الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  حوارات    
مـحـمـد خـيـي :
- أنـتـمـي إلـى مـدرسـة سـتـانـيـسـلافـسـكـي فـي الـتـمـثـيـل


  محمد خيي   

لن نكون مبالغين إذا قلنا أن بضع ممثلين مغاربة مثل محمد مفتاح ومحمد خيي ومحمد بسطاوي ومحمد مجد وثريا جبران وآخرين... لا يقلون في أدائهم التمثيلي وموهبتهم عن ممثليين عالمين بصموا إسمهم وخلدوه في ذاكرة الفن العالمي.. وإن كان هناك من اختلاف بين هؤلاء وبين الممثلين المغاربة فربما يعود إلى أن الذين وصلوا إلى العالمية، مهدت لهم كل الوسائل لذلك خصوصا فيما يتعلق بالدعاية الإعلامية، طبعا بعد أن استطاعوا أن يثبتوا كفاءاتهم صحبة مخرجين عباقرة وفي شخصيات كتبت بعناية ودقة من طرف كتاب سيناريو موهوبين وفي أفلام حققت نجاحات تجارية ونقدية.. وربما كان كل هذا ما ينقص الممثل المغربي الذي كلما أتيحت له فرصة إلا ولمع بشدة، وما تجربة محمد مفتاح في بضع أفلام مغربية وعالمية إضافة إلى تألقه المتميز في الدراما السورية سوى دليل لا يقبل النقاش على ادعائنا هذا.
لكل هذا قررنا  أن نحاور ممثلا ينطبق عليه ما سبق، إسمه محمد خيي:


- عرف عنك أنك ممثل غير نمطي وتفضل لعب أدوار متنوعة ومختلفة، هل لك أن تحدثنا عن هذا الجانب في مسيرتك الفنية؟

- بالنسبة لي الممثل إنسان مثل أي إنسان آخر، لكن حينما يمثل شخصية ما فهو الذي يذهب إليها، فالجمهور لايريد أن يرى على الشاشة محمد خيي الإنسان. وبتعدد الشخصيات تتعدد النفسيات وردود أفعالها وبالتالي طريقة اشتغال الممثل، وأنا أكون متمتعا بعملي حينما أجد شخصيات أستطيع معها الاشتغال بعمق، وكلما وجدت شخصية تختلف عني وعن تركيبتي النفسية إلا وازدادت متعتي في أدائها وتيقنت أن الجمهور أيضا سيتمتع بمشاهدتها، وتستمر متعة الجمهور حينما يلتقيك ويتساءل هل هو هذا الذي شاهدته في السينما، وهذا هو السحر الذي يخلقه الممثل والذي يجعل الجمهور دائم التساؤل عن طبيعة كونه قريبا أم بعيدا من تلك الشخصيات التي يتقمصها.. وربما يتفاجأ حينما يجد بأن الإنسان محمد خيي مختلف عن تلك الشخصيات في شكله وردود أفعاله. لكني كممثل أجتهد في بناء وخلق الشخصية، طبعا كما أراها انطلاقا من السيناريو الذي يرسمها والأحداث التي تمر بها فيه (السيناريو)، وهذا في نظري مايجب أن يفعله أي ممثل ، وحينما تجد مخرجا يكون له نفس الرؤية ويؤمن بطريقة الاشتغال هاته ولديه إمكانية لإدارة ممثليه بحيث يكون لديه تصور واضح في ذهنه عن شخصيات أفلامه، فأنتما تتعاونان معا لخلق شخصية تتمتع بالمصداقية لدى من يشاهدها. وعلى العموم فأنا أحب وأتمنى دائما أن أقدم شخصيات مختلفة عن تلك التي سبق لي أن قدمتها سابقا وأن تكون بعيدة عن شخصيتي الحقيقية، وتبقى هذه أمنية طبعا أرجو الوصول إليها.

