الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  مشهد رئيسي    
قراءة في أفلام الدورة 14 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة

  عبد الكريم واكريم   

انتهت الدورة 14 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة بتوزيع الجوائز على الأفلام الفائزة والتي تظل معبرة على رأي لجنة التحكيم، وقد يتفق معها بعض المهتمين والسينفيليين والنقاد كما قد يختلف معها آخرون.
وقد كان من أبرز الملاحظات على هذه الدورة أن بعض الأفلام كانت ذات طابع تلفزيوني صرف ولا ترقى إلى كونها أفلاما سينمائية، ك "الفردي"  لرؤوف الصباحي، و "خارج التغطية" لنورالدين دوكنة، و" "حياة الآخرين" لبشرى بلواد...إضافة إلى أن أغلب الأفلام المشاركة كانت الأولى لمخرجيها، إذ أن 11 من أصل 21 فيلما كانت كذلك. ومن أصل  هذه الأفلام الإحدى عشر الطويلة الأولى لم نكتشف مخرجين متميزين كثر كما كان  عليه الحال مع جيل فوزي بن سعيدي والآخرين الذين لديهم رؤية فكرية وجمالية ومشروع سينمائي يشتغلون عليه. لكن من ضمن هؤلاء المخرجين الجدد يمكن استثناء عبد السلام الكلاعي بفيلمه "ملاك" و كمال الموحاطي بفيلمه "خويا" ومحمد العبودي بفيلمه "نساء بدون هوية" ، أما الباقي فرغم أن أغلبهم متمكن من الجانب التقني أو يكاد إلا أنهم يفتقدون الرؤية الفنية والجمالية التي يمتلكها الجيل السابق لهم من المخرجين المغاربة ، كفوزي بن سعيدي وداوود ولاد السيد ونبيل عيوش ونور الدين لخماري و حكيم بلعباس و محمد مفتكر وهشام العسري*...


