الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  رؤى نقدية    
شخصية المرأة المهاجرة في السينما المغربية

  مصطفى الطالب   

   شكل موضوع الهجرة سواء الداخلية أو الخارجية إحدى المواضيع الرئيسية التي اشتغل عليها المخرجون المغاربة، منذ سبعينيات القرن الماضي إلى اليوم، بغض النظر عن نجاح المعالجة الفنية أو فشلها. وهكذا ففي أواخر الستينيات ثم السبعينيات إلى غاية الثمانينات من القرن الماضي، سلطت السينما المغربية  الضوء على الهجرة القروية وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية على المجتمع وعلى الفرد المهاجر في تفاعله  مع الحياة الجديدة في المدينة، التي مثلت الإلدورادو بالنسبة إليه. وقد تجلى ذلك في عدة أفلام مثل "الحياة كفاح" (1968) للمخرجين محمد التازي بن عبد الواحد وأحمد المسناوي، و "شمس الربيع" (1969) لمخرجه لطيف لحلو، حيث كانت بداية الممثل حميدو بنمسعود، وكذلك شريط "الشركي أو الصمت العنيف" (1975) لمومن السميحي، أو شريط "رماد الزريبة" (1977) لمجموعة من المخرجين المغاربة كسعد الشرايبي ومصطفى الدرقاوي و المرحوم محمد الركاب الذي وقع شريطا يحمل نفس التيمة وهو "حلاق درب الفقراء" (1982). إضافة إلى الشريط المتميز "السراب" (1980) للراحل أحمد البوعناني حيث المقارنة بين القرية والمدينة في زمن الاحتلال الفرنسي.
   مع مطلع التسعينيات و بداية الألفية الثالثة، ستتحول صورة الإلدورادو من المدينة إلى أوربا لتصبح قوارب الهجرة السرية مؤثثة للفضاء  المحكي و الموصوف في العديد من الأشرطة السينمائية المغربية، مثل "البحث عن زوج امرأتي" أو" للاحبي" (1993) للمخرج عبد الرحمان التازي، و شريط "خيول الحظ" لجيلالي فرحاتي(1995)، و شريط "جنة الفقراء" لإيمان المصباحي (2002)،  و شريط  "وبعد" لمحمد إسماعيل (2002)، الذي يعود بفيلم آخر في نفس الموضوع لكن بشكل مغاير وهو " هنا ولهيه" (2004)،   ثم شريط "الراكد" لياسمين قصاري (2004). وأخيرا فيلم "المنسيون" (2011) للمخرج حسن بنجلون الذي تطرق إلى موضوع هام له علاقة بالهجرة السرية و يعد من الطابوهات في مجتمعنا، ألا وهو شبكات الدعارة العالمية التي تتصيد المهاجرات إلى أوروبا. وهذه معاناة أخرى تنضاف إلى المعانات التي يعيشها المهاجرون في أوروبا.
  لكن ما الموقع الذي تحتله المرأة المهاجرة في السينما المغربية؟ كيف تعاملت السينما المغربية  مع المرأة  المغربية المهاجرة؟ أية  صورة تقدمها عنها للجمهور؟ هل هي صورة نمطية أو واقعية؟ وهل هناك فرق في التعامل مع الموضوع بين النظرة الإخراجية الذكورية والنظرة الإخراجية الأنثوية؟ هل هناك فرق بين المخرج المغربي القاطن  في المغرب والمخرج المغربي المقيم في المهجر في التعاطي مع تيمة المرأة المهاجرة؟
 
