الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  متابعات سينمائية    
احتفاء بالناقد السينمائي محمد اشويكة وكتابه الجديد بفاس

ضمن البرنامج العام لملتقى الفيلم المغربي الثامن عشر بفاس ، المنظم من طرف جمعية ابداع الفيلم المتوسطي من 5 الى 8 مارس الجاري ، تحتضن المكتبة الوسائطية بالمركب الثقافي البلدي " الحرية " ، بتنسيق مع مؤسسة نادي الكتاب بالمغرب ، حفلا ثقافيا يتم فيه تقديم وتوقيع الإصدار السينمائي الجديد للناقد السينمائي المتميز محمد اشويكة الموسوم ب " السينما المغربية : رهانات الحداثة ووعي الذات " ، الصادر سنة 2012 عن دار التوحيدي للنشر بالرباط  ، وذلك ابتداء من الرابعة  بعد العصر من يوم الجمعة ثامن مارس .
يقدم قراءة في هذا الاصدار الجديد الباحث السينمائي الشاب الصديق محمد البوعيادي ، المعروف بكتاباته  وأبحاثه الرصينة والعميقة بالعربية والإنجليزية  .
ويعتبرمؤلف الكتاب الصديق محمد اشويكة ، المزداد بقلعة السراغنة سنة 1971 والمشتغل حاليا بمراكش كأستاذ للفلسفة بالتعليم الثانوي التأهيلي، من أنشط النقاد السينمائيين المغاربة في وقتنا الراهن إذ صدرت له لحد الآن ، بالإضافة إلى كتابه الجديد ،  الكتب الفردية التالية : " الصورة السينمائية : التقنية والقراءة " سنة 2005 و " السينما المغربية : أطروحات وتجارب " سنة 2008 و " مجازات الصورة : قراءة في التجربة السينمائية لداوود أولاد السيد " سنة 2011 . كما شارك في الكتب الجماعية التالية : " سينما داوود أولاد السيد : المرتكزات والخصوصية " سنة 2007 و " صورة المهمش في السينما : الوظائف والخصوصيات " سنة 2008 و " نظرات في سينما مصطفى الدرقاوي " و " المكونات الجمالية والفكرية لسينما محمد عبد الرحمان التازي " و " أسئلة النقد السينمائي المغربي " سنة 2009 و " التجربة السينمائية للمخرجة فريدة بليزيد " و " سينما مومن السميحي : قلق التجريب وفاعلية التأسيس النظري " و " التأسيس الثقافي للسينما الوطنية بالمغرب " و " الارهاب والسينما ، جدلية العلاقة وامكانات التوظيف "  سنة 2010 و " سينما أحمد المعنوني : الانتساب الواقعي والبعد الجمالي : و " نور الدين كشطي : حلم وعشق .. ورحيل مفجع " سنة 2011 و " الذات والآخر في السينما المغاربية " و " سينما أحمد البوعناني : شعرية الابداع وتعدد المرجع " و " عبقريات سينمائية  1 " سنة 2012 . هذا بالاضافة الى كتابه في الجماليات البصرية " الانسان الأيقوني " الصادر بالشارقة ضمن اصدارات مجلة " الرافد " سنة 2010 ومجاميعه القصصية وكتاباته السيناريستية ودراساته النقدية المرتبطة بالأدب القصصي وغيرها .
فيما يلي الورقة التي كتبها الصحافي عزيز المسيح حول كتاب " السينما المغربية : رهانات الحداثة ووعي الذات " وعممتها وكالة المغرب العربي للأنباء :
 
