الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  السينما العالمية    
كلمات....تبحث عن مؤلفها

  ملصق فيلم   

"الكلمات" (the words)  شريط أمريكي سيناريو وإخراج:(Lee Sternthal- Brian Klugman)  يحمل بين لقطاته لغة سينمائية جميلة، محكية بأسلوب شاعري تدفع المشاهد إلى السفر معه دون ملل. شريط يعتمد على الكلمة سواء في الحوار أو الكتابة. وقع الكلمة قوي يعمل على تغيير منحى الأحداث بشكل سلس رغم غموضها أحيانا. يفتتح الشريط بلقطة كبيرة على كتاب فوق الطاولة، بجانبه شخص لا نرى سوى يديه، يستعد للخروج. يأخذ كل مستلزماته الضرورية من ساعة يد وحبر وقلم.وسنراه مباشرة في قاعة المحاضرات أمام مجموعة من العاشقين للأدب ينتظرونه ليكمل قراءة رواية. والجميل في هذه البداية أن هذه الرواية هي نفسها أحداث الشريط الذي سنراه فيما بعد. أي شريط داخل شريط. يأخذنا السارد، الذي أدى دوره الممثل Dennis Quaid » " إلى عالم كاتب وهو الممثل  « Bradley Cooper »يحاول إثبات ذاته في عالم الأدب. كل ما يكتبه لا يستطيع أن ينشره. يعيش مع صديقته حياة هادئة و عادية لكنه يحاول أن يبرهن بأنه كاتب مقتدر. رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها. وسيظهر لنا هذا من خلال الزيارة التي سيقوم بها إلى أبيه صاحب شركة ليقترض منه المال. سيعمل والده على حثه على العمل معه حتى يعتمد على نفسه. كان صارما في إجابته بأنه لا يعرف فعل شيء آخر سوى الكتابة. بين الفينة و الأخرى يعود بنا المخرج إلى السارد في قاعة المحاضرات حتى ندرك بأنه مازال يقرأ الرواية التي نراها نحن على الشاشة. تداخل في الأحداث والشخصيات يجعلك تركز أكثر حتى تتفهم الوضعية الدرامية ككل.السيناريو يركز أكثر على الجانب النفسي للشخصية الرئيسية للفيلم و كيف تتفاعل مع كل الأحداث. سنعود إلى الكاتب الفاشل مع صديقته، الذي رفضت أغلب دور النشر التعامل معه. تدمر و إحباط خاصة لما سيجد نفسه مع أصدقاء في حفل عشاء، غير راضي عن نفسه. سينتفض ويترك المكان في بحث عن ذاته الهاربة منه. حوار آخر بينه و بين أبيه . لم يكن مجانيا يل طرح بذلك الشكل حتى نفهم أكثر شخصية الكاتب. و يطرحه أمامنا بشكل آخر.. و هذا هو الجميل في هذا الشريط، الذي تعتقد في البداية بأنه يحكي بشكل خطي الأحداث الدرامية، حتى يفاجئك بتغيير لمجرى الأحداث التي تكون متشابكة و يدفعك إلى التركيز أكثر. بحيث عند لقاءه مع أبيه، يستهزئ منه لما يطلب منه الزواج حتى يستقر. ولكن سنراه فيما بعد يحتفل بزفافه من صديقته وسيسافران معا إلى باريس. دليل على ارتباكه النفسي و قلقه الزائد على وجوده ككاتب. حتى الآن سرد عادي للأحداث رغم تداخله مع السارد الأول. خلال السفر سنعيش مع الحدث الدرامي الذي سيغير مجرى الأحداث و سيظهر بأنه بسيط و عادي لكن قوته تكمن في تأثيره الخطير على حياة الكاتب ككل فيما بعد. بين الفينة و الأخرى، نسمع الصوت خارج الإطار الذي يحكي، تأكيد على استمرارية الحكي من الأستاذ المحاضر. لماذا هذه العودة في الشريط إلى السارد؟ماذا يريد أن يقول لنا المخرج؟ ستشتري له زوجته وقد لعبت هذا الدور الممثلة "Zoe Saldana "محفظة قديمة جدا من أحد الباعة. محفظة تنتمي إلى بداية القرن العشرين. شراء المحفظة مرتبط بشخصيته ككاتب و لم يكن اعتباطيا. سنرى ذلك فيما بعد. عند عودته من السفر، عاد إلى عالمه. ظل يكتب ..و يبحث عن ناشر.. ، أخذ المحفظة ليضع فيها قصصه. لكنه فوجئ بوجود جيب داخلي غير مرئي به أوراق تحمل بين طياتها رواية بدون اسم مؤلفها. عند محاولاته الفاشلة للكتابة، كان يعود في كل مرة إلى الرواية المجهولة التي قرأها و أعجب بأسلوبها.هذا التردد صوره لنا المخرج أكثر من مرة خاصة عندما يجلس إلى حاسوبه و يحاول أن يكتب. فيستعصى عليه الأمر. الحبكة الدرامية في السيناريو ستعمل على تغيير المسار العادي للشريط. قرر أخيرا نقل الرواية إلى حاسوبه . حتى الآن لا ندري لماذا فعل هذا. هل من أجل الحفاظ عليها ؟ المخرج لم يظهر لنا السبب وراء ذلك وتركنا نعيش مع صوت السارد و اللقطات المتتالية أسئلة كثيرة أغنت الفيلم و جعلت قوته في السيناريو. سنصل إلى دروة الحدث الدرامي لما ستقرأ زوجته صدفة ما كتب و تعجب به على أساس أنه هو الكاتب دون أن تدري بقصة الرواية المجهولة. كأن شخصية الكاتب كانت مهزوزة ومترددة و تحتاج إلى من يساعدها على أخد مثل ذلك القرار. أي ينسب الرواية إلى نفسه. كان خلال هذه الفترة قد اشتغل في أحد دور النشر كعامل نظافة حتى يتقرب أكثر من المسئول عن النشر. قرر في يوم أخذ الرواية وإعطائها إلى مدير دار النشر التي يعمل بها على أساس الاطلاع و إبداء الرأي. مازلنا نعود إلى الراوي في مدرج الجامعة، تشبث مدير النشر بالرواية لأنها رائعة و ستحدث ضجة كبيرة في عالم الأدب. هنا ستظهر شخصية جديدة، رجل مسن يستقر في غرفة بأحد الفنادق. لا ندري لماذا. فقط نعلم من خلال السرد أن لهذا الرجل سبب في الظهور في هذا الوقت بالذات. نعود إلى شهرة الكاتب غير المتوقعة وفوزه بأحد أهم الجوائز الأمريكية في الأدب. خلال نشوته بالجائزة، سيقتفي أثره الرجل العجوز حتى يجد الفرصة المناسبة في أحدى الحدائق. كان يجلس لوحده ليقرأ. يقترب منه و كل ملامحه تتكلم. أداء رائع للممثل الانجليزي:. » « Jeremy Irons   كان حوارا بالغ التركيز و الأهمية. أصاب من خلاله المخرج الهدف و جعل النهاية تكون بليغة. عندما تتوفر على سيناريو جيد وإخراج جيد، حتما تكون النتيجة جيدة. الجانب النفسي في الكتابة حاضر بشكل قوي. وجه الرجل العجوز اللوم للكاتب، على أساس أنه سرق له حياته التي عاشها إبان الحرب العالمية الأولى. حياته التي ذاق حلوها و مرها بكل تفاصيلها. هنا في هذا المكان الهادئ، اعترف له الرجل المسن بأنه صاحب الرواية التي افتقدها يوما ما. وهنا تبدأ قصة أخرى ، تعود بنا إلى الحرب العالمية الأولى. و كيف توالت الأحداث بالكاتب الحقيقي حتى أنجز ذلك العمل الرائع. يتوقف الراوي و يترك النهاية مفتوحة. تلتحق به إحدى الطالبات و تطلب منه أن يكمل لها النهاية. قبل هذا اللقاء، عاش الكاتب الشاب، أزمة نفسية لم يستطع خلالها تذوق طعم النجاح. بحيث كل إبداعاته التي تلت ذلك العمل، نشرت بكل سهولة رغم أنها لا تصل إلى مستوى العمل الأول. لكن ألم داخلي لم يستطع معه الراحة النفسية و الفكرية.اضطربت حياته و لم يدري كيف سيعالج الخطأ خاصة أن الرجل العجوز لم يطلب منه شيئا ماديا. قرر أن يعترف أمام الجميع بما فعله حتى يرتاح، لم يوافقه أحد خاصة الرجل المسن الذي اتهمه بالجنون. مرة أخرى، سيكون اللقاء بين الكاتب الشاب و الرجل العجوز في مشتل لهذا الأخير. الكاتب الشاب يبحث عن وسيلة لإرضاء الرجل. لكن كلام هذا الأخير كان واضحا. انه لا يريد لا مال و لا شهرة، فقط يلومه على أنه ليس له الحق في سرقة حياته. كلمة جد معبرة غيرت حياة الكاتب. نلاحظ بأن كلا الحوارين الأول و الثاني، كانا في فضاء بعيد عن الضجيج وبين الأشجار و النباتات حتى يتم التركيز أكثر على الحوار الذي كان يلخص حياة بكاملها. وهنا نعود إلى اللقاء مع الطالبة الباحثة عن النهاية. سنفهم من خلال حوارهما الغامض نوعا ما، بأنه أي السارد هو الكاتب الذي أنسب إليه العمل الروائي ويقوم بسرد حكايته على الجميع بصيغة الغائب حتى يرتاح ضميره ويرد الجميل إلى الكاتب الحقيقي الذي توفي فيما بعد. نهاية قوية مفتوحة لكل الاحتمالات و كل القراءات. لكنها تمشي مع الخط الدرامي للشريط الذي تناول موضوعا يتصل بالروح والمعاناة من أجل الحصول على عمل جيد. و هذا كان حاضرا بشكل مثير في الحوار بين الرجلين. الشريط يتطرق إلى مسألة الإبداع التي تبقى مسألة شخصية ونابعة من معاناة يومية وأحيانا تكون أليمة. السيناريو مكتوب بشكل دقيق و مركز و أعطى القوة للأداء الذي كان يعتمد أكثر على التعبير الجسدي و النفسي. كما ركز المخرج الكبير"ألفرد هيتشكوك" على أهمية السيناريو في مقولته التي تؤكد على السيناريو ثم السيناريو ثم السيناريو.
 شريط اعتمد على تقنية الفلاش باك في السرد لكي لا نشعر بالملل. لقطات كبيرة تركز على الوجه أثناء التعبير. استعمال الفضاء المغلق للتعبير عن الاختناق والتردد في مقابل فضاء مفتوح يترك الحرية للتعبير عن المعاناة و الخوف والألم و الندم.. و تبقى الكلمة هي الأقوى.

أمينة شرادي