الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  كسر الخاطر    
لطيف لحلو، حكيم السينما المغربية

البدايات الحقيقية للسينما المغربية، انطلقت خلال سنوات الستينات من القرن الماضي، على يد ثلة من السينمائيين الشباب آنذاك، سينمائيون أصروا على دراسة و تعلم فن القول بالصورة و الصوت، في زمن كانت فيه السيادة شبه مطلقة للثقافة الشفهية، جميعهم درسوا في الخارج الأوروبي، قبل أن يقرروا العودة لأرض الوطن، من اجل محاولة تكريس مبادئ الحداثة البصرية، و توطين مفاهيم الحرية والديموقراطية الإبداعية، في بلد كانت (و لازالت) تتجاذبه القوى الماضوية الغارقة في أوهام استعادة المجد التليد، حيث كانت تريده أن يبقى كما كان، في خدمة مصالحهم السياسية و مكانتهم الاجتماعية و آرائهم المحافظة الضاربة بجذورها في تربة المفاهيم البائدة، كل ذلك في مواجهة قوى شابة نشطة متطلعة للغد الأفضل، غد النور البعيد عن حلكة الديجور و أنصاره من خفافيش الظلام و عشاق البقاء و العيش في الوراء...
من هؤلاء الشباب الأوائل الأكثر يقظة و حبا للمعرفة الخلاقة، كان عبد الطيف لحلو في مقدمة المقدمة، عاد للوطن بعد دراسات في أرقى الجامعات الغربية و أحدث المعاهد السينمائية ( درس السوسيولوجيا بالسوربون، كما حاصل على دبلوم من المعهد العالي للدراسات السينمائية سنة 1959)، رجع حاملا مشعل السينما الخلاقة، و يافطة مكتوب عليها بالخط العريض: نعم للمستقبل المشع بضوء الحياة، والخلق الفني القويم الجميل.
لطيف لحلو ليس فقط مخرجا و منتجا ، بل رجل و لا ككل الرجال، و مبدع و لا ككل المبدعين، حكمة وحبا للناس و الفن وأرض الوطن، فهو الحاضر في كل المحطات التاريخية الإبداعية المغربية، والواقف بجانب جميع الزملاء من مبدعي المملكة بكل تبصر و حكمة، و المشجع بلا هوادة لكل الطاقات الشابة الباحثة عن مسلك لعالم النور السينمائي، حيث يندر أن تجد شابا مغربيا اختار أن يسلك طريق الفن والسينما، لم يمر عبر قناة هذا الفنان، أو يستعين بمؤسسته الإنتاجية و خدماته الفنية، أو لم يستأنس بآرائه و حكمته و مشورته التي تنضح دائما بحب الخير و الدفع بالآخرين نحو دائرة الخلق المكين المتمكن..
انجازاته الإبداعية عديدة متعددة، سواء كمخرج، أو كمنتج، و قبلهما كموضب، حيث ساهم في توضيب عشرات الأعمال الوثائقية و الروائية المغربية، مثلما كان من بين أصحاب المبادرات الأولى في إخراج الأفلام بالساحة الوطنية، حيث حقق الفيلم الروائي الطويل " شمس الربيع " سنة 1969 بإمكانياته ومجهوداته الفردية، فيلم جاء مصنوع برؤية ثاقبة ذكية، رؤية شاب يتلمس الطريق الصعب للسينما الوطنية الفتية إنتاجا و إبداعا، في بلد لم تكن فيه أصلا سينما، اللهم محاولات هاوية بسيطة مع أشرطة الراحل محمد عصفور الرائدة، و أفلام روائية قصيرة قليلة، و أفلام أجنبية، مصورة على أرض المغرب، برؤى غربية قاتلة لثقافتنا ومشوهة لصورتنا، أما غير ذلك فلم يكن سوى الهباء المنثور في الفضاء السينمائي للمملكة المغربية.
بعد هذه المحاولة الأولى اللافتة، توالت أعماله و أفلامه، " شبهة " و " غراميات " و " سميرة في الضيعة " و " الدار الكبيرة " " و عيد الميلاد "، دون نسيان الأفلام الوثائقية العديدة، يجدر في هذا المقام الإشارة لأهمها و أكثرها قوة و عمقا، شريط " سين فاي "( سنة 1967) الذي انتصر فيه لثقافته وتكوينه السوسيولوجيي العميق و بحثه في عمق الثقافة الوطنية..
أفلام لطيف لحلو ، متفاوتة القيمة و الأهمية، حسب النقاد ومتتبعي الشأن السينمائي بالمغرب ، لكن جميعها مصنوعة بحب و حرفية، و قبل ذلك بإستناد على بحث أصيل في النصوص الموقعة من طرف أشهر الكتاب، نذكر منهم بالأساس: الأديب المغربي عبد الكريم غلاب و الروائي الجزائري رشيد بوجدرة، مثلما تعاون فيها مع نجوم السينما المغربية و المغاربية و الفرنسية، كحميدو بنمسعود و سعاد حميدو و المهدي الكلاوي و الجيلالي فرحاتي و محمد مجد و محمد خيي و سناء بوزيان..
سي لطيف لحلو، بعيدا عن دنيا الشغل و الاشتغال و البحث عن الربح المادي الفاني، رجل حلو العشرة و المعاشرة، عميق الحب و المحبة، المحبة الخالية من الرهانات الدنيوية الباطلة، حكيم يلبس دائما جبة الأولياء و القديسين و رجالات الفكر و التفكر العميق، تجده في كل المواقف و المواضع و المناسبات، خاصة السينمائية منها، واقف/صامد كأصل شجرة فواحة، جذورها منغرسة في الأرض الطيبة وفروعها في السماء العالية، ظلالها تظلل كل من يلجأ بحثا عن لحظات من الإشارة و المشورة، أو يطلب بعضا من ثمارها اليانعة المسقية بماء الحياة الهنية، لا يبخل على أحد، بمعرفته الشاسعة و حكمته الأصيلة، مناضل صلب في دفاعه عن الحق و ساحة الفن، فهو، كان و لا يزال، يوجه كل نقاش حول كيفية تطوير المهنة السينمائية و تسويرها بقوانين ضابطة رادعة، لا تسمح لكل من هب و دب النيل من مكتسباتها أو العبث بقوانينها و مرجعياتها التنظيمية، لهذا كان و لا يزال سيد التجميع و التوحيد و التوجيه، فلا عجب أن اعتبره جل السينمائيون المغاربة عراب الفن السابع بالمغرب و حكيمها الذي لا يختلف اثنان على أهمية أدواره في رفع راية المجد السينمائي بهذا البلد الأمين المكين ...

عبد الإله الجوهري