 
محمد اشويكة يقارب رهانات الحداثة ووعي الذات
في مسار السينما المغربية
 

 
عزيز المسيح
 
 
يواصل الناقد محمد اشويكة في كتابه الأخير "السينما المغربية.. رهانات الحداثة ووعي الذات" تأصيل مشروعه النقدي ورهاناته في ترسيخ ممارسة سينمائية حديثة تسعى من جهة إلى إبراز ملامح الخصوصيات الجمالية والفنية والموضوعاتية للسينما بالمغرب٬ ومن جهة أخرى جعل هذا العالم التخييلي الممتد أفقا للحداثة والنهضة الإبداعية والفنية.
بعمله الجديد هذا الذي يشكل امتدادا لسلسلة من الدراسات الحفرية التي تعنى ببعض إشكالات وقضايا السينما بالمغرب٬ يسعى الناقد اشويكة٬ من خلال مقاربات متعددة أملاها اختلاف مرجعيات المخرجين الفكرية والإديولوجية٬ إلى تسليط الضوء على هواجس وهموم الفاعلين في مجال السينما٬ من مخرجين وممثلين ونقاد وتقنيين ومستهلكين.
وعبر أربعة فصول شكلت محاور الكتاب الصادر عن دار التوحيدي للنشر (247 صفحة) يراهن الناقد اشويكة على مقاربة المتن السينمائي من خلال الحفر ومساءلة بعض آليات وأسس اشتغال وبلورة الخطاب النقدي٬ وبنيات صناعة الذوق الفيلمي كالنادي السينمائي "الذي كان مدرسة لتكوين حركية نقدية وسينمائية أثرت بشكل كبير فيما يقع اليوم من إبداع وصراع داخل حقل السينما بالمغرب"٬ إضافة إلى مقاربة عدد من نظريات الاستيتيقا السينمائية من خلال تناول أفلام عدد من المخرجين المغاربة من قبيل مومن السميحي وأحمد البوعناني ونبيل عيوش وكذا ملامسة البنية الداخلية للمتن السينمائي المغربي وعلاقته بالمكون الشعبي والحكاية الشعبية.
وحرص اشويكة في الكتاب على تناول عدد من القضايا النقدية والسينمائية من مداخل عدة ترتكز على شمولية العملية السينمائية وانفتاحها على العديد من الفاعلين الذي تتقاطع ممارساتهم من أجل خلق وعي ومتعة سينمائيين جديرين بالرقي بالذوق من جهة والتفاعل مع الزمني والقيمي لدرجة يرى معها أن "السينما لم تحد قيد أنملة عن الصراع القيمي الدائر داخل المجتمع الذي تتبلور في إطاره... لذلك ظل سؤال القيم داخل السينما مرتبطا بشكل وثيق بسؤالي الوجود والمعرفة".
لذلك فهاجس الناقد اشويكة يتجاوز هموم المجال السينمائي ليطال المستوى المجتمعي العام حيث أن "الشعب الذي لا ينتج صوره الذاتية مهدد بالانقراض٬ فالزمن زمن الصورة٬ والحضارة الراهنة٬ حضارتها... لذلك سعت كل الدول اليقظة إلى إنتاج صورتها الذاتية وتأثيثها بما تنتجه شعوبها من خيرات مادية ورمزية حسب الفضاءات الجغرافية والظروف السوسيوثقافية التي تنسجم وأنماط العيش السائدة بها".
فمهمة الناقد وعلاقته مع السينمائي في منظور اشويكة تنطلق من رؤية عامة للعمل السينمائي تتأسس على تجربة الناقد وخبرته في مجال السينيفيليا والتقنيات٬ وإضافة أسئلة جديدة انطلاقا من الفيلم موضوع الدرس٬ وتطوير المنهج النقدي٬ والفكر السينمائي والرقي به وتطويره" كل ذلك من أجل أن يكون النقد بهذا المعنى بمثابة الإبداع الذي يطور جماليات وتاريخ السينما٬ وهذا ما يتطلب من الناقد اعتماد المقاربات المتنوعة التي تتجاوز المؤسسات والاتفاقات السائدة من أجل رسم ملامح سينمائية متجددة من حيث الأشكال والتعابير والأفكار والأساليب والممارسات والرؤى...".
وفي معرض تناوله لوضعية النقد السينمائي بالمغرب٬ يلاحظ اشويكة أنه على المستوى الذاتي لا يمارس أي ناقد سينمائي النقد كمهنة٬ ولم يدرس أحد قط النقد السينمائي في مؤسسة سينمائية أو معهد سينمائي متخصص بل الكل جاء من عوالم علمية وأكاديمية متفرقة٬ وعلى المستوى الموضوعي لا تدعم المؤسسة الوصية مشاريع النقد السينمائي مما جعل كل المبادرات ذات طابع فردي".