- في جوابك ذكرت عملية إدارة الممثل من طرف المخرج، سؤالي هو هل تلك الأدوار التي شاهدناك فيها كانت كلها أو بعضها ناتجة عن مجهود شخصي لمحمد خيي أم أن هناك حضورا بارزا لإدارة بعض أو كل المخرجين الذين اشتغلت معهم؟

- تتفاوت قدرة المخرجين ومدى تمكنهم من امتلاك تقنية إدارة الممثل أو توجيهه وتوصيله إلى ما يريد من أفكار، فهناك المخرج الذي يحدثك في البدء بكيفية بسيطة وسطحية عن الشخصية ويبقى لك أنت كممثل إنهاء باقي العمل بمجهودك الشخصي. لكني رغم كل شيء أومن بأن على الممثل أن يقترح على المخرج طرقا لأداء الدور هذا طبعا بالنسبة للمخرج الذي يرى فيلمه في ذهنه قبل تصويره ولديه تصور واضح في ذهنه عن شخصيات أفلامه كما سبق لي أن قلت..

- أو قد يكون قد رأى محمد خيي أثناء كتابة السيناريو في الشخصية.

- لا أنا لا أحب أن تفصل الشخصية على مقاسي، لأنها إذا كانت كذلك لن يبقى لدي هامش للاجتهاد والإضافة، لا أريد إطلاقا أن أكون محمد خيي وأنا أمثل، بل أريد أن تكون الشخصية التي كتبها السيناريست أو المخرج، وهذا الأمر يجعل الممثل يتحدى المخرج ويفاجأه بأشياء إما كان يتخيلها فقط ويرجو أن تكون في الشخصية التي يراها أمامه أو لم يتخيلها إطلاقا. وأنا أحب ان أفاجأ الجمهور أيضا بل حتى التقنيين الذين أشتغل معهم في البلاطو، حينما أرى نظرة الاتياح على وجوههم أرتاح أنا أيضا للعمل الذي قدمته.. على العموم لا يمكنني أن أقول أني وصلت لما أريده بكيفية كاملة، لكني أطمح لذلك في أعمالي القادمة والتي أتمنى أن تكون كثيرة حتى تتيح لي إمكانية تحقيق هذا الطموح.

- هل تظن أن الشخصيات التي قمت بها والسيناريوهات التي قدمتها مع الأخذ بعين الاعتبار ما يقال عن أزمة السيناريو بالمغرب أتاحت لك التعبير عن كل ما بداخلك من طاقة، وبالتالي تعتبر نفسك راض عما قدمته؟

- هناك شخصيات وجدت فيها ذاتي وعبرت فيها عن طاقتي وقدراتي كممثل، وهناك شخصيات رافقتها مع المخرج أثناء الكتابة وهناك شخصيات وجدت متعة في أدائها، ومن ضمن هذه الأخيرة شخصية انتهيت من أدائها مؤخرا وهي شخصية  «أوشن» في فيلم «أندرومان» للمخرج عز العرب العلوي، وأنا أرى أنها شخصية مختلفة كليا عن الشخصيات التي سبق لي أن أديتها، وربما ستظهر هذه الشخصية دور الأداء التمثيلي الذي قمت به، وأتمنى أن يخرج العمل النهائي في المستوى وتكون الشخصية التي أديتها كما تصورتها ، بحكم أنني بذلت رفقة كل طاقم الفيلم مجهودات ليخرج العمل بصورة جيدة... أما فيما يتعلق بالسيناريو فما زلنا نشتكي من نقص فيما يخص السيناريوهات الجيدة، إذ حينما أتمعن فيما أراه من شخصيات في الواقع أقول يا ليت لو أتيحت لي الفرصة أن أمثل مثلها، وبهذه المناسبة أتمنى ممن يكتبون السيناريوهات أن يغامروا ويبحثوا ويجتهدوا أكثر من أجل إعطائنا سيناريوهات في المستوى، لأن السيناريو هو الأساس لأي فيلم جيد وحينما يجد الممثل سيناريوها مكتوبا بشكل جيد ويضم شخصيات محبوكة أيضا بدقة يستطيع أن يعطي أكثر ويخرج من جعبته أشياء ماكان ليستطيع إخراجها لولا ذلك.

