الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  مهرجانات سينمائية    
الدورة 15 لمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة، برنامج غني : عروض أفلام وندوات وورشات تقنية

  ملصق الدورة 15 لمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة   

شهدت  فعاليات الدورة  15 للمهرجان الأكثر شهرة وعراقة في القارة الإفريقية ، مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية ، والتي نظمت مابين  30 يونيوالمنصرم و 7 يوليوز 2012، عرض الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية والتي بلغ عددها 12 فيلما من دول مالي ورواندا وبوركيانافاسو وتونس والجزائر وأنغولا والغابون والسينغال والكونغو ومصر بمعدل فيلم لكل منها والمغرب الذي شارك بفيلمين. إضافة إلى  تنظيم ندوات حول مواضيع  "آفاق السينما بإفريقيا"، و"السينما وحقوق الإنسان"، و"مهنة الإنتاج السينمائي في المغرب"، و"تجربة مجلة سينماك السينمائية المتخصصة"،  إضافة لتكريم الناقد والباحث السينمائي الراحل محمد سكري، وورشات تقنية في الإخراج والمونطاج والتصوير.
وقد أعلنت لجنة تحكيم هذه الدورة لمهرجان خريبكة للسينما الإفريقية المكونة من كل من الناقد والباحث السينمائي محمد الدهان كرئيس و الممثلة التونسية ليلى واز  والمنتجة المغربية نوفيسة السباعي والإعلامية الفرنسية أوزنج سيلو كييفر و الصحافي ومدير السينما الوطنية ببوركينافاسو أديوما سوما والممثل الكاميروني جيرار إيسومبا والممثل والمخرج من ساحل العاج سيديكي باكابا،   كأعضاء عن نتائج هذه الدورة والتي كانت جد مفاجأة وكالتالي :
-    الجائزة الكبرى (عصمان صمبين) لفيلم "الوطن/ بايري" للمخرج البوركينابي بيير ياميكو.
-    جائزة لجنة التحكيم لفيلم "المادة الرمادية" للمخرج الرواندي كيفو روهوراهوزا. 
-    جائزة السيناريو لفيلم "ديما براندو" للمخرج التونسي رضا الباهي.
-    جائزة أول دور نسائي لكل من شيلا ليما و سيوماراموريس  عن دورهما في فيلم   "الكل على ما يرام" للمخرجة الأنغولية بوكاس باسكوال.
-    جائزة الإخراج للمخرج المغربي محمد نظيف عن فيلمه "الأندلس مونامور".

-    جائزة أول دور رجالي لسول ويليامز عن دوره في فيلم "اليوم" للمخرج السينغالي ألان غوميز.
-    جائزة ثاني دور نسائي لمارلين لوننكونج عن دورها في الفيلم الكونغولي "فيفا فيفا".
-    جائزة ثاني دور رجالي ليوناس بيرو عن دوره في الفيلم الغابوني "قلادة ماكوكو".

وبما أن لكل لجنة تحكيم رأيها وأذواقها الخاصة فيما يخص الأفلام المتوجة فإن هذه اللجنة قد إرتأت أن تتوج فيلم "الأندلس مونامور" للمخرج المغربي محمد نظيف بجائزة الإخراج الذي استطاع (الفيلم) بنفسه الكوميدي أن ينال إعجاب الجمهور الغفير الذي تابعه بالمركب الثقافي بخريبكة والذي صفق له طويلا أثناء وبعد صعود جنريك نهايته، وربما أن هذا التتويج جاء ليس فقط لهذا التجاوب الجماهيري الذي لقيه لكن أيضا لكونه تفوق في العديد من لحظاته على بعض أفلام إفريقية –وليس كلها- عرضت خلال هذه الدورة.
