الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  حوارات    
نور الدين الصايل: -الكثيرون في الغرب يريدون وضع اليد على سوقك السينمائية ومن ثم التصفيق للعبقرية التي اخترعتها

  نور الدين الصايل   

من الصعب تناول سيرة نور الدين الصايل والكتابة عن تجربته من دون الوقوع في فخّ المديح وتوزيع الإطراء. فالصايل هو اليوم رجل السينما "الرقم 1" في المغرب. وليس من قبيل تضخيم الشأن،القول إن لا شيء يحصل في سينما تلك البلاد من دون أن يكون للصايل علاقة به سواء من قريب أو من بعيد. إلى الرؤية التي يمتلكها، هو أيضاً حارس السينما المغربية الذي يحميها من أعدائها في الداخل وأولئك الذين، في الخارج، يريدونها "سينما مناسبات" تطل برأسها بين الفينة والفينة، قبل أن تعود إلى سباتها العظيم وإلى عالمثالثيتها. 
لكن، في رأس الصايل، ثمة مخططات أخرى، تحقق جزء منها خلال الأعوام الستة الفائتة التي ترأس خلالها المركز السينمائي المغربي، اذ جعل السينما المغربية تهب هبة كبيرة مثيرة حسد بلدان عربية كثيرة لديناميتها المفاجئة غير المسبوقة. ولا شك أن تلك السينما تحتاج إلى الكثير من الرعاية، جماهيرياً وفنياً ومهرجانياً وانتشاراً، وهي أحوج ما تكون الى الحرية والاستقلالية لفضح المسكوت عنه في مجتمع حافل بالتناقضات، يترجح بين التقليد والحداثة، بين الانفتاح على الغرب والتمسك بأصول واعراف اسلامية.
لا يزال هناك مشوار سينمائي طويل أمام المغاربة، لكن على الأقل هناك نموذج إنتاجي رصين (مستوحى بتصرف من الصيغة الفرنسية الشهيرة "سلفة على الإيرادات")، يمكن البناء عليه من الآن وصاعداً وبلورته. باختصار، التجربة المغربية جديرة بأن نرفع لها قبعتنا. فمع استراتيجيا الصايل، باتت سينما تلك البلاد تمر في مرحلة تاريخية "لذا يجب ضبط أصولها حتى لا يكون بناؤها مشوها".
الصايل مجموعة رجال في رجل واحد: ناقد سينمائي وأستاذ فلسفة ومدير تلفزيون سابقاً، ها نحن نراه اليوم يهتم بمهرجانين، أولاً طنجة حيث يساير المبتدئين؛ وثانياً مراكش حيث يرافق المشاهير. الأول نقيض للثاني. وبين هاتين المهمتين، يدير مركزاً سينمائياً بات مرجعاً، وإليه يعود الفضل الأكبر في رفع عدد الأفلام المغربية المصنوعة في عام واحد من 5 الى نحو من 15، وربما أكثر في سنوات سابقة ولاحقة. أما خلف هذه السيرة الناجحة (success story على الطريقة المغربية)، فهناك رجل مثقف مدمن فلسفة وقراءة، وسينيفيلي أكول من المدرسة القديمة، كان قد أسس جمعية نوادي السينما في المغرب، وترأسها طوال عشر سنين (1973 - 1983)، وساهم في "مغربتها" وإدراجها في سياق وطني، قبل أن تأخذه الفرص المقتنصة إلى عوالم التلفزيون، حيث اكتسب خبرة كاملة متكاملة، من خلال عمله في المحطة الفرنسية المشفرة "كانال بلوس أوريزون" في منتصف الثمانينات من القرن الفائت، مستفيداً من منصبه ليشرع الأبواب أمام سينمائيين من بلدان لا مراكز ثقل لها على الخريطة السينمائية الدولية. بيد أن مشروع إنقاذ القناة الثانية المغربية جاء به رئيساً، ثم عيِّن مديراً للمركز السينمائي المغربي، ومذ ذاك لا يتطور مساره إلا تصاعدياً...
