التنويه المفرط الذي لا يساهم بتاتا في عملية التطوير و الإجادة المرغوبة من جهة أخرى .  ذلك أن من مسؤولية النقد السينمائي ليس الاكتفاء فقط بالحديث عن المسائل النظرية الموجودة  في بطون الكتب الغربية منها تحديدا ، و إن كان ذلك أساسيا في عملية التكوين ولا بد منه، بقدر ما هو تحليل و غوص في بينات الأفلام  السينمائية سواء على مستوى التيمات التي تطرحها أو على مستوى التقنيات و التوزيع الإخراجي الذي يشكل إطارها السينمائي الكلي، و تقديم ذلك في لغة واصفة تتمثل فيها كل مواصفات النقد السينمائي العميق الذي يشكل هو الآخر نصا ثقافيا هاما يساهم في الرقي بالثقافة السينمائية بكل أبعادها .
  هذا النقد السينمائي حتى و إن استفاد من المناهج الحديثة في عملية تحليله لهذا الأفلام السينمائية فيجب عليه أن يظل مرتبطا بهذه الأفلام السينمائية و بما تقدمه هي ، بعيدا عن كل إسقاطات منهجية غير منبثقة من داخل بنية هذه الأفلام السينمائية موضع التحليل .  وهو إن فعل ذلك فإنه سيحقق له وجودا فاعلا في التربة السينمائية التي يشتغل فيها .
   إن النقد السينمائي بهذا المعنى هو نقد يجمع بين الموضوعية العلمية المتمثلة في قدرته على الاستفادة من المناهج النقدية العالمية خصوصا ما انصب منها على تفكيك بنية الصورة في كليتها و بينة الصورة السينمائية على وجه التحديد ، كما هو الأمر عند كل من رولان بارت و  جوليان غريماس  و كريستيان ميتز  أو في اعتبار الفعل السينمائي هو نتاج وعي ثقافي متكامل يجب الوقوف عنده ، كما هو الأمر عند الفلاسفة الذين اهتموا بمجال السينما كما هو الأمر مع كل من جيل دولوز و إدغار موران و غيرهم .
  مثل هذا النقد السينمائي نجد له حضورا في المشهد السينمائي المغربي ، خصوصا في الندوات العلمية التي تقام في رحاب الجامعات المغربية ، والتي لا حظنا أن "الجمعية المغربية لنقاد السينما" قد ولجت إلى رحابها و أقامت بعض أنشطتها هناك بكثير من الجدية و البعد الفكري السينمائي العميق ، كما نجد له حضورا في بعض الكتب النقدية التي جعلت من السينما موضوعا لها و اشتغلت على تفكيك الأفلام السينمائية بكثير من العمق . و مع كل ذلك ، فإن هذا النقد السينمائي الجاد و المسؤول يجب إيلاءه الاهتمام الجدير به ، لأن هذا الاهتمام بقدر ما يطور هذا النقد السينمائي في حد ذاته، بقدر ما يطور أيضا الفعل السينمائي المغربي في كليته . و طبعا دون أن يعني هذا أبدا التخلي عن باقي أنواع النقد الأخرى التي ترتبط بالمجال السينمائي و تساهم بدروها في الحرص على تقديمه للجمهور العام و الوقوف عند الأفلام السينمائية الجديدة و التعريف بها و بما تقدمه ، و في مقدمتها النقد الصحفي و المتابعات السينمائية . ذلك النقد الجدير هو الآخر بكل تقدير ،  و الذي لا بد لنا من الوقوف عنده بشكل من الدقة و التفصيل و تخصيص حيز له في الرؤى التي نقدمها حول المجال السينمائي و الثقافة السينمائية.

د.نورالدين محقق