 أما فيلم "ديما براندو" الفائز بجائزة السيناريو فهو فيلم سينفيلي بامتياز، يمجد فيه مخرجه التونسي رضا الباهي عشق السينما، وهو مليئ بإحالات ليس فقط على الأفلام التي صَنَعَت مجد وتألق النجم العالمي مارلون براندو والتي أصبحت تعد من بين أهم كلاسيكيات السينما العالمية  بل أيضا على أفلام من كلاسيكيات السينما المصرية التي لا يُخفي رضا الباهي في فيلمه هذا عشقه وتأثره بها ، خصوصا تلك التي تنتمي لنوع السينما الموسيقية والغنائية، بحيث نشاهد في الفيلم مشهدا طبق الأصل عن مشهد في الفيلم الكلاسيكي المصري "بُشرة خير" (1952) للمخرج حسن رمزي، والذي تتقمص فيه حبيبة "أنيس" دور شادية  وهي تؤدي أغنية "سوق على مهلك سوق"، و يأخذ "أنيس" مكان كمال الشناوي وهو يقود بها السيارة فيما يقطع المخرج بين الفينة والأخرى على أشجار تمر بسرعة على جانبي الطريق. ثم بعد ذلك وفي مشهد آخر يركز المخرج في لقطة كبيرة على ملصق فيلم "قصة حبي" من بطولة المطرب فريد الأطرش وإخراج هنري بركات ، داخل حانوت التاجر الذي يعشق حبيبة أنيس والتي جاءت تعرض نفسها عليه (التاجر) ، في تضحية تشبه مواقف وتضحيات أبطال وبطلات الميلودراما المصرية في عصرها الذهبي، مقابل مقدار من المال سيمكن "أنيس" من الهجرة إلى أمريكا (هوليود) ، حيث سراب الحلم بالنجومية في انتظاره. وقد جاء توظيف الباهي لهذه المرجعيات السينمائية في سياق الفيلم معبرا عن نفسية الشخصيتين الرئيسيتين "أنيس" وحبيبته وطموحهما ومشاعرهما ،  فإذا كانت أفلام براندو تأتي في سياق طموح "أنيس" للسفر إلى أمريكا ومحاكاة مسار نجم قيل له أنه  يشبهه حد التقمص فإن توظيف أفلام الميلودراما المصرية جاء ليؤكد على ميلودرامية أحاسيس شخصية حبيبة "أنيس" التي يصل بها الأمر للنوم مع شخص آخر حتى يحقق حبيبها طموحه في السفر وتحقيق حلمه. ويأتي رد فعلها الهستيري على وفاة "أنيس" في سياق هذه التركيبة التي طالما شاهدنا مثيلات لها في الميلودرامات السينمائية المصرية على الخصوص.
إضافة إلى هذا فقد إستطاع رضا الباهي وباقتدار يحسد عليه مزاوجة التخييلي بالوثائقي في "ديما براندو" ، وانتقل جيئة وذهابا بين الأول والثاني بحنكة المخرجين الكبار ، وكأنه لا يريد بذلك لمشاهد فيلمه التماهي مع شخوصه بقدر ما يطمح أن يظل هذا المشاهد قلقا ومتيقظا وفطنا إلى أنه أمام فيلم ليس هو قطعا ذلك الذي كان في ذهنه (المخرج) والذي كان مخططا فيه  لبراندو أن يشكل بؤرته ومركزه، فيما لم يَعُد في النسخة التي شاهدناها والتي صورت بعد وفاته سوى ذريعة  لحكي أحداث أخرى بسرد مغاير ربما مكن رضا الباهي من صُنع فيلم أجمل وأكثر ذاتية وفنية، وذلك برجوعه إلى مسقط رأسه القيروان لإلقاء نظرة سينمائية قاسية عليها ولرصد المتغيرات التي لحقت بها وطرأت على أسلوب عيش سكانها الذين كانوا ومازالو رغم كل شيء يعتمدون في مورد عيشهم على نشاط سياحي وصناعة أفلام طالهما الكساد.
