الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  كسر الخاطر    
عمر بلخمار، أو سيد التوافقات المستحيلة

  عبد الإله الجوهري   

الناقد السينمائي عمر بلخمار، أو سيد التوافقات المستحيلة، و الحضور الطاغي في كل الملتقيات و اللقاءات و المنتديات الثقافية، و المهرجانات و الندوات السينمائية، رجل مغربي من معدن خاص، معدن الكلمة الطيبة، والبسمة الصافية المشرقة، و السعي الدؤوب للكتابة عن الأفلام الجميلة، دون غيرها، برؤية مخالفة مغايرة، رؤية تبدو للكثيرين بسيطة، لكن في حقيقتها جد عميقة، و عمقها غالبا ما يتجلى في صدق التعبير، و البساطة في الأسلوب، و السعي للإقناع دون إكراه، والعمل على جر أكبر عدد من القراء، للقراءة و التواصل الفعال، و الدفع بعدد واسع من الجمهور، لإستكشاف الوجه الجميل للسينما العالمية، و معها الأفلام المغربية.
بلخمار ليس بالكاتب الفارغ المتهافت، الكاتب المعجون بعرق الحقد و طينة أنصار السب والشتم والضرب من تحت الحزام، و لا بالناقد المنتصر لفريق نصب الفخاخ و الكيد للأفلام الجديدة، و الحط من قيمة التجارب الشبابية الصاعدة، أو التشكيك في القدرات و المحاولات الجادة الهادفة، بل ناقد المحبة الصادقة، و الشجاعة اللامتناهية، في التعبير الخلاق، التعبير القادر على الدفع بالمحاولات المبتدئة، نحو تطوير الذات، و الخروج من دهشة البدايات، ونثر نسائم منعشة، في طريق كل الأفلام الجيدة و الجديدة..
فلا عجب ان تجد عمر، "اللهم عمر له الدار"، في كل الأمكنة الثقافية و الأزمنة المعرفية، و الإطارات و اللجان السينمائية، حاضرا ورافعا، بكل صدق، راية القول الجميل، و التحكيم العادل الوازن المتزن، و الصياغة الذكية، للتعابير الصافية الخالصة الحرة، التعبيرات الخالقة لمعاني الحب المغموس في سعادة الإنسجام مع الذات، و التوحد مع أفراح المخرجين و الممثلين المغاربة، المخرجين و الممثلين الصانعين للحظات البهية، من مسار سينمانا الوطنية .
بلخمار وجه مضيء بشوش ضاحك في كل الأزمنة و الأمكنة، يقابل كل من يلتقي به بالهش و البش، و يفتن محدثه ببهائه و صفاء طلعته، قبل أن يأسره بقفشاته و نكاته، القفشات و النكات التي لا تنتهي، خاصة في الجلسات الخاصة البعيدة عن صرامة الفضاءات الأكاديمية، ويؤثر فيه بصوته الجهوري، الصوت القادر على تريض تنويم أكثر النفوس تخلفا و تعنتا، و فرض الإحترام على أكثر الأعناق شموخا والرؤوس تطلعا و تنطعا.
في مجمل جموعات و اجتماعات "الجمعية المغربية للنقد السينمائي"، خاصة في الجموعات العامة المؤدية لتشكيل المكاتب المسيرة، تجده يلعب دور الإطفائي الذي يهرع، كلما اشتعلت نيران الغضب و النقاشات الحادة، إلى إطفاء الحرائق، و صب الماء البارد، و نشر ظلال الهدوء الغامر و العامر، بحكمة الملاحظات السديدة، و القول الطيب، القادر على تريض أكثر النفوس غضبا و تمردا..
عرفته بداية كأستاذ لمادة الفيزياء بكلية العلوم بالرباط، قبل الإحتكاك به في الانشطة الثقافية المختلفة، أساسا منها انشطة الفن السابع بمختلف المدن المغربية، قبل أن أتابع ما يكتب في جريدة "العلم" من مقالات مختلفة، مقالات عبارة عن قراءات و لقاءات و متابعات، كتابات توجت بإصداره لكتاب سينمائي تحت عنوان " كيف ولدت السينما في العالم "، و هو كتاب يضم معلومات تعليمية تفيد التلاميذ و الطلبة مثلما توثق لبدايات ظهور السينما و مراحل تشكيل و تشكل هذا الفن الحديث. لتتوطد فيما بعد علاقتي به، و أصبح صديقا له و زميلا في الكتابة و النقد، صداقة لم يعكرها يوما سوء فهم أو مزايدة فارغة، كتلك التي تحدث بين الفينة و الأخرى بين صناع الكلمة و الصورة، بل تحولت صداقتنا لما يشبه تواطئ جميل و تواصل غريب، من حيث الود الذي يحمله كل منا للآخر، دون أن تربطنا مصالح دنيوية أو تواطؤات منفعية. لقد كان يشبهني و أشبهه، على الأقل و الأكثر، في العفة و الصدق و الوفاء للسينما، و خدمة الثقافة و الأصدقاء، عفة وصدق و وفاء و خدمة، أو لنقل خدمات، جعلوا منه، إنسانا بعيدا عن كل بحث مادي، أو تهافت فج آني، أو مزايدات فارغة من أي معنى، بل أكثر من ذلك، كان دائما سندا لي في مساري النقدي والسينمائي، بعظاته و توجيهاته الغالية الخالية من كل نفاق أو مجاملات زائفة، كان الناصح البارع دائما و أبدا، في تنبيهي إلى انفعالاتي و بعض أخطائي ، دون أن يوجه لي خطابا مباشرا أو تجريحا مبالغا فيه، بل يعرف كيف يمرر النصيحة، كأخ كبير و سيد مجرب حكيم.
لعمر بلخمار، أهدي باقة ورد من المعرفة الخلاقة، و مشموم زهور من المشاعر الإنسانية الفياضة، مقابل حضوره الثقافي، و عشقه السينمائي، و انتصاره للمعاني المعرفية الصادقة، مثلما أمنحه من أعماق القلب الغامر بالمحبة، نجوم سماء زرقاء صافية، نظير صداقة منحني إياها منذ أكثر من عشرين سنة.

عبد الإله الجوهري