الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  كسر الخاطر    
أحمد سجلماسي المؤرخ السينمائي.

من أجل البحث في تاريخ السينما المغربية، و تاريخ الأفلام المصورة على أرض المغرب، و الوصول للحقائق والمنشورات و المستندات و المراجع والمعطيات...، لابد من المرور عبر طريق رسمي يخترق دهاليز المركز السينمائي المغربي، أساسا الخزانة السينمائية، على اعتبار أن هذه الخزانة تتوفر، كما يقال و يشاع، على مكتبة تضم مراجع و أفلام ومجلات و نشرات، لا نعرف حجمها و أهميتها، بالنظر لضياع أغلب محتوياتها، نتيجة فيضان تعرض له مقرها، ذات عام من أعوام " أمطار الخير "، و طريق ثان غير رسمي، لكنه جد هام و غني، طريق يتسم بالجدية والعصامية وروح التضحية، اسمه الناقد أحمد سجلماسي، بالنظر لما يتوفر عليه هذا الباحث، من معطيات ومعلومات و كتابات و وثائق و صور، ينذر أن تجد لها مثيلا، حتى عند المؤسسة الرسمية – المذكورة أعلاه - التي تشتغل بإمكانيات كبيرة. فعلا سي احمد سجلماسي، مكتبة سينمائية تاريخية ثابتة و متحركة، مكتبة تذهلك بغناها و تفردها و سعة معلوماتها، مثلما تذهل كل متتبع أو باحث أو مجرد قارئ متطلع للمعرفة، بغزارة المعطيات لديه، و الدقة في التتبع و المعلومات و القدرة على التذكر و منح ما لا يمنح من مراجع و مرجعيات، تسند تاريخنا السينمائي وتحفظه من كل عبث أو ضياع.
أحمد سجلماسي، أو الفيلالي أصلا و الفاسي حبا و نشأة و تعلما، لم يكتسب ما اكتسبه من شرعية ومشروعية سينمائية على الفاضي (كما يقول إخواننا المصريون) أو الهذيان المتواصل، الهذيان المفضي لتشويه التاريخ و لي عنق الحقائق و تمجيد القبيح، كما يفعل، بكل قلة حياء، بعض النقاد المتنطعون الغارقون في صباغة الجدران الكالحة لمؤسسات مشبوهة بصباغة مغشوشة، بل اكتسبه من خلال مسار طويل و حضور دائم في دهاليز السينما و السوليما (على حد سواء)، حضور ابتدأه و هو شاب يافع داخل أروقة الجامعة الوطنية للأندية السينمائية، أساسا منها، النوادي التي كانت تنشط بالحاضرة الفاسية، خلال سنوات السبعينات و الثمانينات و التسعينات من القرن الماضي، قبل أن تنغرس شوكة الوله بشكل غائر، و يقرر الخوض في غمار البحث الموصل لليقين، يقين تاريخ الفن السابع بالمغرب، الذي كان غارقا في لجة التداخل و تضارب الأرقام و الأسماء و السنوات، لغياب أرشيف مضبوط، كنتيجة لعدم وعي جهاتنا الرسمية، و معها الكثير من المؤسسات و الجمعيات المدنية، بأهمية الحفاظ وصيانة أرشيفنا الوطني الفني و الاحتفاء بالرموز من صناع الفرجة السينمائية.
للناقد المؤرخ احمد سجلماسي، قدرة رهيبة على التتبع و التبويب و ضبط النفس، مثلما له حب لا نهائي، للوصول إلى عمق الحقيقة و التثبت من المعطيات، و السفر من أجلها بين المدن و الاتصال الذكي مع كل الجهات، سواء منها المتعاونة أو المتخاذلة، من اجل التحقق والحصول على صورة أو معلومة و لو بسيطة، بل و بذل المال لشراء مرجع مغربي كان أو أجنبي، و لو على حساب متطلبات عيشه و نفقات أسرته و ضمان مستقبل تقاعده.