أما الفيلم الأنغولي "الكل على مايرام" الذي إقتسمت كل من بطلتيه شيلا ليما و سيوما راموريس جائزة  أفضل دور نسائي ، والذي ينتمي لجنس "سينما الحقيقة"  فتتابع فيه مخرجته بوكاس باسكوال مسار الأختين الشابتين الأغوليتين "إلدا" و"ماريا" وتوهانهما في أزقة وأحياء العاصمة البرتغالية لشبونة الهامشية ، وذلك على خلفية الحرب الأهلية الأنغولية في ثمانينيات القرن الماضي. ونجد بالفيلم نفسا إنسانيا يجذبنا إليه ، إذ تصر المخرجة على متابعة بطلتيها في مشاهد طويلة قد توحي للبعض بالملل والرتابة ، الأمر الذي قد تكون المخرجة تعمدته لإيصال إحساس بطلتيها الرتيب بالزمن، هما اللتان مازالتا مجرد مراهقتين لم تبلغا بعد سن الرشد وتظلان تنتظران طيلة لحظات الفيلم بفارغ صبر ممزوج بهلع دائم من الفضاء والأشخاص المتواجدين فيه، والذين يحملون "قيما" و"مبادئ" تختلف إن لم نقل تتناقض مع ما لُقنتا إياه. وكلما اقترب الفيلم ،الذي لا تتجاوز مدته الساعة و 35 دقيقة، من نهايته إلا وزدادت وطأة وثقل الزمن  المار ببطء السلحفاة على كاهل الفتاتين اللتان تنتظران بلهف بالغ وصول أمهما الغائبة الحاضرة لكن خبر موتها هو الذي يصل عوضها، لترفض إحدى الأختين في مشهد قوي ومعبر الخروج من المخدع الهاتفي الذي كانتا تستقبلان فيه مكالمات أمهما التي لم نرها ولم نسمع صوتها عبر الهاتف لكن حضورها كان طاغيا من خلال تشبث وارتباط المراهقتين بها.
وبخلاف الأفلام التونسية والمغربية المشاركة في الدورات الأخيرة لمهرجان خريبكة للسينما الإفريقية تظل الأفلام الجزائرية دون المستوى الفني والجمالي لنظيرتيها المغاربيتين. وينطبق هذا على فيلم "قداش تحبني" للمخرجة فاطمة الزهراء زعوم ، الذي يمثل الجزائر في هذه الدورة ، والذي جاء أقرب مايكون إلى شريط تلفزيوني رتيب ودون طموح فني يذكر. وقد ركزت فيه مخرجته على أحداث تبدو مفتعلة وتدور أغلبها في فضاء داخلي مغلق الأمر الذي استطاع مخرجون كبار أن يجعلوه مصدر قوة لأفلامهم، لكنه كان بالنسبة للمخرجة الجزائرية مجرد عبئ و حل إنتاجي ربما ، دعمته بمشاهد ولقطات فولكلورية للطفل وجَدته داخل المطبخ، إما وهي تهيئ الكسكس أوتحضر السمك أو تقشر الخضر وتعلم الطفل "عادل" مبادئ الطبخ وكأننا في برنامج "شوميشة"  للطبخ وليس أمام فيلم سينمائي...
 "اليوم" للمخرج السينغالي ألان كوميز الذي أختير للمشاركة في الدورة الأخيرة لمهرجان برلين السينمائي أحد أهم وأشهر المهرجانات السينمائية الدولية والذي فاز عنه سول ويليامز بجائزة أفضل ممثل في هذه الدورة، فيلم مختلف  عن تيمة الموت وانتظارها ، إنه من صنف تلك الأفلام التي نصادفها لماما  والتي لا تُشفي مشاهدتها الأولى غليلنا في الإستزادة من معين الأفكار المبثوثة في ثنايا مشاهدها ولقطاتها. إذ نتابع الشخصية الرئيسية "ساتشي" التي يؤدها المغني والممثل النيويوركي سول ويليامز الذي يعلم أن يومه هذا هو آخر يوم في حياته، ويحملنا معه المخرج في رحلة داخلية تمر فيها  أمامنا أجزاء من  حياة "ساتشي" على شكل مشاهد متشظية وغير مرتبة كرونولوجيا ، إذ علينا كمشاهدين إعادة ترتيبها. ونحن نعيش في هذا الفيلم ، الذي يمكن لنا الجزم أنه من بين أهم وأجمل ماعرض في هذه الدورة، لحظات البين بين وكأننا رفقة "ساتشي" الحي/الميت الذي يطل على الأحياء من برزخ الإنتظار وهو في طريق المرور إلى الحياة الأخرى...