فيلم "زيرو"..محاولة للرقي بالفيلم الجماهير دون التنازل جماليا  


فيلم "زيرو" الفائز بخمس جوائز من ضمنها الجائزة الكبرى لهذه الدورة كان من بين الأفلام المرشحة للفوز بإحدى الجوائز  خصوصا المتعلقة بالتمثيل أو إحدى الجوانب التقنية كالتصوير مثلا، رغم أن فيلمين أو ثلاثة أفلام أخرى كانت تنافسه وربما كانت تبدو أكثر حظا للفوز بالجائزة الكبرى كفيلم "محاولة فاشلة لتعريف الحب" بحكم أنه الفيلم الأكثر سينفيلية وتكاملا من الجانبين التقني والفني من ضمن الأفلام المشاركة. لكن يبدو أن نور الدين لخماري قد وجد أسلوبه في فيلميه الأخيرين "كازا نيكرا" و"زيرو" خصوصا من ناحية الاشتغال على الشخصيات التي تبدو أكثر إنسانية، رغم أنها ليست كلها شخصيات سوية وكونها شخصيات مركبة تتراوح تركيبتها بين الخير والشر وتظل أغلب الأحيان في اللون الرمادي دون السقوط في النمطية الفجة... وهنا نستحضر تلك الشخصية التي أداها بن براهيم في "كازا نيكرا" والشخصية الأخرى التي أداها داداس في "زيرو"، فرغم كونهما شخصيتين غير سويتين إلا أنهما ظلتا محافظتين على الجانب الإنساني فيهما الذي يطفو بين الحين والآخر...
إضافة لهذا يمكن القول  أن مخرج فيلم "زيرو" أصبح متمكنا إلى درجة جيدة في إدارة ممثليه الأمر الذي مازلنا نجده غير متوفر في كثير من الأفلام المغربية ..فنورالدين لخماري يدير ممثليه بشكل جيد، فهو مخرج يحب ممثليه وشخوصه ، خصوصا شخصياته الأنثوية التي نجدها خصوصا في كازا نيكرا" و"زيرو" تمتلك نوعا من النضج الذي ينعدم في الشخوص الذكورية، الغير متوازنة عاطفيا و التي تفتقد في أغلب الأحيان للحنان الذي تبحث عنه عند هاته الشخصيات النسوية الأكبر منهم سنا.
وإضافة لكل هذا يبدو نور الدين لخماري الآن المخرج المغربي الوحيد ربما الذي يستطيع معرفة متطلبات "الجمهور" (نوع من الجمهور طبعا) ، دون أن ينزل من مستواه الفني كثيرا ، فبعد فيلم "النظرة" الذي لم يكن مقنعا  فنيا رغم نوع من الطموح الجمالي فيما يخص الاشتغال على  الصورة ، ورغم أنه كان جيدا من الناحية التقنية ، إضافة إلى أنه لم ينل حظوة جماهيرية، جاء فيلما "كازا نيكرا" و"زيرو" كنقلة نوعية في مسار نور الدين لخماري، استطاع من خلالها النزول لتناول هموم طبقة مسحوقة من المجتمع المغربي بنوع من "الجرأة" تغيب ربما عند العديد من المخرجين المغاربة. لكن الذي يمكن أن يلاحظ على هذين الفيلمين أنهما ، رغم ذلك الطموح القوي في الاشتغال على الشخصيات كما نجد مثلا عند سكورسيزي أو بيرغمان مع بعض التحفظ على هذا الأخير،  رغم أن لخماري يُصر على كونه من ضمن مرجعياتيه السينمائية، إلا أن هذا الأخير لم يستطع بعدُ في كلا الفيلمين وخصوصا في "زيرو" الذهاب عميقا مع الشخصية الرئيسية حتى حدودها القصوى ، وذلك بالغوص  في أبعادها النفسية من خلال تبني وجهة نظرها، بحيث لا يصبح  بينها وبين المشاهد حجاب. إذ الملاحظ أن شخصية "زيرو" حتى ولو أنها تكاد تتجاوز تلك الشخصيات الكارطونية التي نشاهدها في بعض الأفلام الأمريكية إلا أننا لا نستطيع أن نذهب معها أبعد من ذلك متجاوزين عتبة الظاهر إلى الغوص في الأعماق كما في الشخوص البيرغمانية على سبيل المثال ...  وكأننا بها كتبت بسرعة وبدون روية ولا غوص في أعماقها قد يجعلها أكثر مصداقية، ويجعل الفيلم -ربما- أجمل وأكثر تأثيرا ودواما، لكي يظل ويعيش وفي الزمن ولا يبقى كتلك الأكلة السريعة التي نتناولها لنشعر بعدها سريعا بالجوع مرة أخرى. ففيلم"زيرو" رغم كل الاشتغال الجيد على الفضاء والصورة والمونطاج لا يخلق فينا تلك الرغبة التي تعترينا أمام نوعية خاصة من الأفلام تجعلنا نرغب في مشاهدتها وإعادة مشاهدتها باستمرار مرة تلو الأخرى...
بفيلم "زيرو"  يدخل ضمن ثلاثية الدار البيضاء التي ابتدأها لخماري بفيلم "كازا نيكرا" وسينهيها بفيلم ثالث يشتغل عليه حاليا، ليذهب في نفس الأسلوب البصري والفني للفيلم الأول ، والذي يختلف عن أسلوبه في فيلمه الطويل الأول "نظرة" . و تحضر الدار البيضاء في "زيرو"  كما حضرت في "كازا نيكرا" وفي إطار مقومات الفيلم الأسود   le film noir بيليلها المليء بالمخاطر وبمهمشيها  الذين كانوا هم  أبطال "كازا نيكرا"، وسلموا مقدمة المشهد هنا لشخصية أرقى منهم اجتماعيا، رغم أنها تظل في إطار نفس الطبقة. إذ تحضر هنا كل مقومات الفيلم الأسود من تركيز على الظل والإظلام واستخدام للإنارة بشكل مقتصد واختيار لشخوص "سوداء" ذات مصير محتوم يدفعها بالتدرج نحو الهاوية المحتومة.. 