يقول هذا الستيني الهادئ (والصدامي عند الحاجة) أنه تعلم الحياة متفرجاً على الشاشة المستطيلة وأنه كان هناك تكامل بين مهنته مدرّساً للفلسفة والسينما. معادلة الحياة - السينما عند الصايل ذكّرتني بما قاله تروفو ذات مرة: "عندما نحبّ الحياة، نذهب إلى السينما". لكن رجلنا يذهب إلى أبعد من ذلك تأكيداً وإصراراً على أن هذا الفن أنقذه من الحياة. ففي الحديث الذي أجريته وإياه (بالفرنسية) في الدورة الأخيرة من مهرجان طنجة للفيلم المتوسطي القصير، اعترف لي بأن السينما أنقذته "من" الحياة. وتابع جملته: "ساعدتني ألا أدخل الحياة من باب الواقعية، بل من باب الحلم. السينما جنّبتني مشكلات الحياة الحقيقية لأنني عشتها على الشاشة".


• يمتلك المغرب حالياً استراتيجيا سينمائية تبلورت في السنوات الأخيرة لتضخ مجموعة من الأفلام وصلت محصلتها في بعض السنوات الى  20 شريطاً سينمائياً في عام واحد. كيف تقوّم هذه التجربة المغربية، انطلاقاً من كونك رئيساً للمركز السينمائي المغربي؟
- نحن في المغرب الآن نعمل خلافاً لمنطق "تحفة كل عشر سنين". أكثر من يهمها هذه الصيغة هي القوى السينمائية الكبرى حول العالم. قبل بضع سنوات، كان هناك سينمائي مالي أنجز فيلماً رائعاً، إسمه سليمان سيسه وفيلمه يدعى "يلن". كان ذلك في آواخر الثمانينات. الجميع صفقوا له، ثم نال جائزة لجنة التحكيم في كانّ وراح الكثيرون في الغرب يهللون له ويعتبرونه عبقرياً. هذه الجماعة التي صفقت هي نفسها تريد أن تتخصص الدول العربية والإفريقية بالتحف الكبيرة. فهذا ما يهمها. يريدون وضع اليد على سوقك السينمائية ومن ثم التصفيق للعبقرية التي اخترعتها، علماً أن هؤلاء، بدورهم، ليسوا أكثر عبقرية منا في مجال العدد، لكن الفرق بيننا وبينهم أنهم ينجزون 500 فيلم كل عام تكسح أسواقنا وتعود عليهم بالعائدات المالية الضخمة جراء استثمارها في صالاتنا. باختصار، يضعون اليد على خيالنا وإمكان أن يكون لنا تعبير حر ومستقل. نتيجة هذه السياسة، تجد أن بلداً مثل مالي لم ينجز فيلماً آخر، أو على الأقل تحفة أخرى، بعد فيلم سيسه. أنا كنت فضّلتُ أن ينتج المالي 20 فيلماً في العام، ومنها فيلم لسيسه اسمه "يلن"، ولا يقتصر الإنتاج في هذا البلد على تحفة كبيرة. من السهل أن تصفق المهرجانات لمخرجينا الكبار، وخصوصاً إذا كان عدد هؤلاء قليلاً. نحن بالطبع يعجبنا هذا الشيء كثيراً: أن ينتج أحد بلداننا 3 أفلام كل 12 عاماً ويحصل على جائزة كبيرة في مهرجان برلين! هذا جيد للفنان. لكن في المسألة شيء من الهراء، لأن هذا يعني أنه ليس عندنا أدنى فكرة عن كيفية دوران العجلة السينمائية العالمية. هذه مقاربة أنتروبولوجية غربية للسينما: بلد لا يخرج منه شيء منذ 20 عاماً، فجأة يأتيهم بتحفة فنية!
هناك مقولة صينية رائعة تقول: بدلاً من أن تعطي الفقير سمكة كل يوم، فالأفضل أن تعلّمه الصيد. نحن الآن قد تعلّمنا الصيد. لكن المشكلة أن ثمة الكثير من الأنظار السلبية على كل سياسة مستقلة. تخيّل أنهم في اللحظة التي بدأنا نتعلم فيها الصيد، أفرغوا البحر من المياه. قوة الغرب كامنة في كونه يحدد قوانين السوق. يقولون لنا: "عليكم أن تنظّموا الأمور بأنفسكم، لديكم مواهب والخ". ثم عندما ندخل في مرحلة الإنجاز، ينتبهون إلى أن هذا الشيء قد يعود عليهم بالضرر، وهذا صحيح طبعاً. إذا أحصينا الأفلام التي صدرت في الصالات المغربية في عام واحد)  وعددها 350 فيلماً مصدرة من خارج البلاد)، نرى أن المراتب الثلاث الأولى في شباك التذاكر تحتلها أفلام مغربية. 300 ألف هو عدد مشاهدي الفيلم المغربي الذي يأتي في الصدارة، في حين أنك تجد في المرتبة السابعة فيلماً أميركياً واسع الانتشار لا تتعدى إيراداته 50 أو 60 ألف مشاهد. هذه الأرقام تشمل المغرب كله، لأننا لا نملك الكثير من الصالات (80 صالة).