   قبل الإجابة عن هذه الأسئلة لابد من الإشارة إلى أنه مقارنة مع السينما، فإن  الأدب المغربي (الرواية بالأخص) وخاصة المكتوب باللغة الفرنسية جعل من المرأة المهاجرة إحدى شخصياته الرئيسية، حيث سلط الضوء على حياتها وكينونتها قبل وبعد الهجرة، وانعكاس هذه الأخيرة على فكرها وتصورها لوضعيتها.
أما على المستوى السينمائي، فإن شخصية الرجل المهاجر هي الطاغية على جل الأفلام المغربية التي جعلت من الهجرة موضوع قصتها. وبالتالي قلة هي الأفلام التي أعطت الدور الرئيسي للمرأة المهاجرة، ومن غير أن ترتبط في ذلك بالرجل.  قد يكون هذا الآمر راجعا لهيمنة المخرجين الرجال على السينما في المغرب وحتى في العالم العربي ككل. ورغم قلتها فإن تلك الأفلام لم تخلُ من عمق فكري ومعالجة فنية متميزة لسيكولوجية المرأة المهاجرة.
    ويمكن اعتبار شريط "باب السماء مفتوح" (1987) لفريدة بليزيد العمل الرئيسي و الأول الذي تطرق لشخصية المرأة المهاجرة وعودتها إلى بلدها الأصلي، مبرزا ذلك الحنين إلى الجذور العائلية والثقافية والروحية من خلال قصة "نادية" ، الشابة المغربية المهاجرة التي ستعود من باريس لرؤية والدها في فاس وهو يحتضر. نادية  ستلتقي بامرأة أخرى ذات عمق صوفي قوي ، وستتأثر كثيرا بها ، وهو التأثير الذي سيدفعها في الأخير لتحويل بيت والدها الكبير الذي كان ينوي كل من أخيها وأختها بيعه ، إلى مأوى للنساء المعدمات . هذا التركيز على البعد الروحي في الفيلم الذي تميز بإيقاع هادئ عكس روح البطلة، يمكن تفسيره بكون أن نادية في بلاد المهجر كانت تعيش فراغا روحيا فرضه نمط العيش هناك. كما يجسد تصالحها مع جذورها. 
وهذه المقارنة بين البلد الأصلي والبلد المضيف، و بين الموروث القيمي والاجتماعي الأصلي للمرأة المغربية المهاجرة، و الإرث الثقافي الجديد، هذه المقارنة  هي التي تشكل العمود الفقري لجل سيناريوهات الأفلام التي انكبت على شخصية المرأة المهاجرة. وهي المقارنة التي ستأخذ طابع الصراع الداخلي الذي يهيمن على  شخصية المهاجرة. وهو الصراع الذي جسدته بقوة بطلة الشريط القصير "بوبية" لسامية الشرقيوي(2009) حيث أن تمزق الدمية (تشبيه قوي ) يرمز إلى تمزق البطلة التي تعيش مشتتة ما بين فرنسا (حيث النجاح المهني) والمغرب (حيث ثقل التقاليد والأعراف والمحيط العائلي).
نفس التمزق  ستعيشه  شخصية "صوفيا" في شريط "الفرنسية"(2009) لسعاد البوحاطي. فصوفيا الشابة المغربية الأصل وفرنسية الجنسية عند عودتها إلى المغرب برفقة والديها خلال عطلة الصيف، ستجد صعوبة في التأقلم مع المجتمع المغربي لكونها تربت على قيم المجتمع الفرنسي المخالفة لقيم المغاربة. على أن ما يؤجج هذا الصراع الداخلي هي كون صوفيا في فرنسا يعتبرونها مغربية رغم أنها ازدادت هناك، وفي المغرب يعتبرونها فرنسية رغم أصلها المغربي. وهي وضعية صعبة يعيشها جل أبناء الجيل الثالث من المهاجرين الذين يعيشون حالة من الضياع والتشتت الهوياتي واللغوي وغموض المستقبل. وهذا ما يعطي البعد الواقعي للشريط (وأشرطة مماثلة له) لكون أن هذا الجيل الثالث وربما الرابع ينظر إلى نفسه على أنه جزء من المجتمع الأوروبي. واقعية تنطلق أيضا من حياة المخرجة نفسها التي تعيش في فرنسا ولا شك تعيش نفس وضعية بطلتها.
وهذا قاسم مشترك بين المخرجة فريدة بليزيد التي عاشت مدة طويلة بفرنسا وسامية الشرقيوي التي تقطن هي الأخرى بفرنسا.