إذا كان النقد السينمائي على مستوى الكم ضئيلا٬ فجله يظل رائدا على مستوى الكيف٬ وذلك بفضل انفتاحه على مناهج ومدارس وتيارات فنية وفكرية متعددة٬ واطلاع غالبية المنشغلين به على مرجعيات فيلمية مهمة٬ غير أن اشويكة يلاحظ أن الحركة النقدية٬ ورغم تعدد الخطابات حول السينما٬ لم تستطع لحد الآن تحقيق الانتظام على مستوى الخطاب المكتوب.
وتحذيرا من خطورة ما تنتجه الصورة من تنميطات ذهنية وفكرية يشدد اشويكة على سؤال القيم في علاقتها بالسينما حيث أنها الوعاء الذي يمكن أن يستوعب قيم الحب والفرح وعشق الحياة.. فالسينما عندما تتناول الواقع٬ فإنما تعمل على لفت الانتباه إلى ضرورة تغييره٬ وخلق السخرية تمهيدا لتجاوزه٬ متسائلا عن كيفية حماية المتفرج من مخاطر الصورة٬ ووقايته من عنفها٬ والسبل والوسائل الكفيلة بجعلها دعامة لنشر قيم الاحترام والتثاقف والحوار والاختلاف.
ولمواجهة عنف الصورة وتداعياتها السلبية على المستوى القيمي يراهن اشويكة على قناة المنظومة التربوية من خلال تدريس السينما ضمن رؤية متكاملة لتدريس وسائل الاتصال الجماهيري حيث يمكن أن تكون التربية على المنظومات الإعلامية بشكل عام مدخلا أساسيا لنشر قيم الاحترام والسلام والاختلاف والحوار والمعرفة (...) وهذا ما يجعل التعجيل بخلق مادة السمعي البصري في مراكز التكوين التربوي أمرا ملحا.
في الفصل الثاني يقتفي اشويكة آثارا فنية مغربية من خلال آليات البحث والمساءلة ونقد جماليات سينما مومن السميحي حيث تمتح مقاربته السينمائية من مرجعيات تنظيرية وفنية بصرية كبرى كالسينما الوثائقية وسينما الحقيقة وسينما الواقع علاوة على الانفتاح على العلوم الإنسانية٬ وجماليات الفيلم الوثائقي عند أحمد البوعناني حيث أن أهم اللحظات الجمالية في أفلامه الوثائقية اختطاف لحظات دالة من المجتمع وتصويرها٬ وتوضيبها٬ بشكل غير مسبوق٬ وذلك من خلال تنظيم عالمها الضوئي ومحاولة مقاربتها وفق رؤية جديدة٬ وبنية الإخراج السينمائي عند أحمد المعنوني حيث الرؤية الإخراجية عنده وظيفية ومتكاملة٬ إذ تتلاءم أجزاؤها مع كلها من أجل خدمة وظائف بصرية متعددة"٬ وبحث جماليات الإخراج في مكتوب نبيل عيوش مختتما بجماليات المونتاج في السينما المغربية في حين تناول في الفصل الثالث المكون الشعبي في السينما المغربية٬ وعن السينما والحكاية الشعبية٬ وعن البادية كفضاء سينمائي.
وفي الفصل الأخير٬ يرصد اشويكة مكونات سينما المخرجات في المغرب٬ ثم الممثل المغربي: قضايا الهواية والاحتراف٬ وتمثل الجسد في السينما المغربية خاتماً هذا الفصل بتركيزه على البعد الجنساني في فيلم "سميرة في الضيعة" للطيف لحلو٬ متناولا بعدا خطيرا من أبعاد الجنسانية المتعلق بالعجز الجنسي الذكوري٬ والأبعاد النفسية والجنسية والاجتماعية والأخلاقية. كما فَصَّلَ في تفكيك المشاهد وتأويل اللقطات٬ مركزا على أهم الملامح الفنية التي انبثقت من خلال المعالجة البصرية للموضوع الرئيسي للفيلم.
اشويكة في عمله هذا مسكون بهاجس مركزي يحتفي بالسينما ليس باعتبارها تقنية فقط بل بكونها رؤية للحياة وللارتقاء بالوجود الإنساني وتجويد للعيش ووسيلة للنهوض الاجتماعي والتقدم لذلك يضفي عليها بعدا حلميا. إذ أن دعوته للالتفاف حول عشق السينما اليوم هو "إمساك بالحياة في أنبل تحققاتها٬ وإضاءة لظلام الكون... قد تعلمنا الصورة كيف نختلف ونتعايش وكيف نرى الأشياء من زوايا مختلفة وكيف نقدم صورتنا على الشاشة وكيف نرى الآخر في/على شاشتنا".

أحمد سيجلماسي