الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  نقد    
فيلم "زيرو" واقعية مفرطة وحوار لا يصنع الفرق*

  ملصق فيلم   

   يبصق الأبُ على وجه ابنه ويشتمه بكل الفحش الممكن فيضحك الجمهور. بسبب هذا ركزت وسائل الإعلام على لغة الحوار في فيلم "الزيرو" للمخرج المغربي نور الدين الخماري. عرض الفيلم في مهرجان مراكش الدولي دجنبر 2012. لم يحصل على أية جائزة. وتوج الفيلم في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة فبراير 2013. حينها علا صوت الغاضبين من المعجم الجنسي وطالبوا بأفلام نظيفة و"نافعة". في رده سخر المخرج من الرجعيين. 
ما أزعجني في الحوار ليس معجم الجنس. بل كونه حوارا نمطيا مستهلكا. في إخراج الخماري نتحسس عمل الكاميرا بسهولة. على صعيد الكادراج تتتابع لقطات تقتنص كتفي الممثل ورأسه. يتكرر وضع الضوء في مواجهة الكاميرا بدل أن يكون في صفها، هناك الكثير من لقطات فيرتيغو، على اسم فيلم ألفريد هتشكوك. وفي هذه اللقطة تقوم الكاميرا بترافلينغ للخلف مع زوم للأمام، فيبدو الديكور خلف الشخصية كأنه يقترب من المتفرج. الهدف الدلالي من هذه الحيلة البصرية هو نقل الإحساس بالدوار، بالغثيان من الشخصية إلى المتفرج. 
على صعيد السرد الفيلمي نرى "الزيرو"، الشرطي الذي يحمل الفيلم اسمه جالسا على كرسي خاص بالمقعدين وينظر للجدار، يستريح من تنظيف الغرفة التي سكنها والده. قصة كلها فلاش باك. تمشي للخلف. قصة سوداوية عن المهمشين صُوّرت ليلا في الشوارع القذرة للدار البيضاء. بطلها شرطي فاسد. يمر على تجار المخدرات والخمور السريين لتحصيل الإتاوات. يستخدم صديقته العاهرة طُعما لابتزاز زبنائها من الأغنياء.
هذه وضعية عرفناها في العشر دقائق الأولى. بعد ذلك لا يحس المتفرج أن هناك تطورا يحصل في الأحداث أو في مزاج الشخصية. لتطويل الفيلم أدخل السيناريست (وهو نفسه المخرج كما في جل الأفلام المغربية) شخصيات ليست من صلب الحدث الرئيسي. نتتبع ربيرتوار شخصيات يلتقي بها الزيرو في طريقه: مشردون. جريح ضربته زوجته ويكرر "ما كاين غير الحب". عاهرة في حانة تكرر "تلاح". سكير يردد "الله يلعن بو العالم". طبيبة جميلة بحاجة إلى رجل. امرأة تائهة. شرطي متقاعد. شخصيات نمطية، من كثرتها جاءت ضبابية سطحية بلا تفاصيل.
ما الخيط الناظم بين هذه الشخصيات؟  الصدفة.
في المناقشات الشفوية التي تلت عرض الفيلم تحدث الكثيرون عن تكرار خطاطة "طاكسي درايفر" 1976 لمارتن سكورسيزي.. وفي هذا الفيلم يقرر ترافيس (روبير دونيرو) الذي يعاني من الأرق العمل سائقا ليليا. أرهقه الروتين ويتمنى هطول المطر لغسل حثالة وقاذورات المدينة نيويورك. تعرف على المراهقة إريس (جودي فورستر) وعظها لتترك الدعارة، رفضت، في النهاية قرر إنقاذها، هاجم ماخورا وهو مسلح. 
الزيرو أيضا يتسكع ليلا بقنينة ويسكي ثم يهاجم ماخور، لكن بلا دوافع. فالزيرو شرطيا يزيد دخله عن 700 دولار شهريا، يتاجر في صديقته. يجلب عاهرة لوالده. فكيف له أن يدافع فجأة عن العفة؟ هنا يظهر أنه لا سيطرة للسيناريست على هوية الشخصية. وقد انعكس الارتباك في هوية الشخصية على أداء الممثل.
في الفيلم تصوير سطحي تبسيطي للواقع بحوار استهلك وكأن الألفاظ الجنسية تصنع الفرق. وقد كان الهدف من تنميط الشخصيات هو إضحاك الجمهور.  
للتذكير، الفن هو مختبر لمقاربة الواقع. يتسلم الفنان الوقائع مادة خام ويصهرها ليصنع منها تحفة مصقولة. والنار الإبداعية التي تصهر الواقع الخام هي الثقافة العميقة والخيال الواسع. في غياب هذين تكون القصص بئيسة. نور الدين الخماري ليس قصاصا وكتب القصة والسيناريو. يمكن تعلم كتابة السيناريو. لكن لا يمكن تعلم القص. فهذه ملكة تنمو وتتطور في زمن طويل. وهذه وجهة نظر غابريل غارسيا ماركيز في كتابه "ورشة سيناريو".

*مقطع من مقال مطول سيصدر قريبا ضمن كتاب "تشريح الفيلم المغربي: الكاميرا لا تغض البصر"
محمد بنعزيز