عرفت سي احمد أو شيخ النقاد( كما يحلو لكل من يحب اجتهاده و مصداقيته، ان يناديه)، هكذا صدفة، و هو لا يزال برأس لم يشتعل بعد شيبا، و وجه بملامح صارمة تنم عن حب للجد و المسؤولية ( الرأس غزاه الشيب، لكن الوجه لازال، كما كان، صارما). عرفته منتصف سنوات الثمانينات من القرن الماضي، خلال نشاط سينمائي، كانت تحتضنه قاعة سينما الريكس( رحمها الله) بفاس، قبل أن تتوطد العلاقة بيننا و يحصل التعاون و التواطئ الجميل، في تبادل الأخبار السينمائية و المعلومات الفنية و الكتب و المراجع الإبداعية، و دعوة بعضنا البعض لمشاهدة فيلم، أو المشاركة في ندوة، أو السفر للاستماع و الأستمتاع بمداخلة في مدينة من المدن الوطنية، هذا قبل أن نقرر معا، رفقة فعاليات فاسية مثقفة مناضلة، تأسيس نادي الركاب للسينما، بعد توقف نادي ايزنشتاين عن الممارسة، و نتحمل معا المسؤولية في مكتبه الأول، مكتب أسندت رئاسته للسجلماسي، بالنظر لسنه و تجربته و حنكته و حكمته في ضبط النفس التي كان ،ولازال، يتمتع بها، مقارنة بنا، نحن شباب الاندفاع، آنذاك، و رفع الشعارات تمرير الخطابات السياسية، في قلب الأنشطة الثقافية، أي شباب الخلط الرهيب بين المجالات، و عدم توخي الحذر و الحكمة في تمرير الرسائل الثقافية السينمائية، لعموم الجمهور. ناد ظل علامة مضيئة في تاريخ مدينة الأدارسة، خاصة مع إلتحاق فعاليات ثقافية أخرى، فيما بعد، لتحمل المسؤوليات و توسيع دائرة إشعاعه و تكريسه كفعل سينمائي حق.
إلى جانب ما قام به و قدمه سي أحمد لمدينة المولى إدريس، من خلال نادي الركاب، فإن إشعاعه السينمائي النقدي امتد لتنشيط برامج سينمائية على أمواج إذاعة فاس، لعل من أشهرها و أكثر أهمية برنامج" المغرب السينمائي"، برنامج سمح له الاحتكاك سينمائيا و نقديا و صحفيا، بالعديد من فعاليات الفن السابع المغاربة، و ينتج كتابا نقديا، حمل نفس عنوان المجلة الإذاعية، " المغرب السينمائي"، مؤلف أضحى مرجعا للباحثين، بالنظر للعديد من القضايا المتناولة فيه، خاصة ما يتعلق بالبعد التاريخي لبعض الممارسات و الظواهر و قضايا السينما و السينمائيين بالمغرب.
أحمد سجلماسي، ليس مؤرخا للسينما المغربية و كفى، بل منشط و موجه من الطراز الرفيع، و داعم لمجمل أنشطة الأندية السينمائية و الجمعيات الثقافية المغربية، خاصة منها تلك التي تتموقع على هامش المراكز الحضارية، في مغرب التفاوتات و الحظوظ الثقافية، تلك التي تعاني من البعد الجغرافي والخصاص المادي، حيث تجده هنا وهناك، متنقلا دون كلل أو تعب، خاصة بعد حصوله على التقاعد من مهنته كأستاذ لمادة الفلسفة بالثانوي، ساهرا على البرمجة و التوثيق و التسيير و التأطير و تقديم النصائح للمسيرين الشباب، نصائح يخرجها كساحر، من جبة حكمته و تعقله و ثقافته الفلسفية و مساره الطويل في العمل الجمعوي الدؤوب، و مشاهداته اللامتناهية، و قراءاته المتعددة لأمهات المؤلفات السينمائية، و احتكاكه بعشرات المخرجين و التقنيين و الممثلين و المنتجين و النقاد المغاربة والعرب، و تفكره العميق في أسرار وعمق الحياة المصبوغة بعنت الزمن، و تفاصيلها الغارقة في التجارب المضمرة والظاهرة، تجارب تجعل كل ما ينصح به الشباب، يصب في اتجاه النجاح و القدرة على فعل المستحيل، و تغيير نظرة الجيل الصاعد للسينما و الفن و الثقافة ، الجيل المتروك لنفسه، في البلدات و المداشر و القرى الصغيرة، الجيل الذي يحلم بغد أفضل و مستقبل يحمل لواءه رجالات من طينة سي احمد، ثقافة و جدية و حبا للوطن، لتوجيهه و تحبيب فعل الخير له، و النضال من اجل مغرب حر ديمقراطي، مغرب الفرص المتكافئة والمبادرات الوطنية الثقافية الناجحة.
لهذا الرجل الناقد المؤرخ المنشط النشيط ، نرفع قبعات العشق و الاحترام، مثلما ننثر في طريقه ورود المحبة الفواحة بعطر التقدير المنقطع النظير، نظير ما صنعه و يصنعه للسينما المغربية وذاكرتها المهدورة المتروكة للنسيان، في عصر الرقمنة و الإمكانيات التقنية الهائلة، إمكانيات، للأسف، لا توظف لخدمة الثقافة و الوطن، بقدر ما توجه لمراقبة الناس و إحصاء الأنفاس و الدفع بالشباب للهروب نحو دوائر الخسران، لكن و لحسن الحظ، الدوائر تضيق و تتلاشى، مع كل فعل ثقافي سينمائي تؤطره رموز ثقافية مغربية من طينة الأستاذ أحمد الناقد المؤرخ أحمد سجلماسي.

عبد الإله الجوهري