الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  خارج الإطار    
المهرجان الرابع عشر للفيلم الوطني..تعميق الجرح


  محمد اشويكة   

انشغل المهرجانيون المشاركون في الدورة الرابعة عشر للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة بالحديث حول الجوائز وببعض النقاشات العقيمة التي يتحكم فيها البعض انطلاقا من الكواليس متناسين أن ما وقع خلال عرض الفيلم الروائي الأخير في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة ["القمر الأحمر" لحسن بنجلون] ليس مجرد حادث تقني بسيط، وإنما هو مؤشر على السياسة التهافتية التي تريد أن تعرض أكثر من عشرين فيلما مهما كان الثمن.. قد يقول البعض بأن ذلك مبالغة وتحامل! لنوضح الأمر: يتجاهل البعض حقيقة مفادها أن مختبر المركز السينمائي المغربي غير مؤهل تقنيا وبشريا لإنتاج فيلم سينمائي في المستوى مما يضطر بعض المخرجين المغاربة لإتمام عمليات معالجة الصورة والصوت والنسخ وغيرها في الخارج؛ وقد باتت إحدى المختبرات الإيطالية وجهة مفضلة لهؤلاء بفضل الأثمنة التفضيلية والجودة (فيلم "البراق" لمحمد مفتكر نموذجا).. لا يعلم بعض الذين تؤثث بهم إدارة المهرجان فضاءاته (كومبارس المهرجان)، أيضا، بأن وضع اللمسات الأخيرة للفيلم وعمليات التجهيز النهائي (La finalisation) للفيلم بعد التوضيب قد يتطلب أكثر من شهر، فما بالك أن يتم وضع اللمسات الفنية الأخيرة وطبع (Tirage) ثلاثة أفلام روائية طويلة في ظرف قياسي لم يتجاوز الأسبوع الواحد، وفي غياب مخرجيهم أو مدراء تصويرهم أو بعض التقنيين المتخصصين؟! ترى من يدفع هؤلاء "المنتجين/المخرجين" كي يشتغلوا تحت الضغط ويضيعوا فرصا تاريخية على أنفسهم وعلى السينما المغربية؟!
تِلْكُمُ كارثةُ الكم التي يطبل لها البعض دون أن يعي مساهمته في خراب السينما المغربية التي هي في حاجة إلى آراء مستقلة، بانية، غير مجاملة ولا منافقة. لقد كان المخرج حميد الزوغي - مهما قيل - شجاعا حينما سحب فيلمه (بولنوار) غير الجاهز لأنه يريد أن يربح فيلمه وألا يغش نفسه والجمهور، بل نحن في حاجة اليوم إلى أصوات متعددة تغني ولا تكرس سياسة القطيع.. فلن تتطور السينما إذا كانت غير محكومة بصراع فكري وإيديولوجي وفني من شأنه أن يغنيها ويطورها.. والنتيجة واضحة اليوم بعد مهزلة المهرجان الوطني الأخير: نقاشات عقيمة لا ترتكز على اختلاف فكري أو إيديولوجي واضح، تطبيل صحافي غير موضوعي، أفلام دون المستوى، تشرذم مهني غير مسبوق ولا ينبني على اختلافات جذرية لتدبير القطاع أو عن مرجعية إيديولوجية محددة...
لقد أظهرت عملية الفرز الأولي للأفلام القصيرة بأننا لم نستطع توفير فيلم قصير يسبق/يرافق عرض كل فيلم طويل فَتَمَّ الاكتفاء بصعوبة بالغة بأربعة عشر فيلم (أين نحن من مائة فيلم؟) تتنافس على المسابقة الرسمية، أما بالنسبة للأفلام الطويلة فقد تَمَّ تجميع واحد وعشرين "فيلم" مع كل ما شاب عملية التجميع هاته من خلط كبير بين الوثائقي والروائي، السينمائي والتلفزيوني الذي تكمن خطورة إقحامه ضمن مسابقة الأفلام السينمائية في تهجين القطاع والمس بالمهن السينمائية، الأمر الذي يسهل قانونيا وعمليا ولوج أموال صندوق الدعم وخلط الحابل بالنابل...
أعتقد أن شروط المسابقة كانت منتفية خلال هذه الدورة من المهرجان لأن الفوارق صارخة: لقد كان التنافس في الأصل بين أربعة أفلام قصيرة إن لم نقل اثنان، وخمسة أفلام طويلة إن لم نقل ثلاثة.. والباقي مجرد أرانب سباق (يغادر بعض المتفرجين القاعة خلال الربع ساعة الأولى من الفيلم.. تماما كما يحدث في سباق الجري حيث لا تستطيع أرانب السباق الركض لبضعة دقائق!). وهنا لابد من التنبيه إلى أن كل دورة من المهرجان (سنة واحدة) قد لا تعني العودة إلى إنتاجات السنة ذاتها، وإنما تتم العودة بسنوات نحو الوراء لتجميع ما تراكم من أفلام (يصعب إنجاز فيلم سينمائي خلال نفس السنة التي ينال فيها الدعم اللهم إذا تحدثنا عن الأفلام المطبوخة "أفلام الكُوكُوتْ!").
جاءت هذه الدورة بنفس توابل الدورات السابقة وكأننا نعيش استرجاعا (Flash back) قصير المدى: ضيوف معتادون، مراقبون ومُوَجِّهُون، إقصاءات وتمييزات، قاعة لا تستوعب الجمهور والمدعوين، نفس المقدمين، نفس المسيرين للنقاش، تراجع الثقافة السينمائية، احتجاجات بليدة على بعض العروض، إغراق المهرجان بكثرة الضيوف الذين يعرف الجميع استعدادهم لتغيير آرائهم بمجرد تغير ميزان "القوى"، اجترار نفس الخطابات حول "الحصيلة" السينمائية وتكرار نفس المدائح مما جعلنا نعيد مشهد "العَرُوس والمَاشْطَة"...
كم نتمنى ازدهار السينما المغربية! وكم نتمنى أن نكون أمام مهرجان حقيقي! وأمام لجان فرز وتحكيم حقيقة! وأن نضمن أجواء صحية تضمن شروط حرية الاختلاف والتعدد لأن الاختلاف في المرجعيات الفلسفية والفكرية والجمالية يطور التجارب ويفسح المجال لتأملها.. فحينما غاب النقد والعقل برز الشتم وسقطنا في الهرطقة والمحاكمات الأخلاقوية والعَقَدِيَّة التي تصور السينما للناس بأنها تدمير للحياة بكل قيمها النبيلة.. أليست السينما قادرة على بناء المعنى وتشغيل التلميح وتعميق النقاش حول القضايا التي تهم الناس؟!
إلى أن يتحقق ما يصبو إليه عشاق السينما والسينمائيين المستقلين.. نهمس في آذان المتربصين بالقطاع إلى أن السينما المغربية في حاجة ماسة، أكثر من أي وقت مضى، إلى تطوير خطاب سليم حولها، يراعي التعدد والاختلاف ويحميه، فالديمقراطي الحقيق من يضمن الرأي المختلف وليس من يقصيه ويهمشه ويضايق عليه.. فلا يستقيم الحديث عن حرية الإبداع دون ضمان حرية الخطاب حول الإبداع.. ولا يمكن أن يتطور الإبداع دون ظهور خطاب مضاد له، ولنا في دروس التاريخ أكثر من جواب.. فالأشخاص عابرون عابرون.. والسينما باقية باقية...