الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  كسر الخاطر    
"الباب السابع" للمخرج علي الصافي الفيلم الوثائقي القنبلة

  عبد الإله الجوهري   

كان لجمهور مدينة الرباط عشية يوم الثلاثاء 2018/01/09، لقاء خاص، مع العرض الأول للفيلم الوثائقي "الباب السابع" للمخرج علي الصافي، فيلم حاول من خلاله التوثيق لمسار سينمائي مغربي متفرد، مسار المخرج أحمد البوعناني، و تسطير و تجذير تجربته السينمائية المختلفة الغارقة في الغموض و سوء الفهم، نتيجة زهده في متاع الدنيا، و ابتعاده عن أضواء الحفلات و المهرجانات و ثقافة النميمة و القيل و القال.
لقد زهد البوعناني في الدنيا و اعتكف، منذ بداية سنوات التسعينات من القرن الماضي، منزويا في بيته المتواضع بقبيلة أيت أمغار الواقعة في أعماق جبال منطقة دمنات، حيث عاش حياة خاصة بسيطة، رفقة زوجته الفنانة نعيمة السعودي، و قططه المدللة، هذا قبل أن يختطفه ملاك الموت يوم 2011/2/06، و يرحل عن دنيانا، حاملا غصة في النفس و جروحا غائرة في القلب و الروح، نتيجة الغدر و النسيان و التهميش و النكران لعطاءاته العديدة المتعددة، عطاءات تمتد على خارطة ابداعية شاسعة، تتوزع بين القول الشعري و الكتابة الروائية و التدبيج التاريخي، و صياغة سيناريوهات مثيرة له و لغيره من المخرجين، إضافة لمواهبه المتداخلة كمخرج و موضب و واضع لتصورات فريدة في إنجاز رسومات الأفلام و تصميم الديكورات..
الفيلم الوثائقي" الباب السابع"، عمل تسجلي/ توثيقي بإمتياز، اشتغل فيه علي الصافي،على وقائع حية و أرشيف متنوع، أرشيف مأخوذ من أفلام مختلفة، تحمل توقيع البوعناني، ك "السراب" و "طرفاية أو مسيرة شاعر" و "الذاكرة 14"، أو أفلام من توقيع مخرجين مغاربة آخرين، لكن ببصمات بوعنانية واضحة ك " وشمة " و "6 من 12". إلى جانب أرشيف المركز السينمائي المغربي و وثائق خاصة بعائلة البوعناني.
العجيب في الفيلم، أن المخرج علي الصافي، لم يسعى لأخذ تصريحات أو تعليقات أو ملاحظات من أفراد عائلته و خلانه و أصحابه و زملاء الحرفة، بل اكتفى بمحاورة البوعناني بشكل حميمي، واقتناص لحظات وتصريحات قوية، ستخلق ولا شك الجدل في الوسط السينمائي المغربي و تفتح باب جهنم الإتهامات و الإتهامات المتبادلة، لحظات وتصريحات مست بشكل مباشر، سنوات الستينات و السبعينات من القرن الماضي، خاصة مرحلة عودة البوعناني من فرنسا سنة 1963، و اشتغاله بالمركز السينمائي المغربي وتكليفه بمهمة انجاز فيلم عن موسم املشيل، و ما تلا ذلك من عنت مع سلطات وزارة الداخلية ووزارة الإعلام، المتمثلة في قياد المناطق التي كان يصور بها، أو عنجهية و لا مهنية مدير المركز السينمائي لتلك المرحلة السيد أحمد غنام، عنجهية القياد و تسلط السيد المدير، جعلا من مهماته مستحيلة في الإبداع، و مع ذلك كان يراوغ و يحاول أن يحقق ما كان يحلم به، راويا في هذا الإطار، مفارقات و نكت و عذابات، تترجم ظروف اشتغال المبدع المغربي خلال سنوات الرصاص، حيث الفاشية و القمع المسلط على كل مبدع مخلص لموهبته و مهنيته. لكن قنبلة