ثمة فيلم مغربي اسمه  "الباندية" جذب 500 ألف مشاهد. نحن نربّي الجمهور على الفيلم المغربي، لكن تبقى المشكلة أن كل الأفلام التي تلي المرتبة الرابعة في قائمة الإيرادات، هي أفلام أميركية. وهذا من شأنه أن يجعل الهيمنة الأميركية أقوى على مستوى مجموع الإيرادات. لكن حصة السينما المغربية من السوق هي 15 في المئة، وربما هي 18 في المئة هذه السنة، لكن هذا الوضع لم يكن قائماً قبل فترة قليلة. أما حصة السينما الأميركية فلا تزال تدور حول الـ40 في المئة، فيما الهند حصتها 20 أو 25 في المئة، ومصر حصتها 12 أو 13 في المئة، اذ يتراجع حضور سينماها تدريجاً. المشهد إيجابي، لكن ما يهم الغرب هو أن يقولوا لنا "أنجزوا تحفة مرة كل عشر سنين، لكن انتبهوا: لن تكون لكم الحصة الكبرى من السوق المحلية منذ اللحظة الاولى". ولكن نحن نريد أن تكون لنا حصة من السوق ليس فقط في بلادنا بل في بلادهم كذلك. لِمَ لا. واذا قيل لنا لماذا، فسنكرر: لِمَ لا؟
•••

• لكن من هو عدوّكم الأكبر في داخل المغرب اليوم؟     
 - قلة الطموح هي عدوّنا الأكبر. وهذا ليس عدوّنا في المغرب فحسب، بل في البلدان العربية والإفريقية كلها. دائماً نخفي أنفسنا خلف ضيق الإمكانات.  قد يكون ضيق الإمكانات من الأسباب الجوهرية، لكن هذه الأسباب سرعان ما تتحول ذرائع. مَن الذي يدعم الأفلام القصيرة المعروضة هنا في المهرجان؟ هل تعتقد أن الدولة هي التي من المفترض أن تموّل هذه الأفلام؟ لقد سُنَّ القانون المغربي المتعلق بهذا الموضوع وهو يطبَّق الآن: على كل شركة إنتاج أن تنجز ثلاثة أفلام قصيرة كي تشرع نشاطاتها وتتمكن من التحالف مع علب إنتاج أخرى. كنا ننجز 10 أفلام قصيرة سنوياً فصرنا فجأة ننجز 80 فيلماً قصيراً بسبب هذا القانون. في هذا النظام، ليست الدولة مَن يدفع، كل ما تفعله هو أنها تخلق الحوافز. وهذا أفضل من أن تعطي المال. في وجود القوانين والحوافز والاقتناعات، لا بد من أن نصير أشخاصاً طموحين. وإلا لنجرد أنفسنا من كل طموح ونسلّم أمرنا إلى الحتمية والعبث، ونذيّل كلامنا دائماً بـ"ما الفائدة من فعل هذا أو ذاك؟". عندي، أن كل مباراة لم تنته بعد، لا نستطيع أن نعتبرها خاسرة أو رابحة.
• ثمة سينمائيون مغاربة أظهروا أخيراً جرأةً ما في بعض أفلامهم. لكن دينوا من متطرفين. في هذا المناخ، هل يجوز الذهاب إلى أبعد؟
- أنا ضد النموذج الأوحد. فقط بالتناقض تستطيع أن تذهب إلى الأمام. ليس من الجائز أن ننتظر كي يتفق الكل مع الكل. عندما يفكر البعض مثل البعض الآخر، فهذا يعني أن لا أحد يفكر.
• لكن حين تصبح مادة المناقشة قبلة في فيلم، فهذه المناقشة غير مفيدة سينمائياً...
