الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  متابعات سينمائية    
مهرجان الوثائقي في أغادير يتفاعل مع الربيع العربي

  مدير المهرجان والمخرج السوري عروة النيربية   

احتضنت مدينة أغادير جنوب المغرب الدورة الخامسة الفيلم الوثائقي (فيدا دوك) من 22 إلى 28 أبريل 2013.
بدأ هذا المهرجان الذي أسسته المرحومة نزهة الدريسي قويا منذ انطلاقته. وذلك المؤسسة بنت المجال وليست متطفلة كما في حالات أخرى. فقد أنتجت الدريسي أكثر من خمسين فيلم وثائقي في فرنسا قبل أن ترجع للمغرب.
عرف المهرجان تنظيم مسابقة دولية لأفلام تزيد مدتها عن 52 دقيقة. وقد قدمت هذه الأفلام صورة عن الوضعية الراهنة للمجتمعات التي صورت فيها.
بالموازاة مع ذلك احضنت الكثير من أحياء مدينة أكادير عروض أفلام ومناقشات في الهواء الطلق. وذلك ما أتاح الوصول فئات غير النخبة المدعوة. وقد عرف المهرجان تنظيم ندوة حول السينما الوثائقية وحقوق الإنسان بمشاركة باحثين من دول مختلفة. وبشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يرأسه إدريس الأزمي.
تكوين خمسة وعشرين شاب من حملة مشاريع أفلام وثائقية. وقد تم اختيار ستة من ضمنهم للاستفادة من إقامة للكتابة لتطوير مشاريعهم.
كما تميز المهرجان بتفاعل كبير مع الربيع العربي. هذا الحدث الذي وفر للموثقين الشباب مادة حية مسترسلة. وقد كانت لديهم الجرأة والشجاعة لرصد الحدث بكاميراتهم. ومن فرط قوة الحدث تم تجاوز سؤال جودة الصورة وجرى التركيز على محتوى اللقطات ومدى تأريخها للمرحلة.
مرحلة اتسمت بانشتار الروح الثورية التي تسعى لإحداث تغيير في العالم العربي. وقد جرى التركيز على حالتين. مصر وسورية. من سورية قدم عروة النيبرية فيلم "عيد ميلاد في حمص" لباسل شحادة الذي كان في نيويورك حين اندلعت الثورة السورية. وروى المخرج المعتقل سابقا في سوريا أن باسل آمن أن "الوطن ليس فندقا نتركه حين تسوء الخدمة" فقد عاد إلى سوريا ليوثق ثورتها. لكن قذيفة من شبيحة بشار أنهت حياته شهيدا.
من مصر عرض فيلم محمود فرج وعنوانه يعود لجمعة الغضب وهو "28-01-2011" ومدته 19 دقيقة. الفيلم عبارة تجميع شهادات حارقة لنساء فقدن أنباءهن في الثورة، ومن ضمنهن أم الشهيد خالد عطية زيد. في هذا الفيلم ذي القوة الصامتة التقط المخرج النساء في لحظة وجع عميق، لحظة صدمة وافتقاد.
تحكي الأمهات ليس عن موت أولادهن  بل عن حضورهم الدائم معهن.
تقسم الأم أنها رأت ابنها على الكنبة وقدم لها عنبا كاللؤلؤ... عنب حلو رغم مرضها بالسكر. عنب في شفاء لأنه عنب الجنة...
تقسم أم أخرى بكل ثقة أن ابنها يأتي إليها في كل لحظة غضب. ليس في الحلم بل في الواقع. لا ترى روحه بل تراه من لحم ودم. يتضح أن قد تزوج حورية في الجنة وأنجبت له بنتين. سبحانك يا رب.
أم أخرى تنظر إلينا طويلا صامتة عبر الكاميرا ثم تخبرنا أنها تطعم طيور الجنة لتزقزق لها. تصمت وتنظر إلينا من جديد كأنها تفحص وقع الكلمات على الوجوه... تتابع حديثها عن فلذة كبدها وهي واثقة من كل كلمة تنطق بها.
من فرط الألم والحنين تحكي الأمهات عن رؤيتهن لأبنائهن في المنام. يختلط الواقع بالوهم. لكن يصعب إقناع الأمهات برحيل أولادهم. لذلك لم يكن المخرج يقاطعهن. كان الميكروفون يصغي لهن ويصدقهن. وهكذا يسترسلن في إضاءة ألمهن.
هذا الألم الذي يرافق كل الثورات لأن الشعوب لن تحصل على حقوقها مجانا. فالحرية تنتزع. والدم جزء من ثمن الضرورة التاريخية. وليس صدفة أن الأسر الفقيرة هي التي تضحي أكثر. فمن خلال الفضاءات التي تصور يتضح فقر الأسر الشديد. تركز الكاميرا على الأماكن الفارغة... سرير واريكة. يعبر المخرج عن الرحيل والنهايات بصور رمزية/ مثل وردة تأكلها النار. شمس الأصيل تغرق في البحر. قمر يغرب خلف سحب داكنة تميل للون دم متخثر غامق. إبريق قديم يغلي... كان تلك حال الأمهات، بل حال الشعب المصري كما رآه المخرج محمود فرج.
بالنسبة لنتائج المسابقة الرسمية حصل فيلم "عالم ليس لنا" لمهدي فليفل من لبنان وبريطانيا على جائزة الجمهور. وعادت جائزة حقوق الإنسان مناصفة للفيلمين "امرأة وكاميرا" لكريمة الزبير و"حتى الطير يحتاج عشه" لكريستين شونسو فانسن ترانتيغون كرونو. وهو فيلم مثل كلا من فرنسا والكامبودج. ويحكي فيلم "امرأة وكاميرا" الذي مثل المغرب عن سيدة تعمل مصورة أعراس. فيلم ممتاز ومؤثر.
أما جائزة لجنة التحكيم فذهبت لفيلم "التلاكو" لحميد دييدو من فرنسا. فيما توج فيلم "عالم ليس لنا" لمهدي فليفل بالجائزة الكبرى للمهرجان. ويحكي الفيلم عن ثلاثة أجيال من اللاجئين الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة بلبنان. فيلم بلمسة حنين وسخرية.

محمد بنعزيز