"غضب" و"القمر الحمر" تيمات تاريخية وأخطاء في "الراكور"
مشكل كبير أصبح متجاوزا في السينماءات العالمية حتى تلك التي ندعي أننا قد تجاوزناها فنيا وسينمائيا، وهي المتعلقة بتناول مواضيع تاريخية سينمائيا، الأمر الذي يفضح القصور الكبير الذي يبين عنه المخرجون المغاربة الذين يتصدون لهذا الجانب.. وفي هذا السياق ليس فقط في الوقوع في أخطاء تقنية كالجمع والتسلسل والتتابع بين اللقطات (الراكور) ، بحيث تجد الشخصية وقد مر عليها دهر من الزمن ولم تظهر عليها علامات التقدم في السن ، أومازالت ترتدي نفس اللباس ومازال شعرها مقصوصا ومصفوفا  كما كان عليه منذ عشرين سنة ، ناهيك عن ظهور لأعمدة الكهرباء  ولوحات إشهارية حديثة في عمق وخلفية المشاهد واللقطات، وتواجد إكسيسوارات وديكورات حديثة لم تكن حتما متواجدة في الفترة التاريخية التي يتناولها الفيلم.  كل هذه الأمور جعلت فيلمين شاركا في المسابقة الرسمية لهذه الدورة هما "غضب" لمحمد زين الدين و"القمر الأحمر" لحسن بن جلون يفقدان الكثير من مصداقيتهما هذا قبل الحديث عن أمور فنية أخرى تتعلق بالسرد الفيلمي والرؤية الإخراجية...


"محاولة فاشلة لتعريف الحب" لبنة أخرى في مسار مخرج صاحب مشروع سينمائي
إذا كانت هناك العديد من الأفلام ذات طابع تلفزيوني خلال هذه الدورة فإن المفارقة جعلت أحد أفضل الأفلام السينمائية المعروضة خلالها، وهو "محاولة فاشلة لتعريف الحب ، من إنتاج تلفزي! .. وهو فيلم آخر لحكيم بلعباس يواصل به مساره ، وهو يحمل نفس الرؤية التي نجدها في أفلامه السابقة ، إذ نجد نوعا من الذهاب والإياب الملتبس بين الروائي والوثائقي بكل ما بينهما من اختلاف ، فمن من نوع من وثوقية فيما نراه في اللحظات ذات الطابع الوثائقي إلى كل الذي يتيحه الروائي- التخييلي من شك وإيهام بالواقع يترك  المتلقي بعد الإنتهاء من مشاهدة الفيلم معلقا بين الشك واليقين، وكأن بالمخرج يُهدي إلينا كمشاهدين هواجسه الإيمانية و الوجودية المتأرجحة بين القبول بالقدر ومساءلته ... ولخدمة هذا المنهج السردي يختار بلعباس دائما اللعب مع وبممثلين محترفين مقابل آخرين هواة أو غير ممثلين بالمرة.
قد أختلف كليا مع الذين يذهبون في تحليلهم لفيلم "محاولة فاشلة لتعريف الحب" لحكيم بلعباس ولأفلامه الأخرى مَذهَبَ أنه يعيد إخراج نفس الفيلم كل مرة... فهو في كل فيلم له ينتقل إلى مستوى آخر من التناول وإلى تيمة أخرى مغايرة دون أن يفقد ذلك الأسلوب الذي يُتقنه والذي يجعله ينتقل بكل سلاسة بين جنسين أو نوعين سينمائيين (الوثائقي والتخييلي)، ويمزج بينهما ليعطينا عملا سينمائيا يَنضَحُ إنسانية وجمالا وحبا، وكل هذا واضح في فيلمه الأخير "محاولة فاشلة لتعريف الحب"، الذي كان محاولة ناجحة لصنع فيلم سينفيلي يصل إلى عقول السينفيليين وقلوبهم على السواء.
وعلى العموم فليس للمخرج أن يهتم بأن يفهم كل الناس أفلامه ، ثم من قال أن هناك نوعان من الأفلام : نوع للنخبة والمهرجانات ونوع آخر للجمهور الواسع..


فيلم "ملاك" بين الفني والاجتماعي...