- في المغرب لم نعد نناقش هذه المسألة. إذا كانت هناك حاجة في فيلم إلى تصوير قبلة، فليكن. وفي حال وجوب تصوير مشاهد أكثر جرأة وعنفاً، فهناك هيئة لمراقبة الأفلام ومنع عرضها لمن هم دون الـ12 أو الـ16. لكن، لا أتفهم المنع الكلي لفيلم. لماذا تمنع فيلماً ما دام يُعرَض في صالة وما دام مشاهدوه قد دفعوا المال وقصدوا الصالة لمشاهدته. إلا اذا كان في الفيلم تحقيراً للقيمة الإنسانية أو تحريضاً على العنف والكراهية العنصرية والإثنية. حتى في الولايات المتحدة، قد يحدث أن تعترض جمعية سرية على ظهور نهدي امرأة في فيلم. يؤخذ على الممثلات المغربيات أنهن يقبّلن في أفلام أجنبية، لكن لا ينتبه هؤلاء إلى أن الممثلات المغربيات يقبّلن أيضاً في الأفلام المغربية. في "ياسمين والرجال"، الممثلة الرئيسية تقبّل لأن النص يفرض عليها ذلك، والقبلة هي ذات معنى في سياق الفيلم، ولا تأتي في غير مكانها. في "حجاب الحب"، البطلان يقبّلان أحدهما الآخر، لأنه كان ينبغي إظهار هذا التناقض من الداخل. مع ذلك كله، أن يكون هناك ناس ضد هذا الشيء، فهذا يعني أننا نعيش في بلد حي. أحترم رأي الآخر، ما دامت المناقشة على مستوى معين. أما إذا تحولت المناقشة عنفا جسديا وابتزازا، فإننا نكون بذلك قد خرجنا على قواعد اللعبة. أحترم رأي الآخر، حتى لو كان هذا الآخر جاهلاً. المسألة بهذه البساطة: يجب منح هذا الآخر الثقافة المطلوبة. على الذي يعترض على شيء ما، أن يكون مطلعاً على هذا الشيء. كثر يعترضون على أفلام لم يشاهدوها. في إمكانك أن ترفض مشاهدة فيلم، لكنك لا تستطيع منع الآخرين من مشاهدته.
• أريد أن أسألك عن جانبك الشخصي. لا نعرف عنك الكثير...
- لم أحرص يوماً على أن تكون شخصيتي متلفعة بالسرّ. لا أحد يسألني، وأعتقد أن لا حاجة أصلاً إلى ذلك. أستطيع أن أقول إنني ولدت في طنجة، ثم غادرتها حين كنت في الخامسة عشرة. درستُ الفلسفة وعلّمتها في مرحلة لاحقة. في فترة من الفترات، عشت في بيروت التي كنت أعتبرها أجمل مدينة في العالم. ومن أكثر الأشياء التي لم أستوعبها في حياتي، كيف لناس يعيش البعض منهم على الرصيف المقابل للبعض الآخر أن يشهروا السلاح في وجوه بعضهم البعض. بيروت ما قبل الحرب كانت مدينة التسامح. إحدى روائع الإنسانية كانت العيش المشترك بين اللبنانيين. وذات يوم يأتيك خبر بأن هؤلاء الناس يتقاتلون بوحشية. لسنوات لم تطأ قدماي بيروت. لم أكن أريد رؤيتها مجدداً. ودامت هذه القطيعة حتى عام 2002. تجربة مثل تجربة الحرب اللبنانية تعلمك بألا تقول "لقد فهمت كل شي". حتى اليوم، هناك من يستفيض في شرح وقائع ما حصل خلال الحرب. أشبّه هؤلاء، بالمحللين الذين يفسرون عام 2006 ما حصل في عام 2000. ليس هذا ما نطلبه. هل هناك أحد كان استطاع أن يقول، في عام 1974، أن حرباً ستقع وهي لن تنتهي؟
• ألا تحنّ الى طفولتك في طنجة؟
- لا، لا أشعر بعاطفة تجاه الحجر. ارتباطي أكثر هو بالوجوه والأصدقاء. أتنقل مع العالم الذي في داخلي والفلسفة هي التي علّمتني هذا الشيء. الفلسفة والسينما تشاركتا في تأهيلي. عندما عبرنا في كتابات سبينوزا، وقابلنا هيغل، وطوّرنا سبل المعرفة مع نيتشه، وتعلمنا أسس تطبيق نظريات فرويد، وعدنا بعد هذا كله إلى النصوص التأسيسية للإسلام الحقيقي، ودائماً باتباع منطق المسافة، فهذا كله يجعل الإنسان أكثر تطوراً.
