الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  نقد    
الإنتصار لبراءة الطفولة في فيلم"عقلتي على عادل؟"

  ملصق فيلم عقلتي على عادل؟   

يحكي فيلم "عقلتي على عادل؟" مسار وحياة عادل منذ الطفولة وحتى الشباب ، هوالذي ينشأ في حي شعبي بالدار البيضاء، مليئ بالحركة والهرج في كنف أب وأم لم يكونا يوما في وفاق تام ، أو على الأقل هذا ماتوحي به أحداث الفيلم، وما أن يصل عادل إلى سن الشباب حتى يقرر اللحاق بأخيه الأكبر المستقر بإيطاليا ، والذي تبدو عيله مظاهر الرفاه واليُسر، عند زياراته السنوية الصيفية للمغرب. لكن محاولات عادل للوصول إلى إيطاليا تفشل أول الأمر، وحينما يتمكن من الوصول إليها أخيرا لن يجد ماكان يتمناه ويتخيله من حياة الرفاهية والعيش الرغيد.
هذا هو ملخص حكاية فيلم "عقلتي على عادل؟"، لكن اختزال الفيلم في هذه الحكاية فقط ظلم له وإجحاف في حقه إذ أن السرد الفيلمي الجيد لزين الدين أضاف لهذه الحكاية وجعلها تحمل خطابا وأفكارا مبثوثة في ثناياها بفنية وذكاء.
فقد إنتهج محمد زين الدين في فيلمه "عقلتي على عادل؟" سردا يعتمد على الإستمرارية والقطيعة في نفس الآن، ليختتم في الأخير بشكل دائري يضم كل أحداث الفيلم في دائرة تحيل على أن ماجرى يتواصل ويتكرر باستمرار..
ويمكن لنا أن نفرق في فيلم "واش عقلتي على عادل؟" بين جزءين مختلفين وكأننا أمام فيلمين في واحد ، الجزء المصور في المغرب والآخر المصور في إيطاليا. فليست الفضاءات فقط هي المختلفة لكن طريقة التصوير أيضا ،..إذ أن الجزء المصور في إيطاليا صور بطريقة "ستيدي كام"*، وهكذا جاءت المشاهد المصورة هناك منسابة وسلسة تتماشى مع أسلوب الحياة الأوروبي. في حين أن حركة الكاميرا كانت في الجزء المصور بالمغرب أكثر عصبية، إذ كانت كل المشاهد مصورة بكاميرا محمولة على الكتف لتنقل ذلك القلق الذي ينتاب الشخصوص  في وطنها الأم. ولو لم تكن تلك الطريقة وذلك الشكل الدائري الذي تحدثنا عنه الذي يجمع جزأي الفيلم لظهرا وكأنهما متنافران...
بالفيلم  بياضات ونوعا من القفزات على أحداث بعينها  خصوصا مابين لحظات طفولة  ونضج ورجولة وشباب عادل ، إذ بعد أن يُعرفنا المخرج ببعض هذه اللحظات في الطفولة -التي يمتزج فيها الشغب الطفولي بلعبه ومرحه مع إشارة إلى نوع من عدم الإستقرار في حياة عادل الأسرية كون أبيه سكيرا مدمنا وكون الخلاف المستمر الذي يصل إلى حد القطيعة بين الأم والأب- نجده (المخرج) ينتقل بنا فجأة إلى مشهد لعادل وهو شاب وقد عاد من رحلة سريعة وفاشلة كاد أن يصل عبرها إلى إيطاليا، ليلتقي بعد ذلك بصديقه الذي يأويه لليلة واحدة في محل أخيه السلفي بائع الدجاج...
ثم بعد ذلك هناك قفزة أو بياض آخر في السرد الفيلمي، حيث نجد عادل وقد استقر بإيطاليا مع أخيه الذي أنهكه المرض   بعد أن كنا قد رأيناه متمتعا بصحته في المغرب. لكن زين الدين يكون قد مهد لهذا المرض بإشارات أوحت للمشاهد أن لديه ميولات جنسية مختلفة. 
وقد جاءت هذه البياضات مقصودة من طرف المخرج، إحتراما لذكاء المشاهد ، وحتى يترك له نوعا من الحرية ليتفاعل ويتحاور مع أحداث وأسلوب وشخصيات الفيلم و "يصنع" أو يكمل  "فيلمه" الخاص في ذهنه بعد عملية المشاهدة.
وينتهي الفيلم بشكل دائري من نفس النقطة والفضاء الذي إنطلق منهما، حيث يلتجأ صديق عادل هربا من جحيم المدينة وقسوتها إلى فضاء البراءة الأول، لنرى على مقربة منه أطفالا آخرين في نفس ذلك الشاطىء الذي انطلق منه عادل وصديقه وهم يلعبون في نفس المكان الذي تُخلط فيه الألوان التي مازالت على طبيعتها الأولى ولم تُلوث بعد برمادية المجتمع القابع والمتربص ببراءتها ونصاعتها خلف الأسوار، وحيث  الألوان مازالت على طبيعتها لم تُلوث بعد، وكأنه يريد أن يوحي لنا بأنه المصير نفسه الذي ينتظرهم. هي مرحلة الطفولة التي يبدأ بها المخرج فيلمه ، ليعود إليها في الأخير، والتي تظل بالمناسبة مفتوحة ومتكررة في دائريتها، والأطفال يصعدون نفس الأدراج ليعلن جينريك النهاية في نفس الآن إنتهاء الفيلم واستمرارية مايحدث إلى مالا نهاية.
وكأن زين الدين في فيلمه هذا لا يكتفي فقط بالإشارة إلى مكمن الداء بل يحاول التلميح بفنية عالية ودون إطناب في الصورة أو في الحوار بخطابات زاعقة،  إلى أن إصلاح المجتمع يبدأ من الأساس ومنذ الطفولة التي يجب أن تُترك محتفظة بألوانها الناصعة ، لتؤسس لإنسان سوي وبناء لنفسه ولمجتمعه . وحتى عملية خلط هذه الألوان (التربية) يجب أن تتم بحذر حتى تنتج عنها ألوان أخرى أكثر نصاعة وجمالا في المستقبل..
لكن تظل الملاحظة الوحيدة التي يمكن الإشارة إليها في فيلم "عقلتي على عادل؟"، هي المتعلقة بتلك الصورة الكاريكاتورية التي ظهرت  بها شخصية السلفي أخ صديق عادل، ويبدو أن مثل هذه الصور الكاريكاتورية والسطحية مازالت تعم الكثير من الأفلام المغربية التي تحاول الإقتراب من شخصية "الإسلامي المتطرف" ونقدها دون أن تحاول فهمها والغوص في نفسيتها ومعرفة الأسباب الإجتماعية والنفسية المكونة لها والتي دفعتها لتصير على ماهي عليه...
على العموم، فبفيلم محمد زين الدين الثاني هذا بعد "يقظة" تكون السينما المغربية قد  ربحت تجربة أخرى مهمة من ضمن تجارب أخرى ستُغني مسار هذه السينما.

هامش:
*طريقة التصوير"ستيدي كام": هي التي تكون فيها الكاميرا محمولة بجهاز مربوط بجسد المصور فأينما إلتفت أو تحرك ، تلتفت وتتحرك معه الكاميرا. وقد إستُعملت هذه الطريقة لأول مرة في فيلم "إشراق" لستانلي كوبريك سنة 1980.
عبد الكريم واكريم