- ضمن أي مدرسة في التمثيل يمكن أن تصنف نفسك؟

- أستاذي الذي أثر في هو المرحوم عباس إبراهيم، حيث كنا نتكلم عن مدارس التمثيل ومن جملتها مدرسة ستانيسلافسكي، الذي قرأت له كتاب «إعداد الممثل»، وقد وجدت نفسي في هذا الأسلوب من التمثيل الذي يتحدث عنه والذي ينبع من الداخل والذي يعتمد على الصدق في الأداء، فأنا لا أحبذ طريقة التمثيل التي تعتمد على كثرة الحركات، إذ يمكن للشخصية أن تكون كوميدية وعميقة في نفس الوقت أو درامية وعميقة.. العمق في الشخصية لايرتبط بنوع من الشخصيات دون آخرولا يرتبط كما يظن البعض بالبكاء والحزن.. فستانيسلافسكي يقول: «لو أنني كنت هذه الشخصية فما كان بوسعي أن أفعل؟»، وأنا من بين المحركات التي ألتجأ إليها وأستحضرها من داخلي، تلك الأحداث أو المواقف التي سبق أن عشتها كانت مؤلمة أم لا، فأنا على سبيل المثال أستحضر جلسة تألم أو بكى فيها أبي أو أخرى بكت فيها إبنتي مثلا بعد أن عنفتها أثناء استعدادي لأداء دور ما لتعينني كي أكون أكثر عمقا وصدقا في الأداء. وأنا لا أقول كما يقول ستانيسلافسكي «لو أنني كنت» بل أقول «أنا هو هذا الشخص» إذ أحاول أن أدخل للشخصية بصورة كاملة وأتعمق فيها وأعمل كل ما في وسعي حتى لا يرى الناس على الشاشة محمد خيي بل تلك الشخصية. أستغرق في هذا العمل لمدة شهرين بعد أن أكون قد قمت بقراءة السيناريو عدة مرات إذ أنني أستمر في قراءته حتى أثناء التصوير، كل هذا لأخلق عالما للشخصية وأعرف ماضيها وحاضرها ومستقبلها كذلك، إذ لايمكن أن نقول الله أعلم ماذا سيقع لها. وهذا لأبني الشخصية من بدايتها وتكون شخصية مختلفة وصادقة وعميقة.

- لكن ألا يسبب لك هذا الدخول في الشخصيات ومحاولة الخروج منها توترات نفسية، حتى أنك ربما لاتتخلص منها نهائيا بسهولة، وهي حالة تقع لكبار الممثلين، وما أحمد زكي سوى نموذج لهذه الحالة؟


- لا.. أنا مطالب بالخروج من شخصية للدخول إلى أخرى وإلا سأظل بلا عمل (ويضحك)، وأنا أومن بأنني لا يجب أن أعيد تمثيل نفس الشخصية لأكثر من مرة. ربما قد تكون إحداها قريبة شيئا ما من الأخرى لكني أحاول ما أمكن أن أبتعد عن الشخصيات المتشابهة أو المتطابقة.. إذ وقعت فيما تقوله ومرضت بعد أدائي لشخصية ما، فماذا سأفعل إن أتتني شخصية أخرى بعدها مناقضة لها، أنا الآن متأثر بعبد القادر وجاء أحمد الذي لايشبهه في شيء ماذا سأفعل سأدخل الأول في الثاني؟! انتهيت من عبد القادر «تخلصنا، الله يعاون».
هناك العديد من الممثلين يمثلون بنفس النمط ونفس إيقاع الأداء الذي أصبحوا يتنقلون به بين المسرح والسينما والتلفزيون وهذه هي النمطية، وهذا النوع من الممثلين يظل هو نفس الممثل لا يغير شيئا في طريقة تمثيله أو في حركة جسده أو في إيماءات عينيه، مهما تغيرت الشخصية التي يؤديها، ويمكن لمثل هؤلاء الممثلين أن ينجحوا في مسيرتهم الفنية ولو بطريقة أدائهم البسيطة هاته بل هناك ممثلون عالميون من هذا النمط.

حاوره عبد الكريم واكريم