• قل لي، ماذا تفعل في أوقات الفراغ؟
- الوقت الفارغ أنتزعه. أقرأ كثيراً. أجالس الأصدقاء. برفقة زوجتي نعيش حياة زوجية حقيقية. ليست من النساء اللواتي ينزوين في مكان ما ويجعلن أزواجهن ينزوون بدورهم... أنا شمولي في التفاؤل وأؤمن بالحياة.
•••
• توقفت عن الكتابة. ألا تشتاق إليها؟
- الكتابة فعل حقيقي. لا نكتب ونحن ننتظر الأوتوبيس. لا أشتاق في الضرورة إلى الكتابة، لكن أعرف أنه سيأتي يوم أكتب فيه. في المقابل، أقرأ كثيراً. عام 2007، قررت أن أقرأ Les Rougon-Macquart الذي يتألف من 20 رواية كتبها إميل زولا. تطلّب مني قراءتها سنة كاملة. كان هذا شيئاً مدهشاً، إذ اكتشفت واحداً من أهم كتّاب العالم. أما السنة الماضية، فقرأت كل مؤلفات دوستويفسكي، وأدركت أن قراءة هذا الروائي بحسب تاريخ صدور مؤلفاته شيء يمكن أن يغيّر حياة إنسان. القراءة تحتاج إلى فكر تنظيمي. قبل الذهاب إلى المكتب صباحاً، فأنا أحتاج الى ساعة ونصف الساعة من القراءة المتواصلة.

• ما هي ملذات الحياة اليوم بالنسبة إليك؟
- أن أجالس صديقاً لتبادل وجهات النظر. هذا شيء لا يثمَّن. التقنية المثالية هي ألا تلتقي طوال الوقت أصدقاءك، بل أن تلتقيهم حين تشتهي ذلك. ألاحظ الآن وأنت تسألني هذا السؤال أنني لست شخصاً معقداً. عندي، أشياء بسيطة قد تشكل مصدر بهجة.
• هل المسؤولية الملقاة على كتفيك كبيرة إلى هذا الحدّ في ظل امتلاك سلطة كهذه؟
- بداية، يجب ألاّ نبالغ في امتلاكي السلطة. هناك مقولة فحواها أن "السلطة تبعث على الجنون والسلطة المطلقة تبعث على الجنون أكثر وأكثر". أنا قارئ نهم للفيلسوف كانط، وهو كان من الذين أثّروا فيَّ كثيراً عندما كنت أدرس الفلسفة. مع كانط يجري الكلام دائماً "عن" مكان ما. عندما يتكلم المرء، يُسأل: "من أي مكان تتكلم؟". إذاً، يتوقف الكلام على المكان الذي نتكلم منه. أنا أحاول مخاطبة الآخرين على قدم المساواة. أعرف أن هذا كله نسبي، ولا يبقى إلا حقيقة ما قررنا أن نفعله جماعياً. ولا يبقى إلا ما نتركه، أي القرارات التي نتخذها والتي لا مجال للعودة عنها، وأيضاً الأخطاء التي نرتكبها والنجاحات التي نحرزها. هذه هي الأشياء التي تبقى. ما إن تُعطى سلطةً ما، حتى تصبح التجربة قوية. كثيراً ما أتخذ قرارات، إما تنال الإعجاب وإما لا. نتيجة ذلك، تصبح، ولمرحلة من الزمن، رجلاً مكروهاً عند الذين لم تعجبهم قراراتك. اذا كنت تريد المحافظة على حسن علاقاتك مع الجميع، فالافضل الا تأخذ أي مسؤولية على عاتقك، وان تذهب للعيش في الصحراء، وهذا ليس ما أطمح اليه، كوني مناضلاً. نحن في المغرب نعمل وفق نظام "منح السلفة على الإيرادات"، هناك مثلاً 15 مشروعاً يجري تقديمها، نختار خمسة منها، والباقي يُلغى. هذا يعني أنني سأكون مكروهاَ لفترة معينة من جانب الذين رُفضت مشاريعهم، وهذه الفترة تتوقف بحسب ذكاء الشخص أو غبائه، فإذ كان غبياً فستطول الفترة، وإذا كان ذكياً فستقصر.

حاوره:هوفيك حبشيان