تظل المفاجأة الكبرى لهذه الدورة التي لم ينتظرها أي متتبع لمهرجان خريبكة للسينما الإفريقية هي خروج أحد أهم الأفلام المغربية لهذه السنة بخفي حُنين، وهو فيلم "موت البيع" لفوزي بن سعيدي، لكن هذا يظل واردا في كل المهرجانات السينمائية التي تُعبر جوائزها عن أذواق أعضاء لجنة التحكيم فقط، التي قد تختلف عن أذواق لجنة أخرى.
ويشكل فيلم «موت للبيع» إستمرارية في المسار السينمائي لفوزي بن سعيدي الذي تشغله هموم فنية وإستيتيقية تبدو واضحة المعالم في بعض أفلامه وتختبئ وراء هموم إجتماعية ورؤية سياسية للمجتمع والناس في أفلام أخرى.
هناك في «موت للبيع» وراء قصة الأصدقاء الثلاثة علال، مالك وسفيان، الذين يهيمون في فضاء تطوان الهامشي باحثين عن مَخرَج من همومهم الفردية وتوهانهم الوجودي  إشتغالا جديا على أشكال سينمائية رائدة،، إذ نجد أنفسنا ونحن نتابع «موت للبيع» أمام مُخرج محترق بهم السينما الحقيقية، وأن المواضيع المطروحة في فيلمه، رغم كون بعضها متاحا وقد يكون ربما مستهلكا، ليست سوى ذريعة للمزيد من التجريب والإشتغال على هاته الأشكال الفنية السينمائية. إذ يحضر في موت للبيع هم شكلي لا نراه سوى عند مخرجين رواد ومؤلفين، وهو هنا في هذا الفيلم يقترب من ذلك الإشتغال الشكلي والفني لأحد المخرجين المغضوب عليهم في هوليود ،مايكل شمينو، الذي ظل يصور الناس كما تُصور الجبال ويُصور هذه الأخيرة كما  يصور الآخرون شخصياتهم من لحم ودم.. إذ هام فوزي بن سعيدي في «موت للبيع» عشقا بالجبال المحيطة بتطوان وصور لنا مدى تأثيرها واستيعابها لشخصياته وحنوها عليهم حينما لفظتهم المدينة الموحشة إلى أن وصل بنا داخلها إلى لحظة تطهيرية رافقنا خلالها سفيان واحدا من شخوصه الثلاثة، على خلفية موسيقى زنجية تمتح من التراث الصوفي ذو البعد الروحاني.
ويدع بن سعيدي للمشاهد المتفاعل والذكي بياضات في سرده السينمائي، فمثلا تظل إمكانية نشوء علاقة غرامية بين الضابط الذي أدى دوره بن سعيدي نفسه وبين حبيبة مالك (فتاة الليل) واردة بحدة ومُبررة لتلك النهاية التي تبدو مفتوحة، كونها (الفتاة) سرقت المال وهربت من حبيبها مالك ربما بإيعاز ومباركة من الضابط، الأمر الذي لا نراه في الفيلم ولا يمكن أن نستنتجه إلا من خلال لقطات توحي فيها النظرات بين الشخصيتين إلى احتمال ذلك، دون أن     يتم التصريح بذلك تماما.. إضافة إلى هذا هناك نوع من التقاطع والتداخل المقصود في الفيلم بين سلطة "الضابط"  فوزي بن سعيدي و"المخرج" فوزي بن سعيدي والتي تتجلى بوضوح في المشهد الذي يطلب فيه الضابط من مالك تقبيل حبيبته وحين يتردد هذا الأخير يأمره الضابط المرة تلو الأخرى، وقد صور هذا المشهد بكيفية توحي بكيفية إدارة المخرج لممثليه.

عبد الكريم واكريم-خريبكة-المغرب