لم يفاجئ الكلاعي المتتبعين ضمن الدورة 14 للمهرجان الوطني للفيلم  بفيلمه "ملاك"  إذ أن أفلامه القصيرة والتلفزيونية كانت تُنبأ عن مخرج قادم بقوة للمشهد السينمائي المغربي.
فالفيلم الروائي الطويل الأول لعبد السلام الكلاعي "ملاك"، كان من بين الأفلام المحترمة فنيا. إذ أن الكلاعي حاول مقاربة تيمة القاصرات المغرر بهن ، واللواتي يُشرفن على ولوج مرحلة الأمهات العازبات، بطريقة ميكروسكوبية وبخبرة فاعل جمعوي سابق اطلع على مشاكل هاته العينة من النساء والفتيات عن قرب ، وإذا تركنا الجانب التيماتيكي جانبا وحاولنا النظر للفيلم شكليا وجماليا سنجد أن الكلاعي أصر على إخراج فيلم سينمائي تحضر فيه المرجعيات السينمائية بقوة عكس العديد من الأفلام المعروضة خلال هذه الدورة والتي كانت أفلاما تلفزيونية بطريقة تناولها وبأشكالها البدائية الفجة والتي تخاطب جمهورا بسيطا مكونا من ربات البيوت والأطفال والشباب ...فقد وظف الكلاعي الصورة بشكل جيد وجاءت الألوان معبرة عن مشاعر الشخصية الرئيسية (ملاك)، وزوايا التصوير وحركات الكاميرا خادمة لوجهة نظرها التي كانت بالتالي تخدم نظرة المخرج الفاحصة والفاضحة لعيوب مجتمع نسي طبقة مهمشة سقطت منه في الطريق نحو عولمة مصطنعة...
ورغم أننا نعرف مصير "ملاك" منذ البداية، إذ أننا نراها وهي تتألم متسكعة في شوارع طنجة الليلية وقد جاءتها آلام الطلق، إلا أن المخرج يعود بنا  في "فلاش باك" طويل يشمل الفيلم كله لكي نعرف كيف وصلت هذه الطفلة البريئة إلى تلك الحالة المزرية. وقد زاد هذا الخيار السردي من قوة الفيلم بحيث أن المخرج اختار أسلوب : "كيف ولماذا حصل لها كل هذا؟"،  مفضلا إياه على سؤال"ماذا سيحصل لها (الشخصية الرئيسية) ؟ "..لنتابع معها بعد ذلك هروبها راجية الخلاص ، لكن عوض الصعود إليه تهوي إلى القاع بالتدريج، نحو الهاوية.
مع فيلم "ملاك " يمكن القول أن الكلاعي استطاع تحقيق تلك المعادلة الصعبة بتناوله لتيمة تجد لها جذورا قوية في الواقع لكن دون الإصرار على استنساخ هذا الواقع كما هو، بل بمحاولة إعادة إنتاجه فنيا، الأمر الذي قد يعطينا كمشاهدين تلك المتعة التي نجدها في أفلام سينمائة مهمة.

"أغرابو" نقلة في "السينما الأمازيغية"


فيلم "أغرابو" لأحماد بايدو الناطق بالأمازيغية يمكن اعتباره نقلة نوعية فيما يسمى ب"السينما الأمازيغية" ..إذ رغم طابعه التلفزيوني فإن المخرج اجتهد كثيرا في الجوانب الجمالية خصوصا فيما يتعلق بالصورة واللعب بالألوان إضافة للإدارة الجيدة للممثلين، الأمور التي كانت تنقص الأفلام الناطقة بالأمازيغية والتي كانت أغلبها عبارة عن اسكتشات متتالية لا رابط بينها، ولا نجد بها أدنى مقومات العمل السينمائي.

*ليس للسن هنا أي دور أو معنى، لكن فقط التجربة، وكون هؤلاء أنجزوا أفلامهم الأولى قبل الآخرين، أي أنهم ليسوا جيلا بالمعنى العمري بما أن بعض من تلوهم هم أكبر منهم سنا..
عبد الكريم واكريم