الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  بين قوسين    
من النص إلى الصورة

  عز الدين الوافي   



  ظل المشكل في الإقتباس هو مدى قابلية الروايات للتحويل إلى أفلام ، وبالتالي برزت العديد من القضايا:
- أولا، عدم قدرة الفيلم على نقل الألوان كمؤشرات بصرية ذات تأثير على الأحاسيس وخلق تقابلات من خلال شريط بالأبيض والأسود.
- ثانيا، لكون الرواية قائمة على بعد ذهني يتطلب شبكة من الخبرات في تحويل الدوال إلى مدلولات ، وبالتالي فكيفية استقبالها من طرف جهاز الدماغ للقارئ تختلف عن تعامله مع خطاب الصور والضوء ومع كائنات تتحرك أمامه وتنفذ إلى وجدانه صوتا وصورة حيث يتكلف الفيلم بنقل المقابل البصري للكلمات إلى صور وما على العين إلا أن تتعرف عليها فقط لتدرك المعنى وربطه بما فات وما هو قادم.
-ثالثا، تتمتع الرواية بالزمن الكافي لتقديم الأمكنة ووصفها وبسط الشخصيات والغوص في أفكارها بواسطة أسلوب أدبي يستعمل كل المحسنات البلاغية والصور المجازية في نقل المشاعر وتقريب الأحاسيس .
-رابعا، ليس أمام الفيلم سوى زمن المشاهدة باستثناء شرائط الديفي دي المنزلية التي غيرت مفهوم القراءة الفيلمية وحولتها إلى تمرين على القراءة حسب الوقت والرغبة والمال.
-خامسا، تشتغل الرواية بالكلمات والجمل وعلامات التنقيط وعلامات أخرى للتعبير عن وضعيات تواصلية كالتعجب والتساؤل والإشارة وغيرها بمستويات متراوحة بين ما هو صوتي، ونحوي ، تركيبي، ودلالي، ومعجمي.
-سادسا، ليست السينما بحاجة لكل الكلمات المجردة والأفكار المستعصية على الإظهار لأنها فن الاختصار والانتقاء لما يناسب طريقتها في العرض ، والاقتصاد في الإمكانيات وفي التعامل مع النص بعيدا عن كل الإطناب والحشو اللغوي الذي لا يؤدي وظيفة محددة، والإدماج بامتياز كالاستغناء عن بعض الشخصيات التي لا تغير إن حذفت من النص شيئا ذا قيمة أو دمج شخصيتين في واحدة .
-سابعا، تمتد الرواية على محاور الوصف والسرد الأولى باعتبارها تقريبا بصريا للأشخاص والأشياء والعالم المرئي والثانية باعتباره تقريبا لأزمنة تتناوب عليها الأحداث وتتعاقب لخلق حكاية موزعة على صفحات الورق.
-ثامنا ، تشتغل الرواية على شساعة التخييل ومنح الحق في التصوير الإستيهامي، وبالتالي على ترك مساحات الزمان والمكان شبه فارغة علما بكون اللغة عاجزة أحيانا عن نقل اللامدرك.
-تاسعا،الفيلم ليس بحاجة للوصف لأنه يقدم المكان والعالم مرئيا فلا نحتاج للكلمات حتى تخرجه للوجود، أما السرد فقد يتباه راو عبر صوت المعلق أو الكاميرا في حركات الانتقال أو المونتاج للسير بالسرد أماما أو إلى الخلف.
-عاشرا،الحوار في اللغة المقروءة ليس هو الحوار في الفيلم لكونه يعبر من خلال النبرة ووضعية الأطراف وكيفية النطق والإيماءات أو ما يعرف بلغة الجسد .

-إحدى عشر،في السينما عادة لسنا في حاجة للراوي كي يعلق أو يخبرنا عن الممثل فهذا الأخير يقدم نفسه من خلال ما يفعل ما يقول، أوما يقال عنه.الراوي في الفيلم قد يصبح معادلا سرديا بوظيفتين النقل والسرد محل عين الكاميرا التي ستتكلف بهاتين المهمتين.
-إثنا عشر،إن انتقال الوصف من الكرسي مثلا إلى الغرفة يمر عبر الترافلينغ إلى الخلف أو العكس وأن اختيار مساحات وفضاءات الوصف أفقيا عموديا أو على مستوى العمق يمر عبر كادر اللقطة وعمق المجال، ليتم اختيار ماذا نظهر وماذا نخفي أو ما نوضح وما نبهم.
-ثلاثة عشر،مشاهد الحوار تمرر عبر لقطات متوسطة ,أما تعابير الوجوه فعبر اللقطات الكبيرة للدلالة على المعاني النفسية، أما الوصف المشهدي للأماكن العامة فيكون عادة عبر اللقطات الواسعة.
-أربعة عشر،تعمل لقطات الفيلم طوال مشاهده على تحديد الملامح الفيزيولوجية للشخصيات، واختيار شكل الديكور ونوعية الملابس من قبل المدير الفني ،كما تعمل كل من الموسيقى والإنارة على تحديد الجو الوجداني للتمثيل، في حين تترك الرواية للقارئ أن يقوم بهذا العمل كله.
مقترحة عليه بعض التلميحات التي تعمل الذاكرة البصرية لكل قارئ على حدة بملئها وفق تجربته.


 

عز الدين الوافي