الفيلم التي انفجرت على حين غرة، تمثلت في تصريحه القوي، عند حديثه عن مشاريع مجموعة "سيكما 3" و ظروف إنجاز فيلم "وشمة"، حاكيا بكثير من المرارة والسخرية عن مشروع كبير لم يكتمل، حيث كان رفقة زملاء الحرفة، أساسا محمد عبد الرحمان التازي وحميد بناني و محمد السقاط و مجيد الرشيش، قد قرروا إنجاز مجموعة افلام، البداية مع "وشمة"، لكن خيانة حميد بناني - حسب تعبيره - و هروبه بعد نهاية إنجاز فيلم "وشمة"، جعل المشروع يتوقف و المجموعة تتفرق، مؤكدا أن الفيلم من إنجازه، و أن حميد بناني لم يقم بشئ يذكر في هذا الشريط، و دليله على ذلك، أن "وشمة" لا يشبه أي فيلم أنجزه بناني فيما بعد، بل أن "وشمة" قريب جدا من عوالم فيلم "السراب" و بنفس نفسه ورؤيته الإبداعية, و واصل ممعنا في الحديث و الإتهام و السخرية، أن السلطات لما كانت تريد التساؤل عن شيء ما، أو الإستفسارعن معاني مشاهد يصورونها في هذا الشريط، فإنها كانت تسائله هو و تستفسره دون غيره من المجموعة. و لم ينسى البوعناني أن يوجه تحية خاصة لزوجته نعيمة التي ساهمت و أبدعت في كل الافلام التي اشتغل بها، لكنها المسكينة تعرضت للمحو و النسيان من مخرجين وقعوا الأفلام، دون وجه حق، بأسمائهم الطافحة بالكراهية.
بعيدا عن أجواء الإتهامات الواضحة أو المبطنة، يبقى الفيلم وثيقة تاريخية قوية، تعيد صياغة مرحلة مليئة بالمفارقات و الخبايا السياسية، إضافة إلى أنه عمل ممتع من حيث مساءلة ونفض الغبار عن مسارات سينمائية مغربية، بعضها صادق و البعض الآخر متهافت، مع التأكيد على تجربة البوعناني الفنية المثيرة، تجربة ناسك سينمائي، تمرد على المواضعات والأعراف الفنية، فكان الجزاء التهميش و التحقير والدفع به للوراء، مثلما هو لحظات عذبة في معاودة مشاهدة لقطات و مشاهد من مجمل الأعمال التي اشتغل بها البوعناني، حيث اختار و وضب، علي الصافي، ما يمكن أن يكون في خدمة المبنى و المعنى العام للشريط، وامتاع الجمهور بصريا، و التعريف في نفس الآن، بمنجزه السينمائي الباذخ. منجز رجل عاش في صامت و رحل مخلفا وراءه فيلما، من توقيع مخرج أفلام وثائقية عنيدة في البحث عن المسكوت عنه و نفض الغبار عن الفنانين المهمشين، مخرج يقلب المواجع بشكل فني جميل، مواجع و لاشك، سيكون لها ما لها، لحظة عرض هذا الفيلم، في المهرجانات الوطنية والدولية.
تبقى ملاحظة أخيرة قائمة، ملاحظة أبداها صديق فنان بعد نهاية العرض، في حديث ثنائي خاص، ملاحظة مفادها: هل سيتواصل ويستمتع الجمهور الواسع بمشاهدة هذا الشريط، على اعتبار انه شريط خاص، لن يفهم حكاياته و أبعاده، إلا من كان عالما و عارفا و متتبعا لشخص و حياة سي أحمد البوعناني المليئة بالمفارقات والألغاز.
إلى حين خروج الفيلم للقاعات، و معرفة مدى تفاعل الجمهور الواسع معه، و ردود السينمائيين المتهمين، و الصحفيين و النقاد المتطلعين لمعرفة خبابا و مسارات و اسرار السينما المغربية. نقول: شكرا علي الصافي على جرأة اقتحام عوالم مخرج أمتعنا بأفلامه، و أدخلنا متاهات الأسئلة الحارقة بصمته القاتل.

عبد الإله الجوهري