 في نفس المناخ الدرامي والسردي نجد فيلم  "منى صابر" (2001)  لعبد الحي العراقي، الذي تدور أحداثه حول "منى" الشابة الفرنسية التي ستعلم من والدتها أن أباها مغربي، فتقرر الذهاب إلى المغرب بحثا عن والدها. بمعنى أن الشريط يتتبع خطى البحث عن الأصول والجذور، وهو بحث لاشك لا يخلو من معاناة نفسية وصراع فكري. هذا الصراع الفكري هو الذي سنتحسسه مع شخصيات  فيلم "إسلام يا سلام" (2008) لسعد الشرايبي الذي حاول أن يعاين تأثير أحداث 11 شتنبر 2001 على المهاجرين. شخصيات كانت تعيش في المهجر بعقلية مختلفة لكن عند عودتها إلى المغرب بدأت تصطدم بجذورها الثقافية.
غير أن ما يميز فيلم "البارونات" (2010) لمخرجه نبيل بن يدير القاطن ببلجيكا، هو نقل كاميرته إلى بلاد المهجر، لمعاينة واقع المهاجرين هناك، وأيضا لإحداثه مقارنة بين جيل المهاجرات الأوائل، جيل الأمهات، والجيل الحاضر. حيث  أبان عن الفرق الكبير بين أم البطل، المرأة التقليدية الغير المتعلمة والمقهورة من طرف الزوج، وهي صورة نمطية للمرأة المهاجرة المنتمية للجيل القديم،  وبين الشابة التي يعشقها البطل  (أخت صديقه) وهي فتاة متعلمة وموظفة "ومتحررة" عانقت قيم المجتمع البلجيكي ونجحت مهنيا. غير أن الصراع الداخلي للبطل وتأثير تقاليد العائلة سيجعله يتزوج من فتاة محافظة، مفضلا التضحية بالفتاة التي يحب. في إشارة إلى الصراع الدائم بين المحافظة والعصرنة، وبين قيم المجتمع الأوروبي وقيم المجتمع الأصلي للمهاجرين. وعموما فهذه هي الصورة النمطية والمهيمنة (آباء محافظين وأبناء متمردين)على جل الأفلام المغاربية بل وأيضا الأوروبية التي تناولت قضية المرأة المهاجرة.
ويمكن القول أن شريط "هنا وليه" لمحمد إسماعيل من الأشرطة القليلة التي تتطرق لكل هذه الاعتبارات السالفة الذكر و المتعلقة بالمرأة المهاجرة المغربية (التي تلعب دورها منى فتو) و بالأسرة المهاجرة ككل، وما تعيشه من تحولات قيمية وسوسيو- ثقافية تجد صداها لدى الأبناء الذين يعيشون  غربة مزدوجة : غربة في موطنهم الأصلي وغربة في بلد المهجر، كما يوضح ذلك عنوان الشريط.
ويبقى السؤال: كيف السبيل لتحقيق التوافق بين الموطنين وبين الثقافتين، خاصة لدى المرأة المهاجرة التي تعاني من عدم الاستقرار النفسي والعائلي؟ و هذا دليل على أن جل الأفلام التي تطرقت لهذا الموضوع لم تقدم نموذجا للمرأة الناجحة في حياتها المهنية والعائلية والتي استطاعت التوفيق بين ثقافتها الأصلية وثقافة البلد المضيف. علما أن واقعنا يشهد العديد من هذه النماذج النسائية الناجحة. فهل يغير المخرجون نظرتهم للموضوع؟
 لكن الملاحظ أن التعاطي مع موضوع المرأة المهاجرة يبرز اختلافا واضحا بين حساسيتين: حساسية المخرجة وحساسية المخرج. فالمخرجة تقدم شخصية المهاجرة بعمق سيكولوجي أكثر من المخرج. لكن هذا الأخير يقدم أحيانا شخصية نسائية جريئة وبعزيمة قوية أكثر من المخرجة. مما يعطي تنوعا في الرؤى وغنى في المعالجة الفنية.
 
وأخيرا، في  سنة 2009 أخرج لطيف لحلو فيلما بعنوان "الدار لكبيرة" يسلط الضوء فيه على مشاكل الزواج المختلط ، من خلال قصة لورونس الفرنسية والمتزوجة من رشيد المغربي. هذا الأخير سيقرر الاستقرار في المغرب. في البداية ستعاني لورونس من الاختلاف الثقافي والعائلي، خاصة في ما يتعلق بتربية ابنيهما. لكن في الأخير ستتأقلم مع الواقع الجديد.
 فهل سوف نرى هجرة معاكسة، من الشمال إلى الجنوب؟ بمعنى هل نرى هجرة قوية للمرأة الأوروبية إلى دول الجنوب حيث المرأة لازالت تتربع على عرش الأسرة؟

مصطفى الطالب